دمشق – حلب – الناس نيوز :
تحت قناطر أثرية في سوق التكية السليمانية، يأمل جوزيف طوبجيان أن يجد في دمشق سوقاً بديلاً لتصريف إنتاجه من الصابون الحلبي بعدما منعته سنوات الحرب التي مزّقت بلاده، من تصديرها.
وطوبجيان (61 عاماً) واحد من بين 137 حلبياً شاركوا في معرض “منتجون 2020” الذي أقيم بدعم من الحكومة في سوق التكية السليمانية في وسط العاصمة، حاملين منتجات صنعوها في ورشات صغيرة مؤقتة بعدما أطاحت سنوات الحرب بمعاملهم التي تنتظر إعادة إعمارها أو ترميمها.
ويقول طوبجيان لوكالة فرانس برس “أمضيت حياتي كلها بين زيت الغار والصابون، وهذه الرائحة لا تفارق رئتيّ”.
ويضيف “نحن اليوم في دمشق لنبحث عن سوق بديل عن السوق الخارجي بعد تعذر عمليات التصدير”.
وتستضيف التكية السليمانية في أحد أجنحتها المخصص لاستقبال المعارض والفعاليات الثقافية والسياحية، المعرض لنحو أسبوع تقريباً. ويعود تاريخ هذا البناء إلى الحقبة العثمانية وتتألف أسواقه من باحات واسعة تتوزع فيها الغرف تحت قناطر تعلوها قبب عدة. ويقصده رواد دمشق لشراء الصناعات اليدوية والتراثية. وهو يضمّ مسجداً ومدرسة أثرية أيضاً.
في العام 2012، هاجرت عائلة طوبجيان إلى كندا بعدما تدمّر مصنعهم في حلب، لكن أفرادها لم يتأقلموا مع عالمهم الجديد، فما كان منهم إلا أن عادوا إلى مدينتهم في العام 2018 ليستأنفوا صناعة الصابون في ورشة صغيرة.
وبعدما كان معمل العائلة يعجّ بأكثر من أربعين عاملاً، بات لديها اليوم عاملان فقط. وعبر مشاركته مع شقيقه جورج في المعرض، يأمل أن تجد منتجاته، من الصابون الحلبي ومستحضرات التجميل المستخلصة من النباتات المزروعة في مدينة كانت تعد رئة سوريا الاقتصادية، سوقاً لدى تجار دمشق.
ويقول طوبجيان الذي ارتدى قميصاً طبعت عليه صورة للرئيس السوري بشار الأسد الذي زار وزوجته المعرض الأربعاء بعد يومين من افتتاحه، “نأمل في كسر الحصار عبر إنتاج مواد ومستحضرات تجميل محلية اعتاد تجار دمشق على استيرادها من الخارج” قبل الحرب.
ويضيف “علينا جميعاً أن نسعى جهدنا لإعادة إحياء ورشنا ومعاملنا”، موضحاً “ورثنا صناعة الصابون عن آبائنا وأجدادنا، ولا نريد لها أن تتوقف”.
وكانت مدينة حلب ومحيطها تضم قبل النزاع حوالى مئة ورشة لصناعة صابون الغار، وقد بلغ إنتاجها ثلاثين ألف طن تقريباً. لكنه تراجع خلال سنوات الحرب إلى ما دون الألف، وفق لجنة صناعة صابون الغار.
بعد ثلاثة أيام على المعرض، يقول طوبجيان إنه “تفاجأ” بالعدد الكبير من الناس الذين يسألون عن المنتجات، خصوصاً التجار الذين اهتموا بمساحيق التجميل. وأبدى تفاؤله باحتمال التوصل الى اتفاقات مع عدد منهم.
– “لمسة حلبية” –
وشكلت مدينة حلب العاصمة الاقتصادية لدمشق، إلا أنها شهدت معارك طاحنة بين القوات الحكومية وفصائل معارضة بين عامي 2012 و2016. في نهاية 2016، وبعد حصار طويل لأحيائها الشرقية وهجوم عسكري واسع، استعاد الجيش السيطرة على المدينة بأكملها.
ولطالما اشتهرت بأسواقها التجارية القديمة التي تعدّ من أقدم الأسواق في العالم، وتمتد على مساحة تفوق الـ160 ألف متر مربع تقريباً، وقد استقطبت على مدى قرون حرفيين وتجاراً من كل أنحاء العالم. لكن المعارك دمّرت معظم هذه الأسواق.
وتضرّرت منطقة الشيخ نجار الصناعية في حلب بشكل كبير وخرجت معظم معاملها عن الخدمة، قبل أن يستعيد بعضها وتيرة الإنتاج خلال العامين الماضيين.
وتلقى صغار المنتجين في حلب دعماً حكومياً مباشراً لإحياء ورشاتهم، واستأنفت أكثر من سبعين ورشة عملها، لكنّ منتجاتها لا تجد سوقاً كافياً لتصريفها.
ويقول المدير العام للمجموعة العربية للمعارض علاء هلال لفرانس برس إن صناعيي حلب في انتظار “فرص للبيع وإبرام العقود وتسويق منتجاتهم في دمشق”.
ويضيف “دمّرت الحرب البنية التحتية للصناعيين في حلب”، في حين أثّر الحصار على تأمين مستلزمات تشغيل معاملهم على غرار نقص المحروقات وانقطاع الكهرباء”.
ومنذ بدء النزاع، فرضت دول غربية عقوبات اقتصادية على دمشق، آخرها عقوبات أميركية عبر قانون قيصر بدأ تطبيقها مطلع الصيف.
إلى جانب الصابون الحلبي، يعرض منتجون آخرون ألبسة محلية الصنع ومفروشات وأنواعاً من الطعام اعتاد السوريون استيرادها من الخارج لكنهم باتوا اليوم يصنّعونها.
على طاولة ملونة، تعرض المدرّسة سونالي غزال (42 عاماً) حلوى الخطمي (مارشميلو) المزينة بالورد والفستق الحلبي، تحضرها في ورشة صغيرة قرب منزلها.
واعتادت غزال في ما مضى على تقديم هذه الحلوى غير العربية إلى تلاميذها، لكنها اليوم باتت مفقودة تماماً من السوق لصعوبة استيرادها. وفي حال وُجدت، فإن “ثمنها باهظ للغاية”.
وتقول لفرانس برس “تمكننا من صناعة مارشميلو داخل سوريا وأضفنا عليها اللمسة الحلبية”.
وتضيف “سأقدم الحلوى مجدداً لتلاميذي، لكن بنكهة الفستق الحلبي هذه المرة”.