أمستردام -اسامة سلوم – الناس نيوز
اتفق القادة الأوروبيون ال27 عبر الفيديو في قمتهم الأخيرة التي ترأسها البلجيكي شارل ميشيل على إنشاء صندوق إنعاش مشترك لإخراج الاتحاد الأوروبي من الركود الناجم عن وباء كوفيد -19 كبديل عن الاقتراض المشترك على شكل سندات الذي اقترحته إيطاليا للاستفادة من معدلات الفائدة المتدنية في دول الشمال وعارضته كل من ألمانيا وهولندا بسبب مخاوف من تحمل دول الشمال الأوروبي أعباءً إضافية وفوائد وكلف الاقتراض بالنيابة عن دول الجنوب الأوروبي الأكثر تضرراً من هذا الوباء والأقل استعداداً لتحمل الأعباء.
حيث إن الاقتراض الجماعي ( سندات كورونا ) سندات مشتركة عارضته ألمانيا وهولندا لأنهما تعتبرانه تراكماً لديون مستقبلية على شكل ديون سيادية سيتحملها بنهاية المطاف دافعو الضرائب في دول الشمال على شكل فاتورة تبذير شعوب دول الجنوب العاجزة عن الدفع ويمكن أن يجر القارة إلى تضخم شديد
وبالمقابل تتخوف دول الجنوب من سيناريو التقشف اليوناني الذي فرض على الشعب اليوناني للحصول على القروض الأوروبية عام 2010 ففي ذلك العام رفضت ألمانيا سياسات اقتصادية للإنقاذ دون اتخاذ إجراء صارم لقواعد الميزانية الخاصة باليورو
وإيطاليا التي تتجاوز ديونها أكثر من 130% من إجمالي الناتج المحلي كانت تفضل الإفراج عن نحو 410 مليار يورو من صندوق ما يسمى الطوارىء والأزمات مع إقراض جماعي مناسب دون اللجوء إلى أدوات مالية متشددة
ولكن بالنهاية تم إقرار الصندوق الجديد بالتوافق مع كتلة نقدية مخصصة لهذا الصندوق من المتوقع أن تتجاوز الألف مليار يورو مع شروط واضحة لتمويله من ميزانية الاتحاد لسبع سنوات قادمة .
على أن تتكيف الميزانيات السبع للاتحاد الأوروبي مع هذا العبء الاستثنائي ووضع خريطة طريق مشتركة مع جدول زمني محدد لتوجيه الاستثمارات مع إطار مالي مناسب
وقد تم التوصل لهذا الاتفاق رغم وضوح الانقسامات والخلافات الشديدة بين روما ومدريد وباريس من جهة
وبين برلين وأمستردام من جهة أخرى
وسيدعم هذا الصندوق أكثر القطاعات والمناطق الجغرافية تضررا في الاتحاد وأن يخصص لمواجهة هذه الأزمة غير المسبوقة بكافة تداعياتها الصحية والاقتصادية والمالية
وكانت قد طالبت دول الجنوب المنهكة والمتضررة بشدة من انتشار الوباء مثل إيطاليا وإسبانيا بالمزيد من التضامن المالي من جيرانها في الشمال بعدة اجتماعات سابقة لم تحرز تقدماً ملحوظاً إلى أن أتت القمة الأخيرة كتلبية لهذه المطالب وخاصة مع ظهور مصطلح دول الجنوب الأوروبي ودول الشمال الأوروبي بسبب سياسة الإغلاق وقفل الحدود الوطنية وإجراءات منفردة عمقت الخلاف والانقسام في دول الاتحاد الأوروبي التي اختلفت طرق تعاملها مع هذا الوباء بين الدول مع غياب خطة جماعية موحدة لمواجهة الكساد الناجم عنه فقد خصصت ألمانيا مثلا خطة دعم مالية بحجم فاق أربعة أضعاف ما خصصته دولة كإيطاليا علما أن الأخيرة هي الأكثر تضرر في دول الاتحاد مما دعى روما للظن أنها تركت لوحدها في هذه الكارثة هي وإسبانيا وحتى البرتغال التي أفقدت رئيس وزرائها أنطونيو كوستا دبلوماسيته ليصب جام غضبه على وزير مالية هولندا فوبكي هويكسترا الذي صرح بأن دول جنوب القارة لا تستطيع إدارة اقتصاداتها وتأمين نفسها من الأزمات وهذا الخطاب قد يقوض العمل الجماعي في الاتحاد عند مواجهة الكوارث التي لها انعكاس مباشر على اقتصادات الدول الأعضاء في الاتحاد مما يؤثر سلبا على السياسات المالية والنقدية والاقتصادية الجماعية للمفوضية الأوروبية الأمر الذي قد يهدد بانفراط العقد الاقتصادي فأوروبا التي تعيش سباقا مع الزمن لوقف تفشي الوباء وإيجاد لقاح له في ظروف قاسية تعيشها القارة وتكاد الدراسات تؤكد باستمرار الإغلاق لأشهر عديدة مع بطالة متوقعة ل 2 مليون أوروبي
ويتزامن مصطلح شمال وجنوب مع صعود تيار سياسي يميني ( شعبوي ) متشدد معارض بالأصل للمشروع الأوروبي مما يعمق التصدعات والانقسامات الأوروبية
والسؤال هل سيكون الصندوق الجديد صمام أمان لعدم انفراط العقد الاقتصادي الأوروبي و رأب الصدع ؟
أو سيكون كذر الرماد في العيون ؟ المشروع الأوروبي الآن على المحك كتكل اقتصادي ما زال يعتبر الأقوى في العالم ويجب ان يبقى الأقوى أمام تكتلات جديدة قد تنشأ ما بعد الكورونا …