أنور عمران – الناس نيوز::
في الحانةِ الأخيرةِ،
وعند اللحظة الأخيرة
مسحَ ” جورج” عكّاز أجداده الصدئ كمخلب،
غرزهُ في قلبي،
وقال: ” لن تعود…
فالذين يرحلون يحرقونَنا، ويحرقون السفن.”
….
طريَّاً كانَ مع السكّيرينَ الفقراء
فأحياناً
يملأ الكؤوس مقابل أغنية،
وأحياناً
في آخر الليل يبكي معهم..
……
في خمّارتهِ الصغيرة
دائماً يتنادمُ إلهٌ وشيطان
يطرقان كأساً بكأس
ويصرخان:
” ما معنى السماء
إن لم تكن خيمةً للتائهين؟”
……
إلى الحانة الصغيرة
هَرَّبَ صديقي الذي يعمل في الداخلية
نشرةً سريّةً تطالبُ باعتقالي
فكسر جورج كأسه،
مسَّدَ العكازَ،
وعنّى موّالاً خريفيّاً:
” يا أرضُ لا تعاتبي فَرَسي
أنتِ من باعَ السنابلَ للأنذال”..
غنّى..
وترك شبّاكه مفتوحاً للبريد..
……………
صادفتُ في بيتهِ الصغير
سائحةً فرنسيةً تسألُ:
” أين يسكن الحب؟”
فضحك من قلبه مثل حمامة،
وبكى مثل يتيم.
……..
عن الشاعرِ الذي كان يجلس على الطاولة اليمنى،
ويشتمُ المخابراتِ والممثلةَ الفاتنة والمطر،
قال لي:
” أنا لا أحبُّه
لكنني أشعرُ أن طيراً طيِّباً ينام في قلبه.
…….
حاولتُ مرةً أن أساعدهُ
في تنظيف الخبزِ و”المازة” والشتائم التي تركها الزبائن فوق الطاولات
فعانقني، وأخرج من جيبه صورة طفلٍ صغير
” مات من عشرين سنة،
وعندما عرفتُ ما يفعلهُ الموتُ،
لم أنجبْ له أخاً كي لا يشتاقَ له، يموت”.
………………………………
ألبارحة مات جورج
لم أكن هناك كي أشاهدَ روحهُ السكرانةُ وهي ترفرف فوقه مثل قيدْ،
ولم أحفظ كلماته الأخيرة…
لكنه مرَّ على حلمي سريعاً
وهو يهتفُ:
” لن تعود”.
…………….
البارحة مات جورج
وجدوا عكازَه مُصاباً بالشظايا،
وقلبَه مطعوناً بالذكرياتِ،
ترك وصيته على الطاولة اليمنى
كتب كلمةً واحدةً فقط
لم يتبيَّن أحدٌ فحواها،
ربما الدمع، وربما الخمر من سالَ وضَيَّعَ حبرَها الأسود…
وكان في جيبِ قميصه
صورةٌ جماعيةٌ لحانةٍ واحدة..


الأكثر شعبية

خارطة طريق غاز ونفط سوريا… من الدمار إلى الإعمار؟


دمشق بين زيارتين …
