سلوى زكزك – الناس نيوز ::
يدخل السوريون والسوريات في شهر رمضان، والتحضيرات في سورية لا تختص بالعبادات والطقوس الدينية فقط، بل بالتفاصيل المعيشية اليومية، خاصة أن شهر رمضان هو شهر الصوم واللقاءات العائلية على موائد الإفطار، كما أن وجبة السحور تتطلب دعماً غذائياً وفيراً، لأنها الوجبة الأخيرة والأساسية ما قبل ساعات صوم قد تصل إلى أكثر من 12 ساعة، ما يعني أنه شهر ذو احتياجات خاصة، نوعية، ومضاعفة.
ينادي البائع الشعبي الذي يقود عربة خشبية بأربعة إطارات يجرها بغل ، في إحدى حارات الشام القديمة واسواقها العتيقة ، على بضاعته من برتقال وليمون وبطاطا: “خزنوا الخير لشهر الخير، رمضان كريم”، وفي ظل تراجع السيولة النقدية بشكل كبير، يلجأ السوريون والسوريات للتوفير في كل شيء، ولمواجهة زيادة الاحتياج من الخضراوات والفواكه في شهر رمضان تلجأ أم نضال ، سيدة سورية ، لشراء أكياس كبيرة من الليمون والبرتقال للعصير بسعر أقل من السوق، كما أن العربات الشعبية الجوالة تمر أمام البيوت والأبنية مباشرة، وقد يحمل البائع الأكياس الثقيلة ويوصلها إلى بيوت السيدات الوحيدات، مقابل مبلغ مالي بسيط، أو طلباً لحسنات استباقية لوجه الله، كما حصل مع أم نضال حين تبرع البائع بتوصيل كيسي الليمون والبطاطا إلى منزلها في الطابق الرابع، أثناء انقطاع الكهرباء وتعذر تشغيل مصعد البناء ، ولأنها تعاني من مرض التهاب المفاصل.
ويعزو الكثيرون أسباب ارتفاع أسعار الخضار والفواكه إلى ارتفاع أسعار المحروقات بصورة غير مسبوقة، وندرتها وصعوبة الحصول عليها، ويعتمد المزارعون على المحروقات بصورة أساسية في النقل والسقاية وتدفئة بعض المحاصيل.
وأضافت موجات البرد الصقيعية أسباباً أخرى لارتفاع الأسعار ( في بلد طحنته الحرب ) ، إذ تأخر جني بعض المحاصيل المزروعة في أراض مغطاة بالنايلون، مثل البندورة والبطاطا بسبب الصقيع، بل إن بعضها قد أصابه التلف وبالتالي يرتفع ثمنه بسبب قلة المعروض.
كما يتوقع المزارعون تأخر قطاف مواسم البازلاء والفول الأخضر بسبب البرودة الزائدة، ما سيرفع من أسعارها، عدا عن الارتفاع الهائل في أسعار الأسمدة والتي يساهم التقليل منها بتأخير نضج بعض الزراعات، أو إصابة البعض الآخر وتلفه أو هبوط أسعاره لتراجع جودته، ما سيلحق أضرار بالغة بالمزارعين والمستهلكين في آن معاً.
تقول سميرة (خمسينية وربة منزل تسكن احد احياء دمشق المتوسطة ): بعد سفر إخوتي وإخوة زوجي، إلى بلدان مختلفة في أوروبا، انتقلت والدتي وأخت زوجي الكبرى للعيش معنا، والعصائر مادة أساسية للكبار في السن، أقوم بعصر البرتقال والليمون وغليه مع السكر لتكثيفه، وتضيف: “المشروبات الجاهزة مغشوشة وغالية الثمن، خاصة بسبب ارتفاع سعر السكر وكلفة النقل، كما أنها تتطلب زيارة يومية للسوق أعجز عنها أنا وزوجي، لكثرة الأعباء ولأن الصيام يستهلك طاقة جسدينا”.
تحضّر سميرة جزءاً من العصائر بطريقة التجميد، مع أن الكهرباء تغيب غالبية ساعات اليوم، لكن والدتها مصابة بداء السكري، وتتنازل عن شرط التجميد الكافي بسبب برودة الطقس.
يتغير الإيقاع العام للأيام في شهر رمضان، وخاصة مواعيد العمل وعدد ساعاته، إذ تتقلص ساعات الدوام الرسمي ساعة أو ساعة ونصف، ويغير بعض أصحاب المحال التجارية من توقيت فتح وإغلاق محالهم، تماشياً مع حركة البيع وحركة المستهلكين.
يشتكي أبو سليمان سائق باص صغير لنقل الركاب ما بين حي باب توما وحي المهاجرين من تضاؤل إيرادات عمله في شهر رمضان، لأنه يعجز عن العمل لأكثر من ثماني ساعات متواصلة، بسبب العطش والتعب الناجم عن الجوع، يعود باكراً إلى البيت، ينام حتى موعد الإفطار، لكنه قرر هذا العام أن يعاود العمل ليلاً بعد موعد الإفطار بساعتين، حيث تعود حركة الناس إلى طبيعتها، يقول: “الغلاء لا يرحم، والاعتماد على دوام واحد وقصير لا يكفي لسد الاحتياجات الأساسية”.
ورغم بلوغه عامه السادس والستين إلا أنه يقول: “ميت لا يجر ميت”، لدي أحفاد يتامى أعيلهم، وزوجتي تحتاج لمبلغ كبير يلتهم ربع ما أجنيه ثمناً لأدويتها الدائمة.
في أسواق البقالة عروض هائلة من المعلبات والسكر والأرز والبرغل والمربيات والزعتر والأجبان، لكن الأسعار تفوق قدرة المستهلكين على الشراء، والباعة في حالة غضب وذعر، خائفون من بيع بضاعتهم بأسعار سترتفع فوراً، وهذا سيقلل من قدرتهم على شراء نفس الكميات السابقة، والمستهلكون في حالة قهر وذعر أيضاً لأن سيولتهم تبخرت، وكل شيء يؤكد أن الأسعار لا ضوابط لها وتتجه صعوداً دوماً بسرعة تفوق القدرة على التصديق أو الفوز ببعض المواد بسعر معقول، ويبدو أن الجميع متأكد من حالة العجز المطلقة من قبل السوريين والسوريات، لذلك تم إطلاق فرصة للحصول على قرض لشراء المواد التموينية من منافذ المؤسسات المتعاقدة مع الحكومة، سعياً لتحريك السوق وتحسين حركة بيع المواد شبه الجامدة في صالات البيع ما عدا المواد المقننة، والتي توزع على البطاقة الذكية، وبنفس الوقت قد تؤمن لموظفي القطاع العام فرصة لشراء كل احتياجاتهم! لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هنا، هل الموظفون قادرون على تحمل أقساط جديدة شهرية تخصم من الراتب الشحيح أصلا؟ يسمع السوريون عن العروض الترويجية والتخفيضات التي تسبق شهر رمضان في مناطق كثيرة من العالم لتخفيف الضغط المادي على الصائمين، لكن الحالة معاكسة هنا تماماً، إذ يرتبط ارتفاع الأسعار بشهر رمضان بصورة دائمة.
المؤسف أن الغلاء وعسر السيولة النقدية وفائض الاحتياج يترافق مع تخلي عدد كبير من الجمعيات على تقديم سلال إعانة رمضانية، بسبب نقص السيولة أيضاً وارتفاع قيمة الغذاء عالميا، كما أن بعض الجمعيات التي لجأت سابقاً إلى تحضير موائد رمضان والطبخ في الشوارع الرئيسة ودعوة كل محتاج أو كل عابر سبيل للاستفادة منها في موعد الإفطار، باتت عاجزة فعلياً عن تكرار هذه المبادرات التي توقفت نهائياً وحرمت الكثيرين، وخاصة المشردين وكبار السن والأطفال المتسولين أو جامعي القمامة أو العمال الذين تتعذر عودتهم إلى بيوتهم على موعد الإفطار، بسبب طول ساعات العمل وتوقف المواصلات العامة عن العمل قبل ساعتين تقريبا من موعد الإفطار.
تتضافر المعوقات ليصبح شهر الصيام وتأمين احتياجاته مشقة كبرى، يتمنى البعض بحسه الإيماني النقي والطيب أن يكون قرباناً لأمل ووعد بتحسن الحالة العامة والخاصة للسوريين .