حدثان مهمان جريا في وقت قريب جداً من بعضهما، وسيكون لهما تأثير كبير في طريقة النظر إلى حركات الإسلام السياسي ودورها في الحياة العامة، الأول سيطرة حركة طالبان على الحكم في أفغانستان عبر الطرق العسكرية، وبالاعتماد على البندقية، ما أثار ذعراً داخل أفغانستان وذعراً حول العالم، أما الحدث الثاني فكان هزيمة حزب العدالة والبناء في المغرب في الانتخابات البرلمانية بعد أن حصل على الأغلبية في الانتخابات السابقة، حيث تحول من الحزب الأول في البرلمان إلى الحزب رقم سبعة بـ 12 مقعداً فقط، بعد أن كان يملك 125 مقعداً.
أدرك تماما حجم الاختلافات الكبيرة بين كلا الحركتين، لكن هذا السؤال يطرح بعبارة أخرى، وهو حجم الطيف الواسع لحركات الإسلام السياسي بين طالبان التي تتبنى فهماً أصولياً ضيقاً جداً للشريعة الإسلامية، يقوم على التمييز المطلق بين الرجال والنساء، وعلى فلسفة الحكم القائمة على القرون الوسطى، وبين حزب العدالة والبناء الذي وصل إلى الضفة الأخرى تماماً من حيث مباركة التطبيع بين المغرب وإسرائيل، وتدريس اللغة الفرنسية في المدارس العامة المغربية، وبالتالي فالفجوة بين الحركتين هائلة، وبالرغم من ذلك كلتاهما تعتمدان على مفاهيم الإسلام، ووضعها في قلب الحياة العامة لمجتمعاتهما.
اعتمدت طالبان على فكرة التمايز، تمييز نفسها عن كل المنظمات التي سبقتها في أفغانستان، والأهم المزايدة عليهم في تطبيق الشريعة كما نص البيان الأول لحكومة طلبان بعد استيلائها على كابول، يقوم هذا الخطاب على فكرة الانفصال الكامل عن المجتمعات “الكافرة”، وهو ما من شأنه أن يزيد نقاء عقيدتها بنظر أتباعها ومريديها، ثم بدأت تلعب على فكرة الانهيار الكامل لحكومة أشرف غاني بوصفها عملية لأمريكا وللغرب.
الترحيب السياسي والاجتماعي بطالبان من قبل المجتمعات العربية كان بالحقيقة متناقضاً وغريبا بعض الشيء، فمع ازدياد قوة وحجم طالبان، خاصة بعد سيطرتها على كابول في أقل من 11 يوماً، بعد خروج القوات الأمريكية من أفغانستان، بعد ذلك بدأت طالبان بتطبيق سياساتها في منع التعليم والعمل عن النساء، وغيرها من الإجراءات التي برأيي ستصبح أكثر سوءاً، لأن الأيديولوجي في الحركة أكبر من البراغماتية السياسية التي تحتاجها في التعامل مع المجتمع الدولي.
بكل تأكيد وصول طالبان السهل إلى الحكم يظهر الفشل الذي بنيت عليه الدولة الأفغانية خلال 20 سنة من وجود القوات الأمريكية هناك، وصرف ما يقارب ترليون دولار. كما أعتقد أن القدرة التدميرية التي ألحقتها طالبان بالإسلام تفوق قدرة كل وسائل الإعلام الغربية مجتمعة على تشويه صورة الإسلام، كما تدعي الأدبيات العربية والإسلامية دوماً.
ومع هزيمة حزب العدالة والبناء في المغرب يظهر أن الإسلام السياسي يخسر عبر الانتخابات، وربما تكون هذه الهزيمة ثقيلة، فليس الإسلام السياسي محصناً عن الهزيمة، إذا لم يلتزم بالمبادئ والقيم التي يدافع عنها، وإذا لم يحافظ على صلته الحقيقية مع المجتمع بما يمكنه من الحفاظ على الانتخابية، فإنه سيخسر كما تخسر كل الأحزاب السياسية في العالم، فالصلة بين الإسلام والحزب ليست صلة عقدية، وهذا ما يجب أن تفهمه هذه الأحزاب وتتعلم من دروس طالبان ودرس المغرب.
فلو سمحت طالبان بالانتخابات فإنها لن تتمكن من الحصول على أغلبية، ولذلك يجب ألّا نسقط طالبان على كل حركات الإسلام السياسي، فالعدالة والبناء قبل الهزيمة الانتخابية ربما تعلم من الدرس للمستقبل، لكن أشك أن طالبان يمكنها أن تتعلم درس سنواتها الخمس السابقة في الحكم، فهي تكاد تعيد اليوم الإجراءات ذاتها ما يدفع العالم للنفور منها ويدخل أفغانستان في نفق مظلم لا نهاية له.
رضوان زيادة