بيروت مايزعبيد
من ساحة “الدفتردار” مسقط رأسه، شيّع ثوار طرابلس ظهر أمس شهيدهم فواز فؤاد السمان بعد أن تجمعوا للمشاركة بالتشييع في ساحة النور، وانطلقوا بعدها إلى المشاركة في اشتباكات مع الجيش وهجوم على المصارف.
وكان الشاب السمّان قد قضى نتيجة الأحداث التي تشهدها المدينة بين الشبّان الغاضبين والجيش اللبناني.يوم غضب حقيقي في طرابلس، وساحات المدينة بدت أشبه بمعركة حقيقية، خصوصاً في المربع الجغرافي الممتد من ساحة النور حتى محلتي التل والزاهرية. فكانت طرابلس طوال نهار أمس، مسرحاً لاشتباكات عنيفة ومتنقلة بين الجيش اللبناني وشبّان محتجين، بعد أن اتصل ليل المدينة بنهارها، والمواجهات متواصلة لم تتوقف. وكانت الإشتباكات تتحول من منطقة إلى أخرى، وشهد النهار الطرابلسي العنيف هجوماً كاسحاً على عدد من المصارف الموزّعة في المدينة بين ساحة النور وشارع المصارف ومنطقتي التل والزاهرية، فأمعنَ فيها الشبان والشابات الغاضبون والغاضبات، تحطيماً وحرقاً.
هم أكدوا خلال شعاراتهم التي كانوا يرفعونها أنّهم “ينتقمون الآن لكل دمعة نزلت من رجلٍ عجوز على باب أي مصرف، أو صرخات امرأة، أو أي مواطن ذلّته هذه المصارف على أبوابها، أتى يوم الحساب باسمهم جميعاً”، كما رددوا أيضاً شعارات مناهضة للحكومة والسلطة وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة.كرّ وفرّمعاركُ كرٍّ وفرّ خاضها الشبّان الغاضبون مع الجيش اللبناني. كان هؤلاء الشبان يأتون على دراجات نارية ويتنقلون من منطقة إلى أخرى. هنا يُشعلون حاويات النفايات بعد رميها في الطريق وقطعها، وهناك يقومون بتكسير واجهة أحد المصارف أو حرقها، وهنالك يشعلون آلية للقوى الأمنية، بينما يحاول الجيش بين هنا وهناك وهنالك منعهم من ذلك، مشكّلاً طوقاً بشرياً تارة أو مستخدماً الرصاص المطاطي تارة أخرى، حيث أدت الإشتباكات إلى جرح العشرات من الجيش والمحتجين، فيما اعتقل الجيش البعض منهم.مدينة طرابلس التي خطفت الأضواء إبان ثورة “17 تشرين” سُميت بعروس الثورة اللبنانية، هي نفسها تخطف الاضواء من جديد، لأن شرارة “(ثورة الجياع) – نيسان” انطلقت منها. هذه المدينة التي تعدّ المدينة الأفقر على ساحل المتوسط، كانت أيضاً قد عاشت إرهاصات ثورة الجياع على مدى أيام سابقة وما حصل كان متوقعاً ولطالما تم التحذير منه، غير أن إمعان السلطة في تجاهل مطالب الناس، أخرج الطرابلسيين إلى الشارع غير آبهين لا لـ “كورونا” ولا لتعبئة عامة.
في طرابلس اليوم أكثر من 60% من السكان تحت خط الفقر، وفي شهر الصوم، لا بد من التذكير بأن هناك من لا يملك في بيته طعاماً يفطر عليه، ثم جاءت التعبئة العامة وزادت الفقراء فقراً. ولذلك صبّ المحتجّون أمس جامَ غضبهم على المصارف التي سرقت أموالهم، ومن ورائها السلطة الحاكمة هي الأخرى رموها بأقذع العبارات. بدا هؤلاء الغاضبون في ثورتهم أمس كمن لم يعد خائفاً من شيء لأنه ليس لديه شيء يخسره. فبين هؤلاء، من خسر أمواله وجَنى عمره في لعبة المصارف، وبينهم من خسر مستقبله وعمله نتيجة الغلاء وارتفاع سعر صرف الدولار والإنهيار الإقتصادي الذي أوصلت إليه السلطة البلد، ومنهم شبّان أيضاً ليس لديهم مستقبل في الأصل، لأن هذه السلطة سرقت مستقبل الناس وأحلامهم بوطنٍ آمن.ريفي لـ”نداء الوطن:الشعب جاعقال الوزير السابق اللواء أشرف ريفي لـ”نداء الوطن”: “الناس نزلت لجوعها فهذه ثورة جياع حقيقية. الناس الشرفاء ليست لديهم حسابات خاصة ولكن في كل دول العالم عندما تحصل ثورة جياع من هذا النوع، يحصل على جانبها بعض العنف والفوضى ممن لديهم أجندات خاصة، فيحاولون استغلال تحرّك الناس الموجوعة، وهذا أمر معروف”. وأشار ريفي إلى أن المطلوب اليوم “إعادة تشكيل السلطة عبر انتخاب مجلس نيابي جديد لأن هذا المجلس قد فقد شرعيته الشعبية، وتشكيل حكومة جديدة حرة وقرارها بيدها ليصار بعدها إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية”، وشدد ريفي على أن هذه السلطة “لا يمكن أن تنتج حلاً لأن فاقد الشيء لا يعطيه. في المقابل فإن الحكومة قد أعطيت فرصتها ولكن واضح أن قرارها ليس في يدها. قرار الحكومة عند “حزب الله”، بينما البلد في أزمة اقتصادية كبرى، الإيراني لا يستطيع حلها إنما من يحلها هم العرب والغرب، هذه التركيبة السياسية القائمة ليس هناك أحد مستعد لمساعدتها”.
وعن تحريك ملف مكافحة الفساد، قال ريفي: “هذا كلام حق يراد به باطل، إنهم يضحكون على أنفسهم. هذا العهد عمّق الفساد وعممه. على جدول أعمال جلسة مجلس النواب الأخيرة كانت هناك مشاريع مدرجة لها علاقة بمكافحة الفساد، لم تقر، بل أقرّ مشروع سد بسري فما هذا التناقض؟ مكافحة الفساد بحاجة إلى تشكيلات قضائية لم تنجز، ومن يريد مكافحة الفساد جدياً لا يستفيق متأخراً إلى هذا الموضوع الأساسي. ومن يريد أن يكافح الفساد جدياً كان وقّع التشكيلات القضائية من دون تأخير أو تردد، هذا شعار فقط بينما الكل يعلم أنه يراد منه تصفية الحسابات مع الأخصام السياسيين، بينما يحمي هذا العهد فساده ومصالحه مع حلفائه في “حزب الله”، واحد متعطش للسلطة وآخر متعطش للمال”.
وختم ريفي بالقول: “الشعب جاع والمسؤولون اغتنوا نهباً وسرقة، إنها سلطة حقيرة حسب قول الإمام علي، نعم هذه سلطة حقيرة وحكومتها ستسقط في الشارع حتماً”.في المحصلة فإن مدينة طرابلس ثائرة ضد الفقر، ولياليها الحمراء اشتباكات بين المنتفضين والجيش لا لشيء سوى لأن السلطة الخائفة من شعبها قد وضعت الجيش في مواجهته. والجوع وحّد اللبنانيين، ولم يعد لهم من ملاذٍ، سوى شارع يحاكي غضبهم ويسمع أنينهم، بينما السلطة الحاكمة تغني على ليلاها صفقات وتعيينات وكأنّ لا شعب جائع ولا مواطن يصرخ ويتضوّر جوعاً.
نقلا عن نداء الوطن