ميديا – الناس نيوز ::
قناة المشهد الاماراتية – آسيا هشام – في عام 2005 صدر في موسكو كتاب “لماذا أنشأ ستالين إسرائيل” للكاتب الروسي الشهير ليونيد مليتشين الذي يقول في إحدى صفحاته: “لم تكن إسرائيل لتظهر إلى الوجود، لو لم يكن ستالين أراد قيامها” ويورد الكاتب وثائق رسمية تبين الدعم الكبير الذي قدمه الاتحاد السوڤييتي لتثبيت أركان هذه الدولة في الشرق الأوسط.
تتقارب عبارة مليتشين لفظاً من العبارة التي قالها بايدن عام 1973:” لو لم توجد إسرائيل لتعين على الولايات المتحدة الأمريكية إيجادها” مع فارق كبير في المعنى بين “دعم” ستالين و “لو” بايدن.
هذا لا ينفي دعم السوفييت للدول العربية خلال حربها مع إسرائيل، لكن ذلك الدعم لم يكن يعني تأييد موسكو للقضية بقدر ما هو بحث عن مساحة نفوذ وسوق سلاح وهذا ما كان في زمن أبو عمار.
هذا الموقف السوفييتي رسمياً اكتفى بدور ضامن الاستقرار من خلال تواجده كجزء من قوات حفظ السلام في الجولان منذ أنشئت عام 1974 ولم يتغير كثيرا في عهد روسيا الاتحادية وهذا ما بدا جلياً حين قامت موسكو عام 2018 ببناء ثمانية أبراج مراقبة عسكرية روسية في الجولان لضمان استقرار الحدود السورية الإسرائيلية.
أما التعاون العسكري بين روسيا وإسرائيل فقد وصل في كثير من المرات إلى تبادل وتدريب الخبراء وكذلك صفقات الأسلحة بدءاً من الاتفاق الذي وقعته حكومتا البلدين في السادس من سبتمبر عام 2010، واشترت على إثره موسكو من إسرائيل طائرات مسيّرة كالتي تشتريها اليوم من إيران
ومن يراجع المواقف الروسية لايراها تخرج عن دائرة ما ورد من تصريحات في بيان خارجية دولة كأوكرانيا مثلاً فيما يتعلق بحرب غزة لكن الدعاية السائدة هي ان روسيا في صف الفلسطينيين واوكرانيا ضدهم.
ومفهوم أنه لا روسيا ولا أوكرانيا ولا دول العالم كله نقلت تصريحاتها التي تدين اسرائيل يوماً إلى حيز التنفيذ في ظل احتكار واشنطن لملف هذه القضية.
لكن جدير بالذكر أن الخارجية الأوكرانية مثلاً وبعد عشرة أيام فقط من بدء الحرب في غزة أصدرت بياناً أكدت فيه أنه من المهم للغاية ألا تؤدي المواجهة المستمرة إلى زيادة في عدد الضحايا بين المدنيين على جانبي الصراع، وأن اوكرانيا تؤيد مبدأ تنفيذ حل الدولتين فلسطين وإسرائيل
وبعيداً عن التناكف الروسي الأوكراني يسوق الممانعون العرب اليوم للتغاضي الروسي عن الأنشطة العسكرية الإيرانية في سوريا مثلاً بانه تأييد روسي لحلف المقاومة ومعركته مع اسرائيل.
مع أن هذا التغاضي يعزى لانشغال روسيا في اوكرانيا وللتناكف الغربي الروسي وهو ما سمح بتمدد النفوذ الإيراني وزيادة نشاط ميليشاته في البادية السورية التي تعتبر جزءاً من الطريق الممتد من طهران حتى ضاحية بيروت الجنوبية مركز حزب الله، والذي قامت طهران من خلاله بنقل الصواريخ والسلاح والمال إلى ميليشياتها في العراق وسوريا ولبنان،وأكثر من ذلك فقد تم فعلاً تم رصد طائرات إيرانية مثل شاهد 129 في قاعدة T4 الواقعة في البادية السورية والتي تتشاركها إيران مع روسيا، حيث يتم تجميع وتطوير المسيرات ونقلها بعد ذلك إلى حزب الله في لبنان. وذلك بحسب منظمة PAX الهولندية.
سياسياً لا يوجد أوضح من مساعي موسكو لاحتضان ودعوة الفصائل الفلسطينية في الأوقات والأحداث التي تحددها أجندة المصالح الروسية وهي لا تتعدى ان تكون مكايدة للغرب عبر عنها لافروف حين أكد أنه لا يمكن القضاء على حزب الله وحماس لأنهما جزء من الشعبين الفلسطيني واللبناني وعبرت عنها الزيارات المتكررة من قادة حماس لموسكو.
و بعيدا عن طوايا السياسة فمع كل تلك الاعتبارات تتبنى نسبة لا بأس بها من الشارع الفلسطيني والعربي السردية القائلة بأن روسيا تقف في صف الفلسطينيين دون النظر إلى ما شاهده العالم بأسره من قوافل للمساعدات الإنسانية التي قدمتها دولٌ لا ينتمي أيّ منها لمحور الممانعة ولا من يحوم حول المحور كروسيا، وهذا بحد ذاته مفارقة تستوجب من الكثيرين إعادة النظر في المعايير حول المناصرة والإنسانية.
مثلاً الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي تملك العضلات لتوقف التصعيد، وسواء استعملت تلك العضلات أم لم تفعل فهي ذاتها أكبر مانح للإغاثة الإنسانية لغزة، حيث ساهمت بأكثر من 674 مليون دولار في عام 2023، وكذلك ساهمت بالرعاية الطبية،والمأوى وتُمرر المساعدات الأمريكية عبر منظمات مثل UNRWA وبرنامج الغذاء العالمي، وتعمل على إنشاء ممر بحري لتسريع توصيل المساعدات.
دولة الإمارات من المتصدرين لدول العالم من حيث كم المساعدات الإنسانية المرسلة لأهالي غزة وقد تجاوزت كمية المساعدات العشرين ألف طن حملتها أكثر من ألف شاحنة.
وقد قدمت الإمارات أكثر من 20 مليون دولار في عام 2023 فقط من خلال شراكات مع UNRWA ومنظمات دولية أخرى وشملت المساعدات الإماراتية الإمدادات الطبية، الغذاء، وسيارات الإسعاف، مع التركيز على الإغاثة الطارئة.
وكذلك دولة مثل الأردن لم يمنعها وضعها الاقتصادي من تقديم مساعدات بقيمة 75 مليون دولار لغزة وأخرى بقيمة 25 مليون دولار للضفة الغربية.
حتى أوكرانيا لم تمنعها تصنيفات الممانعين من إرسال 1000 طن من الحبوب ضمن مبادرة “الحبوب من أوكرانيا” رغم ما يعانيه شعبها جراء الغزو الروسي.
اما ما قدمته روسيا الغنية بمواردها للمدنيين في غزة طوال شهور الحرب فلا يتجاوز 480 طن حتى تموز من العام الحالي! وبالطبع لم يُرَ للروس لا مستشفى ميداني، ولا طائرات إغاثة ولا اي نوع من المساعدات.