بكين – الناس نيوز
بعد شهرين من الإغلاق وما تلاه من عزوف للزبائن عنها، بدأت المطاعم في العاصمة الصينية بكين تستعيد حيويتها بحذر، لكنها ما تزال بعيدة عن صخب ضجيجها السابق، ووسط إجراءات وقاية وسلامة صارمة، خوفا من موجة ثانية من وباء فيروس كورونا الجديد.
الآن بعد انحسار الوباء في الصين ومع خفض مستوى الاستجابة في عموم البلاد من المستوى الأعلى، عاودت المطاعم استقبال العملاء، والذين لا يتجاوز عددهم حقيقة نصف ما كان عليه قبل التفشي.
في وسط العاصمة بكين التي تشهد تحسنا ملحوظا في الحركة، يقف موظف يرتدي كمامة عند مدخل كل مطعم يدعو العملاء المترددين للدخول ويعرض عليهم قائمة الأطعمة المقدمة، وبنظرة إلى داخل المطعم، يتبين خلو نصف طاولاته من الزبائن، الأمر الذي ما كان يحدث قبل تفشي الوباء.
ولدى الدخول يمكن رؤية لافتة مكتوب عليها “تم التعقيم” مذيلة بتاريخ اليوم، كما تتوزع شاشات في أرجاء صالة تقديم الطعام لنقل صور من كاميرات موضوعة في المطبخ وكافة مرافق المطعم لرؤية مدى التزامه بالإجراءات الصحية والوقائية، في خطوة الهدف منها بث الطمأنينة لدى رواده.
وعند وصول الأطباق تباعا، يتم توزيع أدوات الأكل البلاستيكية من ملاعق وأشواك أو عيدان الأكل الخشبية والتي تكون مغلفة مع قفازات ذات استخدام واحد، لضمان البيئة الصحية والنظيفة لتناول الطعام في تجاوب مع الإجراءات المفروضة.
مع استئناف عمل المطاعم، تم فرض العديد من الإجراءات لاستقبال العملاء، بدءا من فحص درجات الحرارة عند المدخل من قبل موظف متخصص وتسجيل الأسماء وأرقام الهواتف ومواقيت الدخول والخروج، مع المحافظة على مسافات تباعد بين الزبائن، ووضع ملصق على الطاولات يطلب منهم ارتداء الكمامات في حال عدم تناول الطعام.
فعليا، أغلق قطاع المطاعم لمدة شهرين بسبب تفشي الفيروس، الذي انطلق من ووهان بوسط الصين وأودى بحياة أكثر من 4600 شخص ضمن حصيلة إصابات تجاوزت 83 ألفا في البلاد، لكن ما تلا ذلك من امتناع الزبائن عن زيارتها خوفا، وكذا إجراءات الوقاية المفروضة بشكل عام، جعلتها خالية من روادها لفترة لاحقة.
وهذا ما أجبر بعض المطاعم على الإغلاق تلافيا لمزيد من الخسائر، فيما حاولت مطاعم أخرى التكيف مع الوضع السائد والاكتفاء بالعمل وفق طريقتي “التيك أواي” و”الديليفري” عبر تطبيقات لطلب الطعام عبر الهاتف المحمول دون فتح طاولات للجلوس، مع خفض مرتبات موظفيها أو تأجيلها، وإغراء الزبائن بالخصومات والعروض الترويجية، لتقلل خسائرها قدر الإمكان.
قبل الوباء، كان تتميز المطاعم الصينية بكافة أنواعها بالزحمة الشديدة، وخاصة في مواعيد الذروة أو عطل نهاية الأسبوع أو العطل الرسمية، إذ قلما يمكن أن تجد طاولة فارغة في مثل هذه الأوقات. ويكاد لا يخلو شارع في العاصمة بكين من العديد من المطاعم، إن كانت للمأكولات السريعة أو المطبخ التقليدي أو المطاعم الإسلامية والمناطقية وغيرها.
بيد أن الوباء وجه ضربة قاصمة لهذه الصناعة في الصين، كما غير من عادات الأكل لدى المستهلكين، حيث عزفوا عن الذهاب إلى المطاعم أو تناول طعام أعده أشخاص آخرون، والاكتفاء بالطهي والأكل في المنزل.
ولقطاع المطاعم أهمية كبيرة في الاقتصاد الصيني حيث يعد الصناعة الثالثة الرئيسية. وبحسب الأرقام الرسمية، بلغت حصة القيمة المضافة له في الناتج المحلي الإجمالي 53.9 في المئة في 2019، بينما بلغت مساهمته في نمو الناتج المحلي الإجمالي 59.4 في المئة.
وخلال عيد الربيع الفائت وحده، حققت المطاعم الصينية إيرادات أقل بـ 500 مليار يوان (الدولار يساوي 7.09 يوان) مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي تأثرا بوباء فيروس كورونا، وفقا لأرقام أوردتها وسائل إعلام صينية، وذلك رغم أن الوباء كان ما يزال في بدايته آنذاك.
ومع تواصل انخفاض الإيرادات في هذا القطاع، اتخذت الحكومات المحلية بعد قرار إعادة الفتح تدابير لخفض معدلات الضرائب في العديد من مناطق البلاد، كما تم توفير قسائم استهلاكية بملايين اليوانات من أجل تحفيز الاستهلاك.
ومع اقتراب العاصمة الصينية بكين من إنهاء شهر كامل تقريبا دون تسجيل أي إصابة محلية فيها، ورغم الانتعاش التدريجي البطيء لقطاع المطاعم فيها، إلا أن استمرار العمل بإجراءات الوقاية وفرض حد معين للطاقة الاستيعابية بموجب اللوائح الحكومية يجعل من الصعب العودة إلى ما كان سائدا قبل الوباء.