[jnews_post_author ]
لعل ما أستعرضه هنا يأتي من باب الاهتمام الشخصي بالموضوع الصوفي والروحاني، ومجرد تقاطع معلومات وقراءات متناثرة في عدد من القضايا أو العلوم العصرية كالطاقة ،والتنمية البشرية،والمنظمات السرية والحركات الدينية وأستبق القول إني لا أدع الحقيقة، إنما أُبحرُ في إعادة مشروعية الأسئلة حول قضايا ناتجة عن ثقافتنا التقليدية التي كرست دوافع الرفض والعداء المسبق قبل المعرفة والاطلاع
إنهما أمران: الأول ، جائحة كورونا التي أخذتني ككثير من الناس إلى الـتأمل الفلسفي حيث نشهد تغييراً في مجرى سير إيقاع العالم . والغالب أن ليس فيه نهاية البشرية كما تنبأ الكثيرون؛ لأنها لوكانت النهاية لحدثت باعتقادي دفعة واحدة، وبطريقة حاسمة ،وأسرع، وأكثر شمولية من هذه الأيام التي منحنا إياها الوباء بقضية الاصطفاء البشري العشوائي ربما لحين تمكين مناعة القطيع . وعليه، وكما تشير كل التوقعات المنطقية ستفرز هذه الظروف تغييراً كبيراً في منظومة حياتنا الاجتماعية والاقتصادية، والسياسية وأشكال الصراع فيها
والأمر الثاني ، هو ما تم تداوله بطريقة هزلية لفيديو رجل ادعى وأعلن عن نفسه بصفته المهدي المنتظر. وبعيداً عن هزلية كل التعليقات التي ارتبطت بفيديو الرجل وفيديو آخر لسيدة مصرية تقول إنها دابة في الأرض، وترى أن هذه دلائل قدوم المسيح الدجال أو ما يسمى الأعور الدجال مما يستوجب لاحقاً ظهور المسيح أو عودته ، إلا أن هذه المشاهد بهزليتها أعادتني لمراجعة سردية انتظار المسيح الدجال وفق ما وردت في كتب الثيوصوفية وخاصة في كتب هيلينا بلافاتسكي ومنها (الثيوصوفية، العقيدة السرية،إيزيس النقاب أو كشف حجاب إيزيس صوت الصمت) وغيرها من الكتب ، واعتبرت هذه الكتب في القرن التاسع عشر منبعاً لفاتحة العصر الجديد والكثير من الحركات لاحقاً ، فأسست بلافاتسكي منظمة المجتمع الثيوصوفي عام 1875 مع الكولونيل الأميركي أولكوت وكان أحد أهداف الجمعية المعلنة هو تأسيس نواة لأخوية إنسانية عالمية، دون تمييز في العرق أو الجنس أو الطائفة أو اللون وجاءت قوة هذه الحركة من خلال كتب بلافاتسكي .
وعليه، وفق الرواية الثيوصوفية للكاتبة هيلينا ، فهذه العلوم والمعارف والأسرار الباطنية القديمة سيسترجعها البشر لتنظيم عالمهم الجديد الذي سيخضع مع دخول الكون عصر الدلو إلى منظومة الإدارة الواحدة
وعند ذكرنا للإدارة الموحدة ، لا بد من الإشارة بأن كتاب العقيدة السرية للروسية الأميركية هيلينا بلافاتسكي إلى جانب العديد من كتبها الآنفة الذكر هي من المراجع الأساسية في تأسيس مبادئ ومفاهيم الماسونية ، فضلاً على كونها منحت ألقابا من الدرجة 33 للماسونية وحصلت على شهادتهم
وبلافاتسكي الثيوصوفية التي تعرفت على كل ديانات الشرق القديمة في جولاتها المتعددة حول العالم مروراً بالقسطنطينية ( اسطنبول ) ومصر والهند ، التي تقول بوحدة الأديان في الجوهر والغاية، وأظهرت التشبيه على أساس أن هذه الأديان جميعاً كالضوء الأبيض يعبر عبر الموشور ؛ليخرج بأطياف وألوان متعددة ولكنه في جوهره وأساسه واحد يعتمد في مبدئه المطلق على كينونة الإله الواحد الذي يتجلى في كل شيء
ووفق القول ” المفتاح الذي يفتح إحدى هذه العبادات يفتحها جميعاً وإلاّ فإنه ليس بالمفتاح الصحيح ” لذلك فالنهج الثيوصوفي نراه موجوداً في كل الأديان السماوية وغير السماوية ، والماسونية الجامعة لنخب حول العالم تنهج بمنهج العقائد الباطنية القديمة ولهذا لا تعنى في النظر لطبيعة عقائد المنتسبين إليها ، وربما هنا نرى جوابا لاستنكارنا الدائم من ورود أسماء رجال دين ودولة عرب من مشارب دينية متعددة في محافل الماسونية
الثيوصوفيا والتي تعني في التعريف الإغريقي للكلمة ، ثيوس ( الإله ) صوفيا وتعني (الحكمة) هدفها الإنسان الذي يرتقي بروحانيته ليعتق الروح ويصل لسر الألوهية ،العلة الحقيقية للوجود تسعى إلى لم شمل البشرية جمعاء ألا وهو التوفيق بين كافة الأديان والملل والأمم تحت لواء منهج مشترك للأخلاق، يرتكز على حقائق أبدية وإدارتها من قبل المعلمين أو المستنيرين ممن يمتلكون المعرفة الأوسع وفق تطوير في وسائطهم العقلية والروحانية ، إنها دعوة مستنيرة بأفكار ومفاهيم تؤلف وتخلق الانسجام بين العلم والدين والفلسفة
إنها محاولة لاستطالة العلم باتجاه معرفة كافة المبادئ المبطنة للكون ، هذا التوازن الذي تسعى إليه الثيوصوفية والذي أساءت إليه العقلية الغربية ، حيث قامت المادية الغربية ذات النزعة الإستعمارية الفوقية بسلطة المال المعتمدة على حقائق العلم الوضعي بقطع أوصال هذا الانسجام لوقت طويل ، ولكنها بدأت تعيد النظر فيه من وقت قريب ، حيث أعاد العديد من الفلاسفة والروائيين وحتى العلماء شيئا من روحانية العلوم الباطنية في عالم الغرب وجاء تتويج هذا الإرتباط عبر تجربة وكتب هيلينا ، حتى أنّ انشتاين نفسه أبدى أعجابة بفلسفتها والتي ادعت أنها جاءتها عبر وسيط أو معلم
قد يبدو الأمر مربك حتى الآن بين الأمرين ولكن نقاط الإلتقاء كثيرة إذا ما استبعدنا للحظة تلك المفاهيم التقليدية الشائعة حول الماسونية وشيطنتها وارتباطها بالقوة والسحر الأسود وإن كان في هذا أيضاً جزء من حقيقة ما ، ولهذا اعتبرت كثير من العلوم القديمة أسرار خوفاً من إساءة استخدامها البشري لصالح النزوات الشخصية وتضييق إمكانية الإطلاع عبر هذه العلوم والأسرار إلى أفق عوالم غير مرئية أو تواصل روحي وتخاطر قد يحقق جزء من معجزات العلم وإعادة اكتشاف وفهم لمكونات الإنسان بين المادة والروح
وأعتقد أن الماسونية أدركت حجم قوة هذه العلوم وسعت باتجاهها لامتلاك قوة المعرفة وبالتالي قوة السيطرة
وفي زمن الكورونا العالمي وفي ظل عنجهية واضحة للجنس البشري وفي ظل انتهاك أكبر للطبيعة ، فإن أي اعتداء على نواميس التناغم الكوني يترتب عليه طوفان جديد بمعناه الدلالي حيث يقع الإنسان أسير الفوضى التي تسبب في إحداثها
ووفق وجهتي نظر الثيوصوفية والماسونية فهي مرحلة ربما تستدعي إغلاق دورة وبدء دورة أخرى جديدة للحياة ، وتنامي حركات جديدة أكثر إنسانية وروحانية لخلق عالم جديد وفق إدارة واحدة فيما يتناسب وهذا التوقيت المقترن باعتدال الربيع والشتاء الذي يحدث كل 2000 سنة مما يعني وفق الثيوصوفية بأن العالم يدخل في مدار جديد حيث يخرج من مدار الحوت باتجاه مدار الدلو وهذا الانتقال قد يأتي على شكل سنوات تحمل الكثير من المصائب والشرور الظاهرية قد يبدو فيها وباء الكورونا بظني ووفق نبوءات من العصر الحديث، بأنه أصغر الشرور القادمة وأننا سنشهد ربما في السنوات العشر القادمة أهوالا أكبر لحين حدوث الولادة الجديدة في عالم أكثر ازدهاراً ومع التبشير
باستعجال قدوم المسيح الدجال وفق الثيوصوفيين الذي سيحكم العالم ضمن إدارة واحدة وعقيدة واحدة ونقل الملكية الشخصية إلى ملكية الإدارة العامة وإعادة توزيع قسري للموارد البشرية وسيكون البشر تحت مسار الإختبار والتلمذة وطريق الخلاص في العين التي ترى كل شيء وسيتم إخضاع إرادة الجماهير لهذه الإرادة لصالح البشرية كما نرى اليوم تجلي سلطة الحكومات في قوانين الحجر الصحي وقانون الطوارئ وإن كانت تمثل مصلحتها الآنية للبشرية ولكنها باعتقادي ستحطم لاحقاً بنى الديمقراطية وسلطة الفرد كما بدأ يتضح ، وأعتقد أننا رأينا من الأفلام السينمائية والمسلسلات الكثير مما يندرج تحت هذا القول وهذه الرؤية للعالم الجديد حيث حبكت سيناريوهات تتحدث عن منظومة حكم عالمي جديد يوحد البشرية ويخضها بسلطة تفقدها حريتها حتى لو كانت هذه السلطة تمثل مفهوم أخلاقي يدفع لصالح البشرية ولكن لا يلبث بأن يأتي من يتمرد على هذه المنظومة ويعبر الجدار الفاصل من جديد معلناً عن طبيعة الإنسان التمردية منذ الخروج الأول حتى من الفردوس الأعلى
إن وصول العصر الجديد ضمن هذه المنظومة الثيوصوفية الماسونية، سيقود العالم من قبل زعيم واحد له شخصية تمكنه من تسلم مقاليد السلطة، ليستدعي وصول المسيح أو المهدي المنتظر بجسد جديد فهل هو ظهور بالمعنى التشخيصي للكلمة ؟ أو هو ظهور على هيئة نظام جديد في إدارة العالم وفق منظومة أخرى غير التي تعرفنا إليها عبر مراحل التاريخ ربما استدعت عدالة جديدة غابت طويلاً
إننا بحاجة لرؤية أكثر شمولية وتكاملية في البحث عن الحقيقة التي فقدناها في رحلة السقوط البشري، لنبقى معلقين اليوم بكثير من الأسئلة التي لن تجد أجوبتها إلا كما يعتقد الثيوصوفيين أنها في أذهان المستنيرين واسعي المعرفة من رفع عنهم الحجاب بالمعنى الشعبي للكلمة
ولعل البعض اليوم يعيد الترويج لعالم الإشتراكية مع بدء تهاوي المظهر الرأسمالي وتفكك أواصل الرحم الإنساني بين دول الإتحاد الأوروبي ، فيما يرى آخرون بعودة نظم حياة اقتصادية أكثر بدائية وتغيير في سُلَّم أولوياتنا المادية وشكل منظومة العلاقات الإجتماعية فيما بيننا ، فهل نحن اليوم نعيش هذه الجائحة كمقدمة من إنتهاء دورة حياة وولادة جديدة وفق الرواية الثيوصوفية ؟ وهل هذا تدوين جديد لقصة الطوفان عبر السردية التاريخية المتكررة لها ؟
—