بيروت – هاني موعد – الناس نيوز
تترك أشد أزمة اقتصادية ومالية يمر بها لبنان في تاريخه الحديث أثرها الكبير على كل الأفراد والعائلات المقيمة على الأراضي اللبنانية، إذ يصارع الآلاف من أجل تأمين قوتهم اليومي وحياة كريمة لأولادهم في ظل ارتفاع أسعار المواد الغذائية وفقدان الليرة اللبنانية لما يقارب 90% من قيمتها.
وبينما يعاني البعض من عدم القدرة على تأمين القوت اليومي لـ”أولاده”، ترى الناشطة الاجتماعية فاتن أبو جخ نفسها بينهم، وإن اختلفت طبيعة “أولادها”، فسوء الأوضاع دفعت بفاتن لعرض قططها الـ43 للتبني على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي.
لم تكن فاتن وحدها، فصفحات مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بتبني القطط والكلاب تعجّ بعروض تبنٍ يومية، تقول فاتن لجريدة “الناس نيوز” الأسترالية الإلكترونية إنها لم تعد قادرة على الصمود أكثر ولا تريد أن ترى قططها يموتون أمامها بسبب عدم قدرتها على تأمين طعامهم وعلاجهم مع الارتفاع الجنوني للأسعار.
وتضيف فاتن وهي تلاعب إحدى قططها: “إحساس عرض القطط للتبني صعب جداً، أقولها بصراحة، سفر أولادي وغربتهم كان أسهل بالنسبة لي من عرض قططي للتبني، فأبنائي يعرفون كيف يتدبرون أمورهم أما التبني فهو تسليم القط لعائلة لن تعرف إذا كانت ستطعمه أو تهتم به ولربما ستؤذيه”.
التقشف أيضاً على الحيوانات الأليفة
الأزمة انعكست بشكلٍ مختلف على حيوانات الناشطة الاجتماعية رانيا حمزة، التي لن تحتفل بعيد ميلاد كلبها “هالكو” هذا العام كما احتفلت به العام الماضي، وقالت حمزة لجريدة “الناس نيوز” الأسترالية الإلكترونية: “سوف أعد له هذا العام قالب كيك صغير مكوناً من طحين الذرة والجزر والبطاطا الحلوة والبيض ورشة ملح صغيرة، ولكن بسبب الظروف الحالية وارتفاع الأسعار لن أهديه هدية”.
حصل “هالكو” العام الماضي على “عظمة” كبيرة اشترتها رانيا بـ10 آلاف ليرة، وصل سعرها اليوم إلى 60 ألف ليرة لبنانية.
إضافة إلى هالكو تربي رانيا 12 قطة وكلب في منزلها ببيروت، ولم يعد بمقدورها تقديم سوى وجبتين صغيرتين لـ”أولادها” يوميًا فقط.
تتفاعل حمزة حين حديثها عن قططها المنتشرين في أرجاء المنزل، فالقط “أوريو” بحاجة إلى عملية جراحية لعلاج إصابته بالشلل، تصل تكلفتها إلى 3 ملايين ليرة لبنانية، وتقول غاضبة “أنا لا أملك هذا المبلغ فعلياً، أقوم فقط بحقنه بإبر منشطة”.
بحسب حمزة، تقطن لوحدها مع حيواناتها الأليفة في بيروت، فإن تكلفة رعاية “أولادها” تصل إلى نحو 800 ألف ليرة لبنانية شهرياً بين طعام ومستلزمات أخرى كالبحص للقطط، في حين كانت تصل التكلفة لـ200 ألف ليرة قبل الأزمة.
وعلى الرغم من الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد، تؤكد حمزة عدم وجود أي نية لعرض قططها وكلبيها للتبني، فهم من يملؤون حياتها بالحب والعاطفة الانسانية.
ينتهي الحديث هنا، لنتابع ملاعبة الكلبة “بيلا” للقطة “فلة” يتخللها مشاغبة للقط “غيفارا” في المطبخ، حيث تتوجه رانيا إلى هناك وتبدأ بتأنيبه بعد أن لعب في أكياس السكر والرز، المواد التي تشهد طلباً كبيراً في الأسواق بعد ارتفاع أسعارها بشكل غير مسبوق.
الأسعار تضاعفت..والحيوانات يفقدون الثقة بالبشر
ارتفعت أسعار طعام الكلاب والقطط في لبنان أربعة أضعاف سعرها قبل بداية الأزمة الاقتصادية في البلاد، بينما تعاني الأسواق اللبنانية من شح تلك الأغذية والأدوية ومستلزمات علاج الحيوانات الأليفة، مع طرح بدائل ذات جودة منخفضة.
بينما لم تكن السلع الغذائية الخاصة بالحيوانات المنزلية من بين 75 سلعة دعمتها الحكومة اللبنانية.
ومن التكاليف الإضافية التي تواجهها العائلات اللبنانية الراعية للحيوانات الأليفة، تلقيح الكلاب المنزلية ضد أمراض الشلل والطاعون والصفيرة والسعار، بالإضافة إلى ضرورة حمايتها من الديدان عبر أقراص الأدوية التي يجب أن تتناولها كل ثلاثة أشهر.
وقالت ساره جابر، مالكة لأحد مآوي الكلاب في جبل لبنان، لجريدة “الناس نيوز” الأسترالية الإلكترونية إن الأزمة الحالية أثرت على هذا القطاع لما يصل نسبته 99%، وأضافت أن “المساعدات انعدمت بشكل نهائي، لم نعد نحصل على تبرعات ولم نعد نطلب من الناس التبرع بسبب معرفتنا للوضع الاقتصادي السيئ عند الجميع”.
وذكرت جابر إحدى القصص التي شهدت عليها في الآونة الأخيرة، إذ وجدت كلباً من نوع “جيرمان”، للحراسة المنزلية، مربوطاً من رقبته بجنزير موصول بعمود كهربائي وقد نهش الجنزير لحم رقبته، “كانت رائحته عفنة جداً، أخذته وقمت بإعادة تأهيله في المأوى”، مشيرةً إلى أن “كواترو”، اسمه الجديد، لا يتقبل اقتراب أي انسان منه، باستثناءها، فهو فقد الثقة بالجنس البشري بشكل عام.
وتعبر جابر عن حزنها بسبب أن هذا الكلب كان ضحية تخلي الناس عن كلابها في ظل هذه الأزمة الاقتصادية الطاحنة على البشر والحيوان.
ليس الطعام فقط.. بل العلاج أيضًا
من جهته قال مدير منظمة “Animals Lebanon” جيسن مير لجريدة “الناس نيوز” الأسترالية الإلكترونية إن الأزمة الاقتصادية أثرت بشكل مباشر على قدرة منظمته في مساعدة الحيوانات ودعم العائلات التي تربي القطط والكلاب، وأضاف أن المجتمع اللبناني لم يعد قادراً على تحمل التكاليف الأساسية للحياة، قائلا “رعاية الحيوانات الأليفة أصبحت مشقة إضافية عليهم”.
وقال مير إن معظم المنتجات الطبية المخصصة للحيوانات هي مستوردة وتباع بأسعار السوق السوداء، مما يدفع بالبعض إلى تأجيل عمليات جراحية للحيوانات التي يرعاها، مشيراً إلى أن عددا من العيادات البيطرية أغلقت أبوابها بسبب الأزمة.
وأضاف مير أن دعم منظمته حالياً يقتصر فقط على تغطية نفقات العمليات الجراحية المنقذة للحياة، وذلك بسبب ضعف الدعم والتبرعات، قائلا: “90% من الدعم كان يصلنا قبل الأزمة من الداخل اللبناني، ومن أجل استمرار دعمنا للعائلات التي تربي الحيوانات الأليفة وإجراء العمليات الجراحية لها، وتأمين أبسط ما يمكن تأمينه لتلك الأرواح، أصبحنا نطلب الدعم الدولي، إذ أنشأنا صندوقا خاصاً للتبرعات الخارجية”.
وأشار رئيس منظمة “”animals Lebanon إلى أنه تردهم يومياً اتصالات كثيرة من لبنانيين سوف يغادرون البلاد ويريدون تطعيم كلابهم أو قططهم من أجل السفر، مضيفاً أن جمعيته قدمت أكثر من 6 آلاف كيلوغرام من الطعام لدعم عائلات تربي حيوانات أليفة.
القتل بالسم…ناشطون يطلقون صافرات الإنذار
وتشهد سوق بيع الحيوانات في لبنان أزمة حقيقية حيث اضطرت الكثير من المحال إلى إغلاق أبوابها، وقالت بعض المصادر لجريدة “الناس نيوز” الأسترالية الإلكترونية إن لبنان يشهد يومياً من 5 إلى 10 عمليات للتخلي عن الحيوانات الأليفة في الشوارع، ولا توجد إحصاءات رسمية دقيقة حول عدد العائلات التي تربي قططا وكلابا في لبنان، وأضافت تلك المصادر لجريدة “الناس نيوز” إن عدد القطط والكلاب المنزلية في بيروت الكبرى قد يصل إلى 50 ألفاً.
وفي السياق، قالت الناشطة في مجال الرفق بالحيوان غنى نحفاوي لجريدة “الناس نيوز” الأسترالية الإلكترونية إن “الأزمة أثرت على الحيوانات بشكل مباشر، وسوف نرى انعكاسا مباشرا لها مع تخلي الناس عن حيواناتهم المنزلية خاصة مع عدم وجود ضوابط في القانون اللبناني تمنع البلديات من قتل تلك الحيوانات بالسم والتخلص منها بطريقة غير إنسانية”.
وأضافت نحفاوي أن الحكومة اللبنانية غائبة تماما عن دعم هذا القطاع، مشيرة إلى ما قامت به بلدية “بربارة” في شمال لبنان من تطعيم كل الكلاب الشاردة في البلدة وخصيها وحمايتها من القتل والتعذيب، مما يجعلها نموذجاً لبنانياً يجب الاقتضاء به في حماية الحيوانات الأليفة.
وتؤكد نحفاوي على ضرورة حماية تلك الحيوانات “فهي أرواح تستحق الحياة بكرامة وأمان، وليس لها ذنب بما يرتكبه الإنسان من فساد على الأرض”.