د محمد حبش – الناس نيوز ::
تسعة أبرياء في مسجد الوادي الكبير بمسقط، يعيشون مع أسرتهم وأطفالهم في أكثر بلاد الله أمناً وأماناً يوم أرسل التطرف التكفيري ثلاثة انتحاريين يقتلون أنفسهم في المسجد ويهتفون الله أكبر!
عمان التي استقرت على طرف الشرق الأوسط بعيداً عن صخبه وجنونه، وباتت تعيش حياة هادئة ناعمة، بواقع كثافة سكانية لا تزيد عن 14 في الكيلومتر المربع، ولو وزعت الأرض على المقيمين فيها من عرب وعجم فإن الفرد يصيب أكثر من 71 ألف متر مربع من الأرض، ولو كان لك أسرة من زوجة وثلاثة أطفال فيمكنك أن تتمتع ب 357 ألف متر مربع لا يزاحمك فيها أحد.
وقد أسعدت هذه الجغرافيا الهادئة العمانيين خلال تاريخ طويل بالأمان والراحة والطمأنينة، حتى صنفت عمان عام 2019 البلد الأكثر أماناً في العالم وفق مؤشر السلام العالمي في جنيف.
ولكن هذه المزايا التي تملكها عُمان لا تعني شيئاً في ثقافة الجريمة، وحين كانت الكرة الأرضية كلها لقابيل وهابيل لم تتسع للرجلين وقام الباغي بقتل أخيه، وأعلن أن تاريخ ابن آدم سيظل مغمساً بالدم.
عاشوراء طقوس غريبة، ربما لا يتقبلها كثير من القراء، ولكنها راسخة في تفكير 350 مليون شيعي في العالم، يعتبرونها درساً ومحنة ومصاباً وفاجعة وذكرى، ويلطمون ما شاء لهم الحزن والأسى أن يلطموا، ولكنها في النهاية لا تزيد عن ممارسات يشفون بها صدورهم من ظلم جرى قبل ألف وثلاثمائة عام ومن الواقعي والمنطقي أن يتم الجدل حول صواب ذلك وخطئه، أو فائدته وضرره، وهذا حال كل تقليد تتمسك به أمة وتستهجنه أمم أخرى.
ولكن الكارثة ليست في خطاب النقد والتأمل بل في خطاب التكفير، فالنقد ينتهي عادة إلى ترجيح قول على قول، أما التكفير فإنه ينتهي بفتاوى هدر الدم، وهي فتاوى سوداء تنام في الكتب زمناً ولكنها تشتعل جذوة مدمرة حين ينفخ فيها أول كير أسود.
التكفير الذي تلتهب به منصات التواصل الاجتماعي على الطرفين بات جريمة كاملة، لأنه تحريض موصوف على القتل، ولا يوجد مجرم يقتل إلا وهو موصول بفتوى تكفير قدمها شيخ معمم، من هؤلاء أو من هؤلاء.
وعلى الرغم من أن مراجع المسلمين المعتبرين في الأزهر ورابطة العالم الإسلامي والمفتون المعتمدون وكذلك شيوخ الحوزتين في قم والنجف باتوا يصدرون الفتوى تلو الفتوى للتحذير من التكفير وبيان بؤسه وشؤمه، ولكن لا نحتاج إلى أي جهد لرصد ألف فتوى متشددة لتكفير الشيعة وألف فتوى شيعية لتكفير السنة، وكلها تصدر تحت عمائم بيض وعمائم سود.
ويقول بعض الظرفاء: لماذا تتحسسون من التكفير، إنه لون من الاختلاف في الرأي فأنت كافر بمعراج محمد وأنا كافر بصلب المسيح، وبإمكاننا أن نتكافر بجذالة ومرح، وننصرف إلى أعمالنا كأن شيئاً لم يكن… .
ولكن الحقيقة أن المسألة أكبر بكثير من ذلك فالتكفير له تبعات ونتائج، وأبسطها قول الله للنبي الكريم يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين، واقتلوهم حيث ثقفتموهم، وإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب، فهذه الآيات الشديدة وردت في الكافر ، وما أبشع أن تصف أخاك الإنسان بأنه كافر، مهما كان دينه وملته.
الكفر حكم سياسي ينطبق على الباغي المعتدي فقط، وهذا حال كفار مكة في زمن الرسول الذين كانوا يرسلون الجيش تلو الجيش لغزو المدينة وقتل المهاجرين الأحرار الذين خرجوا من ديارهم وأموالهم ابتغاء السلام والعيش الكريم ورضوان الله، فهؤلاء هم الكفار المحاربين المعتدين، ولا تاد تجد نصاً في القرآن يتحدث عن الكفر إلا وهو مرتبط بموقف عدواني وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا.
القرآن واضح وصريح في ان لفظ الإسلام يتسع لكل إنسان، ويكفي أنه ألقى عليكم السلام، ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً، والرسول الكريم صريح في التحذير من التكفير بعبارة صارمة لا تحمل التأويل إذا كفر المسلم أخاه فقد باء بها أحدهما.
خلال العقود الأخيرة هناك مئات التفجيرات التي استهدفت المساجد تحديداً وكلها للأسف قام بها شباب متشددون، لا يمكنك أن تشك في إخلاصهم وحماسهم لما يعتقدون، إنهم يقدمون أرواحهم فداء ذلك، وليس من الواقعي تبرير ذلك بالعمالة للشرق والغرب، فعبد الرحمن بن ملجم قاتل علي لم يكن مرسلاً من سي آي أيه ولا من كي جي بي ، لقد كان رجلاً مندفعاً بعقيدة مستقرة في نفسه، وحين بلغ مناه في قتل أمير المؤمنين لم يفر ولم يهرب بل سجد لله شكراً على ما أعطاه من شرف الجهاد!!!
هذه المقالة تريد أن تشير بوضوح أن الجريمة تبدأ مع فتوى التكفير، والتكفيري هو المجرم الحقيقي، مهما غلف تكفيره بالأدلة والبراهين والحجج، فقد سبعت الأرض من الدم، ولم تشبع من فتاويهم المظلمة، التي يرسلونها بلا قلوب، ثم يهربون إلى متعهم وأهوائهم فيما ينصرف الانتحاري ليجعلها شهادة لله.
التكفير يبدأ من هنا أيها الناس، وقد حان الوقت ليصعد الناس على المنابر لمواجهة فوضى فتاوى التكفير والاستهتار بالدم واحتقار الحياة.
ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً.