محمد كلش – الناس نيوز ::
الوطن والدولة والأمة، ثلاثة عناوين تقتحم الفكر مع قراءة كتاب الباحث الدكتور عبد الله نعمان المستشار الثقافي في سفارة لبنان بباريس على مدى 42 عاماً.
كتاب من ثلاثة أجزاء مجموع صفحاته 2143 أمضى في إعداده 12 عاماً. محاولة جادة عميقة لبحثٍ في تاريخ لبنان استبقه بتحفظات كبيرة فيما يتعلق بالفارق بين القراءة الذاتية، ولربما الشوفينية، للمؤلف في كتابة تاريخ وتلك الموضوعية التي يصعب أن تكون كاملة في تجردها في عين المؤرخ ويدعو بالتالي القارئ مسبقاً إلى أن يكون حَكَماً فيما تضمنه كتابه، يعكس ذلك حذره من ادعاءٍ لبلوغ الموضوعية غير المنتقصة، وهو يستند في ذلك إلى ما يقوله عن أن تاريخ لبنان ليس تاريخاً واحداً مجمعاً عليه إذ لا كتابة واحدة لتاريخ لبنان.
تاريخ هذا البلد مكتوب حسب ميول كاتبه أو كُتّابه الكثر، والميول في الكتابة هي في الغالب ذات منحى طائفي، ويذهب في طرح سؤال فيه الكثير من المرارة وإن بدت تهكمية “هل سيكون للبنان تواريخ عدة بعدد المؤرخين اللبنانيين”؟
في كتابه هذا يرفع عبد الله نعمان زينة الحداثة للمجتمع اللبناني الذي يبقى برأيه في العمق إقطاعياً ومن عهد عفا عليه الزمن، فمع التأكيد على أن المجتمع اللبناني هو مجتمع حداثي إلّا أن النظام السياسي الذي يديره لا تزال تقوده المَشْيَخات “الزعامات” التقليدية التي تبدو باقية على الساحة السياسية إلى الأبد.
لبنان الوطن لبنان الدولة .
قد يكفي أن يقال إن واحدة من المهام الرئيسة للدولة اللبنانية، إذا لم نقل الوحيدة، حسب الكاتب، هي إدارة الحساسية الطائفية ليُستَبعَد بالكامل الحديث عن “أمة” وينحصر بالتالي بالوطن والدولة مع الفارق الشاسع بين الاسمين، فلبنان بالتأكيد وطن ولكنه لم يصبح بعد دولة، ذلك أن مفهوم الدولة أحبطه كبار المالكين اللبنانيين بشرائها أو من خلال ترهيب أو إفساد موظفيها، والمالكون بدرجة أقل عليهم أن يدفعوا للكبار ليكونوا محميين من قبل أصدقائهم الأقوياء.
الكل يعرف الكل، لكنهم لا يعرفون هذا الذي يُسمى “دولة” ولا يحبونه.
وفيما يمكن فهم الارتفاع المضطرد لديون الدولة اللبنانية منذ سنوات بعيدة يقول الكاتب إن لبنان يعيش على وقع الإفلاس منذ قيامه، فالميزانيات التي نادراً ما يُصوّتُ عليها هي في الغالب في عجز، وأكثر من ذلك أن وزارة المالية تُعِد ميزانيتين، الأولى تتعلق بالموارد التي يُنتظر تحصيلها والثانية تتضمن ما يؤمل بتحصيله فعلاً، وفي الغالب لا بد من قوى حماية عربية أو غربية تؤمن الملاءة المالية للبنان ليفاوض على الاستدانة من الخارج.
في مقدمة الكتاب يوضح الكاتب مسبقاً أن العنوان الذي اختاره لكتابه “لبنان: أمة لم تكتمل بعد”، لا يلغي الأمل في بلوغ المنشود بعد أن تردد كثيراً بين هذا العنوان وبين عنوان آخر كان “لبنان: تاريخ أمة مستحيلة”.