ليندا بلال – الناس نيوز :
البعد عن دمشق، أكثر ما يخيف عبد القادر المنلا، بالرغم من أن حياته ليست موجات من الترحال والكفاح المستمر. لن تمثل هولندا آخر محطاته. قريباً من بحر الشمال، يلم شمل قدره مع البؤساء على سطح هذا الكوكب الغارق باغتراب مركب, يحارب المسافة باللحن، يهاجم الغربة بكلمات عتيقة رقيقة هادفة. ينقل خبراته إلى الشبان والشابات في البلاد الخفيضة. يحاول استعادة حياته بالفن إن استطاع إلى ذلك سبيلاً.
غادر حلب مدفوعا بحلم المسرح. كما يقول في حواره الحيوي في هولندا مع جريدة ” الناس نيوز ” الأسترالية الإلكترونية . التحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق حيث التقى آلة العود للمرة الأولى. صعد مركب الإبداع فنقله بعد المعهد الدمشقي إلى أكاديمية الفن المصرية حيث نال درجتي الماجستير والدكتوراه في فلسفة المسرح.
نافس المصريين في المسرح الأكاديمي وسجل اسماً فتح له أبواب العمل فيها يوم عادها هاربا من بطش النظام السوري عام 2012. تغير مناخ السياسة المصرية تجاه السوريين فقررت زوجته الرحيل شمالاً. وصل بعدها إلى هولندا أملا ببدايات مثمرة. تصدى للغة الهولندية وأعطاها جلّ وقته وجهده. يمر الوقت بطيئا في البلاد الباردة يترقب بعيون مشدودة واقع سوريا وكيف تقدمه الصحافة الهولندية.
“نشرت بالهولندي متأملا ان أحدث تغييراً، ولو طفيفاً، في الرأي الهولندي السياسي. حاولت توسيع إدراك الهولنديين بخصوص ما يجري هناك. الماكينة الإعلامية أماتت القضية السورية. لا يمكن إنكار وجود مؤسسات تعمل لصالح الرواية الأخرى، أي سردية النظام. أحبطني الوضع بعمومه، واكتملت حالة الإحباط مع كذب مؤسسات المعارضة التي تعمل بمنطق النظام السوري، أعادوا تدوير ثقافة البعث في الخلاص الفردي والوظائف الاسرية”.
يحاول “المنلا” ألا ينغمس بالإحباط ويعينه في ذلك نجاح بعض السوريين في نقل هويتهم الحقيقية إلى العالم. “دفعني خوفي من عقلية العائلة والاستبداد، نهجت الديمقراطية مع بناتي “شذى وجوى” اللتين اختارتا دراسة الموسيقى دون تدخل مني سوى في دور الداعم لقراراتهن دائما.
تحف الغناء العربي.
يؤرقني واقعنا السوري في دول اللجوء، اسعى لخلق مبادرات فنية وثقافية تحمل معها القصة السورية، ومنها مشروعي الجديد في إعادة إحياء الأغنية الذكية “كما احب أن اسميها”، كما أغاني الشيخ إمام، وسيد درويش في الاغنية الاجتماعية.
أعمل على إعادة إحياء هذا التراث الجميل في هولندا من جديد، اتخذت قراري بعد استضافتي الأخيرة مع الملحن الهولندي الشهير “يوليان شماينن” على القناة الهولندية الثانية لنغني معه “أنا وجوى وشذى” أغنية الصهبجية للمبدع سيد درويش”.
يسحب المنلا دخان سيجارته كأنما يسحب ذاكرته من مقامها، ” بدأت غربتي في هولندا مع تقديم مسرحية “فاول” سنة 2016، إضافة لمشاركتي في مشروع تدريب الكوادر التمثيلية الجديدة، تم تخريج دفعتين واليوم توقفنا قليلا بسبب الظرف الصحي في العالم مع كوفيد 19.
للمفارقة لم يعتبر المنلا رحلته إلى مصر في المرتين السابقتين أنه غريب عن البلد، حيث كتب اسمه على الدفاتر الفنية المصرية بقوة وثبات.
عبد القادر المنلا ورحلة البحث عن الإجابات.
أدرك مع الوقت أن شخصية عبد القادر المنلا مرنة، تتأقلم مع التغييرات، عطشى للتعلّم أينما حلّت، فمن قريته في ريف حلب انتقل طالبا في كلية الآداب والعلوم الإنسانية ومنها إلى دمشق حيث التحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية، ليسافر بعدها إلى مصر بحثا عن إجابات لأسئلته الفنية، شرب العلم من أفواه أصحابه ما استطاع، شغف بتفاصيل المسرح، درس فلسفة الفن المسرحي، تتلمذ على يد أستاذة كبار منهم كرم مطاوع سعد اردش نبيل منيب، عبد الرحمن عرنوص “كان أساتذتي قساة جدا وهذا ما صقلني أكثر”
ليعود ثانية إلى دمشق، محملا بكل معارفه التي اكتسبها هناك، “رجعت إلى سوريا سنة 2002 للعمل كمدرس في المعهد العالي للفنون المسرحية وهنا بدأت الكوارث، كان المعهد قد تحوّل إلى ما يشبه الأفرع الأمنية، دخلته الوساطات والمحسوبيات”.
خاض “المنلا” رحلة صراع طويلة مع الإدارة ورؤساء الأقسام إلا أن الأمور كانت تزداد سوءا حيث سرى مبدأ التوريث في الفن أيضا، وأصبح القصر الجمهوري يطلب إدخال أسماء بعينها إلى المعهد.
حال الدراما برأيه لم يكن بعيدا جدا عن واقع المعهد الذي عرف ما قبل الألفين فترة ذهبية، وكذلك عرفت الدراما ذروة نجاحاتها في التسعينيات، إلا أنه بعد عام 2000 تغيّر الواقع كلياً، ” بعد ذلك أصبح المطبخ الفني قذر جدا باستثناء الأسماء الكبيرة”.
هرباً من الميكروفون.
جنّدت نقابة الفنانين نفسها للدفاع عن النظام في سوريا مع انطلاق الثورة ربيع ٢٠١١، حيث أصبحت تدعو الفنانين لمسيرات تأييد وهذا ينسحب على المعهد وإدارته، أما في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون فكان الوضع أشد غرابة، “وضعوا الميكروفون في فمي طلبا لرأيي “بالقيادة الحكيمة” وأنا في التلفزيون إلا أنني كنت أتخلص من الإحراج بطريقة دبلوماسية”.
دبلوماسية المنلا فقدت فاعليتها مع تأجج الثورة لذا قرر السفر عائدا إلى مصر، معتقدا أنها رحلة قصيرة ويعود إلى دمشق التي أحب.
سيرة مهنية .
عبد القادر المنلا
ممثل سوري من مواليد دمشق 1969.
نال شهادة الدكتوراه في التمثيل والإخراج المسرحي من أكاديمية الفنون في القاهرة، عضو في نقابة الفنانين منذ 1991، مدرّس في العهد العالي للفنون المسرحية في دمشق لعدة سنوات، شارك في العديد من الأعمال التلفزيونية والمسرحية ومنها “الأمير الفقير، ثلاثة مواكب ومشعوذ، فرقة ناجي عطا لله”.