الناس نيوز – ميشيل سيروب
“باري” مدينة إيطالية وإمارة إسلامية على الطرف الآخر من المتوسط. هل سيُكتب لأميرها النجاح بغزو روما وسائر المدن الإيطالية بقيادة سَودان في القرن الثامن الميلادي؟
صراع حضارتين على طرفي نقيض: حضارة إسلامية ناهضة ، طموحة بنشر الدعوة في الممالك الإيطالية أسوة بالأندلس، وحضارة مسيحية تُعاني من نزاعات داخلية وصراعات بين الأمراء تجمَعهم مرجعية دينية مُمثلة بالبابوية لصد الغزو الخارجي من السراسنة والأغالبة الغرباء.
جنوب إيطاليا، وفي مُقاطعة بوليا أسس المسلمون إمارة “باري” التي دامت أربعةً وعشرين عاماً(847-871). بطل الرواية الأمير سَودان الماوري أظهر عدالة بين المُسلمين والمسيحيين بتوزيع الأراضي والمغانم بينهم، ثُمَّ غزا دوقية بينيفنتو، وكابوا وكانوزا، لكنَّ طموحه الأخير لم يتحقق بالسيطرة على روما العاصمة.
لم تتفق المصادر التاريخية للشعوب على تعريف مُحدد للسراسنة التي كانت تعني الرعاة في الشمال الغربي من شبه الجزيرة، أصبح التعريف يشمل جميع الرعاة العرب داخل الحدود الرومانية وخارجها، وهم في بعض المصادر: مَنْ كانوا يعيشون على أطراف المناطق الزراعية ما بين النهرين(دجلة والفرات) ويهددون طُرق التجارة أو يحمونها بتكليف من روما أو فارس.
أما الأغالبة (800-909) فهم قبيلة من بني تميم حكمتْ في إقليم إفريقية بالمغرب العربي(شرق الجزائر وتونس وغرب ليبيا) مع جنوب إيطاليا وسردينيا ومالطة.
في الرواية نتعرف على السراسنة كفاتحين في الأندلس وفي جنوب فرنسا وفي صقلية وكأنهم ورثة الحضارة الرومانية التي أخذت بالانحِسار. ألصق الرومان صفة النهب والسلب بهؤلاء الغرباء الذين كانوا خليطاً من العرب والبربر كما كان في صفوفهم أسبان ويهود جاؤوا من قُرطبة ثُمَّ أخذ مُصطلح السراسنة يُطلق على كل المُسلمين العرب، باللاتينية: SARACENUS.
قاد الإمبراطور”لودفيك الثاني” تحالفاً مسيحياً واستعان بجماعات من مُسلحي الصقالبة وصربيا واقتحم أسوار “باري” بعد حصار دام أربع سنوات. وانتهت الإمارة نهاية مأساوية دامية. تجاهل المؤرخون الإيطاليون الطفرة الحضارية والعمرانية لإمارة”باري”، والمدونات المتوفرة عن تلك المرحلة هي بخط وتدوين الرهبان المتحيزين أصلاً ضد المسلمين العرب.
الرواية في بعض فصولها، سرد شعري عن قصة حُب بين طرفين غير مُتكافئين: أمير عربي مُسلم (سَودان)، وفتاة إيطالية مسيحية(ماريا) تنتمي لأسرة مُحافظة همها ينحصر بتزويجها من دوق لتحسين مستوها الاجتماعي وللفوز بالمغانم. لم تتحرر ماريا من حُب الأمير بالرغم من الضغوط والرغبة بتحولها لراهبة، تقول ماريا لسَودان بعد أن يلتقيا:- أنتَ أنشودتي وحدي!
ككل الملاحم التاريخية، تحتل الفروسية والدسائس والمؤامرات والخيانات الجنسية والانتقام حيزاً كبيراً في متن الرواية. أما عن الجهاد فهو، حسب الروائي، غطاء لتبرير الغزو من جهة السراسنة باسم الله، بالمقابل الجهاد المُقدس هو ذريعة الفرسان باسم الرب! إنها حرب نفوذ وسيطرة وليست حرباً مُقدسة للفوز بمملكة السماء. يقول كاراس أحد شخصيات الرواية وكأنها نبوءة:”الحرب لن تتوقف أبداً، ما دام على هذه الأرض بشر، والسلام مُجرد أسطورة كتبها فلاسفة قضوا نحبهم بأبشع الطرق”. ص117.
يُؤرخ الروائي عيسى لحقيقة طالما عاشتها وعانت منها الأمم، لا تنتقل مُلكية المُدن بالسلم، تنتقل بقرقعة السيوف وحمحمات الخيل وعزيمة الفرسان. الحرب هي الطريق لبسط الكراهية والعنف والنهب وسلب الناس أموالهم وأقواتهم، أما الطريق إلى الله فهي بالتقوى وبالعبادة وبالصلاة وبالرجاء.
الأسلوب مُتميز في سرد الرواية التاريخية، تقنيات الحوار بين الشخصيات المُتآلفة والمُتخاصمة تجري بسلاسة وبجمالية تُضيء على الشخصيات واقعية في السرد. إنها رواية ازدهار وأفول جزءٌ من تاريخ العرب والمسلمين في تلك الحقبة الغنية من تاريخ الممالك البحرية.
في لحظة يأس، يُحدِّث الأمير سَودان رجاله، بعد أن فقد الأمل بوصول الإمدادات منْ إمارة أقريطش( جزيرةكريت):”سيقص التاريخ دوماً عن صمودكم وبسالتكم وكيف لفئة صغيرة أذاقتْ أكبر جيوش الأرض هزيمة نكراء…. فتُراب “باري” سيشهد على ملاحمنا وحضارتنا” ص 320.
—————-
*الروائي إبراهيم أحمد عيسى من مواليد الإسكندرية، حائز على دبلوم في السينما الرقمية. حازت الرواية على جائزة كاتارا للرواية العربية فئة الروايات المنشورة في عام 2018. للروائي أيضاً: ابقَ حياً، البشرات، طريق الحرير، حكاية الأشبوني، والحاج الِمان.