يوحنا زرزر – الناس نيوز :
بعثرت الحرب السوريين في كافة بقاع العالم. حلم الثورة والتغيير السلمي الديمقراطي استبدله معظم السوريين بحلم اللجوء والحصول على إقامة في إحدى البلدان الآمنة، بعد أن صمد النظام في سوريا وأجهزته القمعية الأمنية والعسكرية، في وجه الشعب السوري ورياح التغيير الثورية، مستفيداً من تحالفاته السياسية والإقليمية من جهة، وتشتت العديد من القوى ومجموعات الثورة السياسية والعسكرية التي انطوت تحت جناح تحالفات قوى إقليمية لها مصالحها الخاصة المناقضة للثورة السورية من جهة أخرى.
أرقام مرعبة سجلتها أحوال اللجوء السوري وتضمنها آخر تقارير (المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين) الصادر أواخر عام 2020، حيث وصلت نسبة اللاجئين السوريين إلى 8.25 % من نسبة اللاجئين عالمياً. صنفت سوريا بذلك على أنها البلد الأول على مستوى العالم في تصدير اللاجئين منذ عام 2014. وذكر التقرير أن عدد اللاجئين السوريين وصل إلى نحو 6.6 مليون لاجئ موزعين على 126 دولة، بينما وصل عدد اللاجئين الكلي حول العالم إلى حوالي 80 مليون لاجئاً. بالمقابل تصدرت صور ومشاهد اللجوء السوري وما تحتويه من أخطار وأهوال الموت والرعب، مجمل وسائل الإعلام العالمية لسنوات طويلة. لا تنتهي معاناة وعذابات اللاجئ السوري بمجرد وصوله إلى بلد آمن وتسجيل نفسه كلاجئ على أراضيه. لكل بلد من بلدان اللجوء سياسته وقوانينه المختلفة في التعامل مع اللاجئين، وخطة ونظام خاص في الاندماج وتأهيل اللاجئ الوافد ليكون جزءاً من مجتمعه الجديد. هذا ما شكل لبعض اللاجئين السوريين صدمة ومعاناة جديدة لا تقل في صعوبتها وتأثيرها النفسي عن أهوال الحرب والدمار. البداية تكون مع اللحظة الأولى لوصول اللاجئ السوري إلى شاطئ الأمان، وانتزاع هويته وانتمائه السابق لبلده، وتحوله إلى مجرد رقم في سجلات الجهات الأمنية المختصة بالتحقيق والتأكد من هوية اللاجئ أولاً، ومن صحة المعلومات والحقائق التي يقدمها عن رحلة وصوله وتفاصيلها ثانياً. يصبح قدر ومصير اللاجئ معلقاً بين يدي المحقق العامل في دائرة اللجوء، وهي الجهة المعنية بشكل مباشر بإصدار قرار منحه حق اللجوء بأنواعه المختلفة، سياسي أو إنساني، ومن ثم حق الإقامة المؤقتة أو الدائمة. جملة من المصطلحات والكلمات الجديدة كلياً تدور في فلك اللجوء وأهواله، أصبحت جزءاً من ثقافة ولغة السوريين اليومية المتداولة (موتاك، الكملك، البلم، الجوب سنتر، الكاف، الناف، جزيرة ساموس، النفرات، إقامة مؤقتة، إقامة دائمة، إقامة فرعية ، الاندماج، جواز سفر مضروب، لم شمل، بصمة إيطاليا، كسر البصمة، اتفاقية دبلن، … إلخ)
الانتقال من ظروف الحياة في بلد ينتمي للعالم الثالث، إلى حضارة وثقافة متقدمة في أحد بلدان العالم الأول، من الممكن أن يشكل صدمة حضارية وفكرية من نوع خاص للكثير من اللاجئين. هذا ما فرض على مجمل بلدان اللجوء الأوروبية الإسراع في تنشيط دوائرها الحكومية المختصة في إدارة شؤون ومتابعة أحوال اللاجئين، من وزارات وهيئات حكومية ومنظمات إنسانية، لكن تبقى الأزمة الحقيقية التي يعيشها اللاجئ السوري في بلدان العالم كافة، تتلخص في مقدرته على الاندماج وإعادة تأهيل حياته بما يتناسب مع واقعه الجديد. تقدر المسافة الفاصلة بين بلد اللجوء الذي استقر به اللاجئ السوري وبين مدينته التي خرج منها مرغماً بآلاف الكيلومترات في كثير من الأحيان، لكن ما يزال يقع العديد من السوريين في مفارقات موجعة في سياق أحاديثهم اليومية بين بعضهم البعض عندما يستحضرون ذكرياتهم عن بلادهم المنكوبة. تسمع من بعض اللاجئين عبارات مثل: (أتذكر عندما التقيت فلاناً هنا في دمشق) فيأتيه الجواب المصحوب بغصة من سامعه اللاجئ أيضاً: (أنت تعيش في برلين منذ خمسة أعوام وما تزال تعتقد نفسك تجول في شوارع دمشق!) على سبيل المثال. خرج السوريون من بلادهم ومدنهم التي أبت بدورها أن تخرج أو تغادر أرواحهم وذاكرتهم أو حتى مفردات لغتهم اليومية. على مقلب آخر يحاول اللاجئون السوريون حول العالم، تجاوز عائق اللغة، وفهم العادات والتقاليد المحلية، والثقافة ومفاهيم المواطنة في بلاد لجوئهم الجديدة. حكايات كثيرة عرضها الإعلام الغربي تحدثت عن النجاحات الكثيرة حققها اللاجئون السوريون في مجالات الحياة كافة، من التفوق الدراسي في كافة المستويات التعليمة، إلى مشاريع جديدة في العمل والاقتصاد والعلوم وغيرها، من جهة أخرى عرض الإعلام نفسه بشكل خجول ونسبي حكايات ومآسي إنسانية غير مسبوقة في العصر الحديث عاشتها العديد من العائلات السورية، عندما تشتت أفرادها بين بلدان اللجوء المختلفة، وموت الآلاف غرقاً في البحر، أو جوعاً وبرداً أو قتلاً في الغابات وطرق اللجوء غير الشرعية أثناء عبورهم الحدود بين الدول الأوروبية. عشر سنوات مرت على الثورة والمحرقة السورية مستمرة، تحولت فيها مواضيع اللجوء والاندماج إلى ثقافة حياة جديدة، لها لغتها الخاصة التي يمكن رصدها ومتابعتها ودراستها. حوالي ثلث سكان سوريا قبل عام 2011 حولتهم الحرب رغما عنهم إلى لاجئين، ولا وجود لبادرة أمل أو تفاؤل لعودتهم القريبة إلى بلادهم ومدنهم وبيوتهم التي دمرتها الأطراف المتحاربة، وعلى رأسها النظام في سوريا وبراميله المتفجرة، أو نهبت وسرقت محتوياتها على يد عناصر الجيش الذي يدعي حماية الشعب المغلوب على أمره من جهة، أو من عصابات ومجموعات مأجورة باسم الثورة، استغلت حالة الانفلات الأمني من جهة أخرى.
شرح مفردات:
-موتاك: معسكر اللجوء. يقضي به اللاجئ السوري فترات متباينة، قد تصل لعدة سنوات، كما تختلف الظروف الإنسانية للحياة في معسكرات اللجوء مع اختلاف دول اللجوء.
-الكملك: تصريح الإقامة بأشكال وأنواع مختلفة، تمنحه السلطات التركية للاجئين على أراضيها.
-البلم: قوارب النجاة المطاطية التي اشتهرت بنقلها آلاف اللاجئين السوريين بين تركيا والجزر اليونانية.
–الجوب سنتر، الكاف، الناف: الجهات الرسمية في كل من المانيا، فرنسا، النرويج، وغيرها من البلدان، التي تعنى بتقديم المساعدة المالية الشهرية للاجئين، وتأمين فرص عمل جديدة لهم، غالبا ما تكون بعيدة كل البعد عن تحصيلهم العلمي أو خبرتهم المهنية التي اكتسبوها أو عملوا بها سابقا في وطنهم الأم.
-جزيرة ساموس: واحدة من أشهر الجزر اليونانية التي وصلت إليها القوارب المطاطية محملة بآلاف اللاجئين السوريين. كانت هذه الجزيرة شاهدة أيضاً على آلاف اللاجئين السوريين الذين قضوا غرقاً ووجدت جثثهم على شواطئها.
-النفرات: تعبير ساخر يتداوله مهربو اللاجئين الأتراك فيما بينهم، مفرده نفر والمقصود به اللاجئ الذي قبل خوض مغامرة ركوب البحر بهدف الوصول إلى بلد اللجوء.
-إقامة مؤقتة، إقامة دائمة، إقامة فرعية: أسماء مختلفة تطلق على أنواع الإقامات الممنوحة للاجئين في بلدان اللجوء. تختلف عن بعضها في المدة الزمنية التي تمنح اللاجئ الاستقرار النفسي خوفا من الترحيل إلى البلد التي هرب منها.
-الاندماج: مصطلح جديد وعائم أصبح متداول بكثرة في وسائل الإعلام الغربية مع ازدياد أعداد اللاجئين السوريين، يهدف الاندماج لإخضاع اللاجئين لجملة برامج ودورات مختلفة بهدف دمجهم في مجتمعاتهم الجديدة، وإن كان سوق العمل أبرزها.
-جواز سفر مضروب: جواز سفر مزيف، يدفع اللاجئ ثمنا باهظا له، بهدف مساعدته لتخطي حاجز التفتيش في المطارات أو على الحدود الدولية، للوصول إلى البلد التي اختارها للجوء على أراضيها. ويعتبر أقل حيل اللجوء خطراً على حياته.
-لم شمل: ملف يتقدم به اللاجئ/اللاجئة بهدف الحصول على دعم قانوني وإنساني من دولة اللجوء لمنح أفراد عائلته حق اللجوء بشكل قانوني، يمكن أن تستغرق هذه العملية سنوات في بعض الأحيان.
-بصمة إيطاليا، كسر البصمة، اتفاقية دبلن: كابوس اللاجئين ورعبهم الدائم يتلخص في الاتفاقية الدولية التي وقعتها 12 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي عام 1997 في مدينة دبلن الأيرلندية وهي اتفاقية معنية بشؤون اللاجئين، تم تعديها مرات كثيرة كان آخرها عام 2013، أحد بنود الاتفاقية وأكثرها قسوة ينص على إرغام اللاجئ على تسجيل نفسه في أول دولة تقبض عليه أجهزة الأمن والشرطة بها. ويتم تسجيل بصمات اللاجئ وتعمم على كافة الدول الأوروبية الموقعة على الاتفاقية. ولا يحق له تقديم لجوء في دولة أخرى. هذا ما شكل رعبا حقيقيا للاجئين من تسجيل بصماتهم في بلدان لا تقدم لهم ظروف لجوء إنسانية مثل إيطاليا واليونان وهنغاريا وغيرها.
يوحنا زرزر : كاتب وصحفي فلسطيني سوري مقيم في النرويج.