ميديا – الناس نيوز ::
توماس فريدمان – نيويورك تايمز – هناك شيئان أؤمن بهما حينما يتعلق الأمر بالأزمة الآخذة في الاتساع في الشرق الأوسط.
نحن على وشك أن نرى ملامح استراتيجية جديدة لإدارة بايدن تتكشف لمعالجة هذه الحرب المتعددة الجبهات التي تشمل غزة وإيران وإسرائيل والمنطقة – وهو ما آمل أن يكون “عقيدة بايدن” التي تلبي متطلبات خطورة وتعقيدات هذه اللحظة الخطيرة.
إذا لم نشاهد مثل هذه العقيدة الشاملة والجريئة، فإن الأزمة في المنطقة سوف تنتشر بطرق من شأنها أن تعزز إيران، وتعزل إسرائيل وتترك قدرة أمريكا على التأثير على الأحداث هناك نحو الأفضل في حالة يرثى لها.
إن عقيدة بايدن – كما أسمي التقارب بين التفكير الاستراتيجي والتخطيط الذي تلتقط تفاصيله تقاريري السابقة – ستقوم على ثلاثة مسارات.
على أحد المسارات، سيكون اتخاذ موقف قوي وحازم تجاه إيران، بما في ذلك الانتقام العسكري القوي ضد وكلاء إيران وعملائها في المنطقة ردًا على مقتل ثلاثة جنود أمريكيين في قاعدة في الأردن بطائرة بدون طيار أطلقتها على ما يبدو جماعة موالية لإيران من العراق.
وعلى المسار الثاني ستكون هناك مبادرة دبلوماسية أميركية غير مسبوقة للترويج لقيام دولة فلسطينية فورًا وقد يتضمن ذلك شكلاً ما من أشكال اعتراف الولايات المتحدة بدولة فلسطينية منزوعة السلاح في الضفة الغربية وقطاع غزة، والتي لن تظهر إلى الوجود إلا بعد أن يطور الفلسطينيون مجموعة من المؤسسات والقدرات الأمنية المحددة وذات المصداقية لضمان أن هذه الدولة قابلة للحياة ولا يمكن أبدا أن تهدد إسرائيل، وكان مسؤولو إدارة بايدن يتشاورون مع خبراء داخل وخارج الحكومة الأمريكية بشأن الأشكال المختلفة التي قد يتخذها هذا الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
أما المسار الثالث فسيكون تحالفًا أمنيًا أمريكيًا موسعًا إلى حد كبير مع السعودية، والذي قد يتضمن أيضًا التطبيع السعودي للعلاقات مع إسرائيل – إذا كانت الحكومة الإسرائيلية مستعدة لتبني عملية دبلوماسية تؤدي إلى دولة فلسطينية منزوعة السلاح بقيادة سلطة فلسطينية جرى اعادة إصلاحها.
إذا تمكنت الإدارة من تجميع كل هذه المسارات معًا – وهو أمر ضخم – فإن عقيدة بايدن يمكن أن تصبح أكبر إعادة تنظيم استراتيجي في المنطقة منذ معاهدة كامب ديفيد عام 1979.
ومع ذلك، يجب ربط المسارات الثلاثة معًا بالتأكيد، حتى تنجح عقيدة بايدن في تحقيق أهدافها وأعتقد أن المسؤولين الأمريكيين يفهمون ذلك.
إن السابع من تشرين الأول (أكتوبر) يفرض إعادة تفكير جذرية في الشرق الأوسط داخل إدارة بايدن، بالنظر إلى هجوم حماس الهمجي على إسرائيل؛ والانتقام الإسرائيلي الضخم ضد حماس والذي أدى إلى مقتل الآلاف من المدنيين الفلسطينيين الأبرياء في غزة؛ والهجمات المتزايدة على الأفراد الإسرائيليين والأمريكيين في المنطقة؛ وعدم قدرة الحكومة اليمينية في إسرائيل على صياغة أي خطة لحكم غزة في صباح اليوم التالي لانتهاء الحرب مع شريك فلسطيني من خارج حماس.
إن إعادة التفكير الجارية تشير إلى إدراك أننا لم يعد بإمكاننا السماح لإيران بمحاولة إخراجنا من المنطقة، ودفع إسرائيل إلى الانقراض، وحلفائنا العرب للخوف من خلال العمل من خلال وكلاء – حماس، وحزب الله، والحوثيين، والميليشيات الشيعية في العراق – بينما طهران تجلس بكل سرور ولا تدفع أي ثمن.
وفي الوقت نفسه، فإنه يشير إلى الوعي بأن الولايات المتحدة لن تتمتع أبدًا بالشرعية العالمية، وحلفاء الناتو والحلفاء العرب والمسلمين الذين تحتاجهم لمواجهة إيران بطريقة أكثر عدوانية ما لم نتوقف عن السماح لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأخذ سياستنا رهينة بيديه ونبدأ في بناء سلطة فلسطينية ذات مصداقية وشرعية يمكنها في يوم من الأيام أن تحكم غزة والضفة الغربية بشكل فعال وباعتبارها جارة جيدة لإسرائيل على الحدود النهائية التي سيتفاوضان عليها معًا.
يصف نادر موسوي زاده، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة الاستشارات الجيوسياسية ماكرو ادفايزري بارتنرز ومستشار كبير للامين العام للأمم المتحدة الأسبق كوفي عنان عقيدة بايدن الناشئة بأنها “استراتيجية المحاسبة المزدوجة”.
ويقول موسوي زاده: “إنك تكشف خدعة إيران استراتيجياً، وفي الوقت نفسه، تشرع في مبادرة غير مسبوقة لوضع الأساس لدولة فلسطينية منزوعة السلاح، بطرق لم تفعلها الولايات المتحدة من قبل” مضيفا “كل مسار يحتاج إلى الآخر لينجح وكل مسار يدعم الآخر ويبرره. إن التصدي لإيران ووكلائها بطريقة قوية ومستدامة يعزز أمن إسرائيل وأمن حلفائنا العرب وان ربط ذلك بالتزام أمريكي حقيقي وجريء بإقامة دولة فلسطينية يمنحنا الشرعية للعمل ضد إيران والحلفاء الذين نحتاجهم لنكون أكثر فعالية، كما أنه يعزل إيران عسكريا وسياسيا”.
وأعتقد أن هذا هو الصحيح تماما، فقد حان الوقت للولايات المتحدة لكشف خداع إيران ونتنياهو.
نتنياهو هو السبب الذي دفعني إلى صياغة هذه القاعدة التي اتبعها في كتابة التقارير عن الشرق الأوسط: “كل ما يقوله لك الناس باللغة الإنجليزية على انفراد ليس له أي صلة بارض الواقع، وكل ما يهم هو ما يقولونه علنًا بلغتهم الأم لجمهورهم”.
لقد كان نتنياهو يهمس لبايدن على انفراد بأنه قد يكون مستعدا يوما ما – ربما – للنظر في نوع ما من الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح، بينما كان يقول بالعبرية علنيا عكس ذلك تماما.
ولحسن الحظ، كان بايدن على المسار الصحيح ولمرات كافية ليعرف أن نتنياهو يحاول توريطه.
في بعض الأحيان يكون العمر ميزة وحان الوقت لنسمي ألعاب نتنياهو وآيات الله باسمائها الصحيحة وعقيدة بايدن تمثل الطريق الأنسب للقيام بذلك.
لقد تسامحنا مع قيام إيران بتدمير كل مبادرة بناءة كنا نحاول بناءها في الشرق الأوسط، طالما ظلت طهران دون عتبة مهاجمتنا بشكل مباشر، وتسامحنا في الوقت نفسه مع حكومة نتنياهو التي تسعى إلى منع أي شكل من أشكال الدولة الفلسطينية بشكل دائم، حتى إلى درجة دعم حماس ضد السلطة الفلسطينية لسنوات عديدة لضمان عدم وجود شريك فلسطيني موحد.
يقول موسوي زادة: “لقد كشف هجوم السابع من اكتوبر أن سياستنا تجاه إيران كانت مفلسة وأن سياستنا تجاه إسرائيل وفلسطين كانت مفلسة ايضاً” فهذه السياسات مكنت حماس من مهاجمة إسرائيل بوحشية ومكنت الحوثيين من شل الشحن العالمي، ومكنت الميليشيات الشيعية الموالية لإيران من محاولة إخراج القوات الأمريكية من المنطقة، وهي قوات منتشرة هناك لمنع داعش من العودة والمساعدة في الحفاظ على استقرار المنطقة بشكل معقول.
وأضاف أن كل هذا حدث دون أن يحمل أحد النظام في طهران المسؤولية عن الطريقة التي “تنشر بها الجهات الفاعلة غير الحكومية السامة والمدمرة في جميع أنحاء المنطقة ضد الأهداف البناءة لحلفائنا”، الذين يحاولون بناء منطقة أكثر شمولاً.
لكل هذه الأسباب، أعتقد وآمل وأدعو الله أن يكون هناك في الطريق عقيدة بايدن في الشرق الأوسط ويجب على الإسرائيليين ذلك أيضًا.
إسرائيل تخسر الآن على ثلاث جبهات، فقد خسرت الحرب الإعلامية على غزة: فعلى الرغم من أن حماس قتلت واغتصبت إسرائيليين، فإن إسرائيل هي التي مثلت أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي بسبب الخسائر في صفوف المدنيين التي تسببت فيها في غزة أثناء محاولتها استئصال مقاتلي حماس الذين المتواجدة بين المدنيين، وهي تفقد القدرة على الحفاظ على أمنها دون أن يؤدي ذلك إلى تمددها أكثر من اللازم على المدى الطويل – من خلال غزو غزة دون أي خطة لكيفية العثور على شريك فلسطيني شرعي غير حماس ليحكم هناك بشكل فعال حتى تتمكن إسرائيل من الانسحاب – كما تخسر على جبهة الاستقرار الإقليمي: فإسرائيل الآن هدف لهجوم إيراني على أربع جبهات – من قبل حماس وحزب الله والحوثيين والميليشيات الشيعية في العراق – لكنها لا تستطيع توليد الحلفاء العرب أو حلف شمال الأطلسي الذي تحتاجه للانتصار في تلك الحرب، لأنها ترفض القيام بأي شيء من أجل إنشاء شريك فلسطيني شرعي وذي مصداقية.
ويخلص موسوي زاده إلى أنه إذا ظهرت عقيدة بايدن، “فستكون عقيدة جيوسياسية جيدة في الخارج وسياسة جيدة في الداخل” ويمكنها أن تردع إيران عسكرياً وسياسياً على حد سواء – من خلال سحب الورقة الفلسطينية من طهران ويمكنها أن تعزز قيام الدولة الفلسطينية بشروط تتفق مع الأمن الإسرائيلي، وفي الوقت نفسه، تخلق الظروف اللازمة لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية بشروط يمكن للفلسطينيين أن يتبناها.
وهي استراتيجية يمكن أن تنجح مع الأميركيين العرب في بحيرة ميشيغان ومع الحلفاء العرب في الخليج.
إنها استراتيجية يمكن أن تفرض حسابات داخل السياسة الإيرانية، وداخل السياسة الفلسطينية، وداخل السياسة الإسرائيلية.