د . ممدوح حمادة – الناس نيوز :
من غير المعروف من وقع في حب الآخر أولا فقد ولد هذا الحب دون المرور بمخاض العاشقين المعتاد، فجأة صارت سناء حبيبة وائل وهو أصبح فجأة أيضا حبيبها، بدأت القصة عندما بدأت سناء تستعير الآلة الكاتبة التي كان يملكها وائل لكي تكتب بعض الأبحاث، وحين استعارتها لم يكن لدى وائل أي انفعالات تجاهها ولم يكن يطمح للقائها كل يوم ولكن سناء في كل يوم كانت تحضر له الآلة الكاتبة مساء وتدور بينهما الأحاديث ومع الزمن أخذت هذه الأحاديث تمتد حتى بعد منتصف الليل وأحيانا إلى الفجر، وفي صباح اليوم التالي تأتي لتستعيرها ويشربان القهوة معا، وبسبب تكرار هذه اللقاءات يوميا أصبح هناك حميمية من نوع ما بين سناء ووائل، وذات يوم وقد حصل ذلك صدفة ودون تخطيط مسبق بينما كانت سناء تتصفح ألبوم صور لوائل وكان هو يجلس لصقها يحدثها عن كل صورة بالتفصيل ويعيدها إلى ذكرياته وجد يده على كتفها وعندما انتبه إلى أن سناء لم تمانع تمادى وأخذ يلعب بخصلات شعرها بهدوء دون ان يسمح لأصابعه بأن تلامس بشرة رأس سناء وكأنه يسرق هذه اللمسات ويريد لها أن تمتد لأكثر فترة ممكنة أما سناء في الحقيقة فقد شعرت بيده عندما القيت على كتفها وتمنت لو أنه يرخي راحته إلى الأسفل ولكن وائل خشية أن يفقد هذه المتعة لم يقدم على تلك المغامرة، وعنما لامس شعرها أيضا أحست بذلك وتمنت لو أنه يقوم بتمشيط شعرها باصابعة ولكن حذره أيضا جعله يتجابن ويتجنب تلك المغامرة، ومنذ هذه اللحظة يمكن القول إن قصة حب عاصف بدأت بين وائل وسناء التي كانت تسهر عنده كل يوم حتى الفجر وكان كل يوم يوصلها إلى غرفتها على الطابق السادس من مسكن الطلبة ويتقصدان النزول من الطابق الحادي عشر حيث تقع غرفته على الدرج رغم وجود المصعد، فالدرج يعطيهم المزيد من الوقت للبقاء سوية ولا يخلو الأمر من عناقات رومانسية حميمية على ذلك الدرج الذي كان آمنا حتى لفعل أكثر من ذلك حيث ان أحدا لا يرتاده والمصابيح التي تنيره سرقها الطلبة كلها منذ زمن بعيد، وتسكنه الظلمة ليلا وكأنه مملكتها الأبدية، وكان وائل يستغل الظلام ليمسك بيد سناء وينير الدرج بولاعته الكليبر التي يشعلها إلى أن يحترق إبهامه ثم يجعلها تنطفئ ويقطف قبلة ويعيد إشعالها، تطورت الأمور أخيرا إلى التشاركية حيث أصبحا يشتريان المواد الغذائية معا ويطبخان ويتناولان طعام الغداء والعشاء معا، أما طعام الفطور فقد كانا يتناولانه في الجامعة، وائل في مطعم كلية التاريخ وسناء في مطعم كلية الرياضيات ولو لم تكن الكليتان تقعان في مناطق بعيدة عن بعضها لتناول وائل وسناء الفطور معا، وكان يلفت نظر وائل أن سناء في كل يوم كانت تأخذ صحنا من الطعام المتبقي في الطنجرة وتلفه بالقصدير ثم تعيده في اليوم التالي فارغا ونظيفا، وخمن أنه يمكن أن يكون لدى سناء وجبات إضافية من باب الحمية ذات الست وجبات أو ما شابه، ولم يشغل نفسه كثيرا بهذا الموضوع.
ذات يوم وكان يوم عطلة السبت أو الأحد استيقظ وائل باكرا وجهز القهوة وغطى فوهة دولة القهوة بصحن للحفاظ على سخونتها وعلق في خنصره فنجانين وركب المصعد وتوجه إلى الطابق السادس لكي يصنع لسناء مفاجأة جميلة، وفعلا سرت سناء كثير بذلك وكادت تحلق من الفرح ولكن المفاجأة التي كانت تنظره عند سناء كانت أقوى من المفاجأة التي أعدها لسناء بكثير فقد كان أليكس طالب السنة الأخيرة من كلية الرياضيات يجلس على إحدى الكنبتين الموجودتين في غرفة سناء واضعا رجلا على رجل وعلى صدره صحن الباذنجان الذي أخذته سناء بالأمس معها وكانت سناء تجلس على الكنبة المقابلة وعندما حضر وائل أسرعت إلى الخارج وأحضرت من خزانة في الفسحة أمام الغرفة فنجانا ثالثا وكرسي حمام بلاستيكي أخضر اللون دعت وائل للجلوس عليه ثم عرفت وائل على الضيف :
– اليوشا (وهو اسم التصغير من أليكس) أعز صديق عندي .. وقف إلى جانبي في كل محني ابتلع أليكس آخر لقمة من الصحن وقال بتواضع:
– لا تقولي ذاك يا سناء، أي رجل ذلك الذي لا يقف إلى جانب امرأة .
ثم التفت إلى وائل وقال مطريا على سناء:
– سناء فتاة رائعة ولكنها مظلومة جدا من قبل مجتمعها.
– نعم .. تلك هي حال المرأة عندنا – قال وائل فقط من باب أنه شارك في الحديث.
انصرف أليكس بعد أن شرب القهوة وأبدى إعجابه بها وبقي وائل عند سناء التي أخذت تشرح له المواقف التي وقفها اليوشا (كما كانت تسميه دائما) وأمتد الحديث كثيرا وروت لوائل كيف أنقذها اليوشا من مؤامرات الطلاب العرب الذين لم يكونوا يروا فيها أكثر من فخذيها وصدرها و آلة الجنس عندها بطبيعة الحال، تقبل وائل الأمر لا بل شعر بنوع من الاحترام لأليكس وتعاطف مع سناء التي كان الطلاب العرب يفكرون فيها بهذه الطريقة فعلا كما كان يسمع منهم وتذكر كيف أنقذها هو من محاولة اغتصاب كان قد أعدها لها سطيف وسلامة ليلة رأس السنة حيث اتفقا على أن يسكراها ويقومان باغتصابها وهي سكرى، وقد قام وائل وقتها، ولم يكن الحب قد أنشب مخالبه في قلبه بعد، بتحذيرها ودعاها لكي تستقبل العام الجديد عنده حيث كان يسهر مع مجموعة من أصدقائه وصديقاته، لهذا يمكن القول إن وائل لم يتوقف عند موضوع أليكس وتابع حياته مع سناء بشكل طبيعي، ولكن بعد أسبوع تقريبا أخذ وائل سناء إلى محل ألبسة كبير يقوم بتصفية بضائعه بأسعار رخيصة جدا وكان وائل يتابع هذه التنزيلات دائما ويستفيد منها إلى أقصى درجة، أما سناء فقد كادت تفقد عقلها أمام هذه الأكوام الرخيصة الثمن وسرعان ما انحنت بجذعها فوق كومة الألبسة ومدت يدها إلى آخرها وسحبت من هناك قميصا نبيذي اللون وشهقت وقالت وهي تعرضه لوائل :
– يا إلهي كم هو جميل .. اليوشا يحب هذا اللون حبا شديدا ..
ثم لفت القميص على ذراعها واردفت
– ساشتريه له
لم يعلق وائل بشيء ولكنه قام بإحصاء الأشياء التي اشترتها لأليكسي وكانت أربع قطع قميص وبنطال وتيشيرت وقبعة وأوضحت لوائل وهي تضحك :
– لا يتقن الشراء، إذا لم يقم أحد بشراء الثياب له فإنه سيبدو مثل فلاح يزور المدينة لأول مرة .
وقهقهت لمنظر الفلاح الذي تخيلته .
أخذ وجود أليكس بهذه القوة في حياة سناء يقلق وائل، فذكره لا يغيب تقريبا عن أي لقاء بينهما، في محل الأحذية شهقت بصوت عال وجحظت عيناها وصرخت :
– واااو
وأصيب وائل بالإحراج لذلك وسألها :
– ما بك؟
– حذاء رجالي قياسه سبعة وثلاثون، قياس أليكس، يتعذب كثيرا في كل مرة للعثور على حذاء يناسب مقاسه .. سأشتري له زوجين.
– اشتري.
قال وائل على مضض وتابع البحث عن أشياء يشتريها لنفسه ولها ولكنه لم يتمكن من التركيز فلم يشتر شيئا واكتفيا من هذه الغزوة بزوجي الأحذية اللذين اشترتهما سناء لأليكس.
في اليوم التالي اثناء زيارته الصباحية التي جعلها تقليدا لكي لا يفسح لأليكس بالتواجد في غيابه بسبب الغيرة التي بدأت تنهش روحه وجد سناء منهمكة بجمع الغسيل عن الشرفة وفوجئ بقمصان وسراويل أليكس بين قطع الغسيل، وما جعل دهشته تتضاعف أن سناء مدت على الطاولة شرشفا وأخذت تكوي ثياب أليكس موضحة :
– مسكين لا جلد له على الغسيل والكوي.
(لم تفعل ذلك معي) فكر وائل في سره ( رغم أنها تشاهد كيف أتعذب في فعل ذلك وفي أحيان كثيرة لا أقوم بكي ثيابي وأفضل ارتداءها دون كي لصعوبة ذلك بالنسبة لي).
وأكثر ما بعث الرعب في نفس وائل أنه أخذ في الفترة الأخيرة عندما يعانق سناء لا يتجاوب جسده لها وأخذ يشعر بأنه يعاني من عجز من نوع ما ففي كل مرة يعانقها فيها كان يتسرب الى نفسه إحساس بأنها تعانق أليكس.
وأخيرا بلغ السيل الزبى في عيد ميلاد أليكس حيث زينت سناء غرفتها وجرى الاحتفال هناك حيث حضر أصدقاء وصديقات أليكس وأصدقاء وصديقات سناء وكان وائل يشعر بالغربة في تلك السهرة التي انتظر بفارغ الصبر انتهاءها.
في اليوم التالي قام وائل بدعوة أليكس و سناء إلى مطعم وعبرت سناء عن سرورها لهذا الفعل الذي أقدم عليه وائل، وفي المطعم طلب وائل وجبتين ثم بعد صمت ذي معنى ترك لسانه يقول ما جاء من أجل قوله :
– سناء.. أليكس .. أنتما تلائمان بعضكما البعض.
صمت الاثنان ونظرا في وجهي بعضهما البعض ثم قال أليكس:
– هي ترفض البقاء هنا، وأنا لا استيطع العيش هناك .
أما سناء فصححت :
– لا يقبل أهلي بهذا، فأليكس مممممم
همهمت سناء متحاشية لفظ الكلمة، ولكن أليكس قالها بصراحة :
– أين المشكلة؟ طالما أنني مستعد لأن أذهب إلى الجامع وأعلن إسلامي هناك، أين المشكلة ؟
نظر وائل إلى ساعته واعتذر منهما بحجة أن لديه موعدا هاما ودفع الحساب قبل أن ينصرف، وعند خروجه الى الشارع أخذ نفسا عميقا وملأ رئتيه بهواء الحرية، بعد فترة سمع وائل بأن سناء غادرت مسكن الطلبة لتعيش في شقة، ولم يكن من الصعب عليه أن يفهم أنها تزوجت.
بعد سنوات كان وائل في كافيتريا يقف قرب طاولة يشرب الزبائن القهوة عندها وقوفا، وكان وائل يرشف من فنجانه القهوة ويتناول شطيرتين من البسطرما، عندما وضع أحدهم يده على كتفه وقال :
– وائل؟ كيف حالك يا رجل.
التفت وائل وإذا به أليكس .
– أليكس.. كيف حالك.
– علي – قال أليكس موضحا وأردف مكررا – علي، منذ زمن بعيد لم أعد أليكس.