مراكز الأبحاث وحدها لا تكفي
من الإجحاف القول بأن العالم العربي بدوله الناشئة ما بعد مرحلة الاستعمار ومع إمكانياته المحدودة قياساً لتلك التي يملكها المستعمر المغادر لم يُعِر اهتماماً لمواضيع التنمية ولو بشكل نسبي مع الفارق الكبير لهذه النسبة بين بلد وآخر من هذه البلدان، وصحيح أن الإنجازات المتقدمة اللافتة التي تحققت في عدد من هذه البلدان لم تبلغ مستوى مثيلاتها في الدول المتقدمة إلا أنها أرست في وقت قصير دعائم تنموية نهضوية في مجالات التعليم والصناعة والزراعة كمشروع السد العالي ومصانع مدينة حلوان في مصر ، وجامعات بغداد والجزائر وغيرها ودون أن ننسى استمرار عمل الجامعة الأميركية والفرنسية /سان جوزيف/ ومعهما لاحقاً الجامعة اللبنانية الوطنية في لبنان. إلى أن لمعت صورة التقدم اليوم في منطقة الخليج العربية -نموذج الإمارات – ولا يغيبنا أن الصراع العربي الإسرائيلي كان له الدور الكبير في إضعاف التقدم التنموي في مصر وسوريا بشكل خاص، وقيل بعد حرب عام ١٩٦٧ العربية الإسرائيلية إن ثلثي ميزانية سوريا خُصصت للدفاع.
وتيرة التقدم التنموي في بلد عربي لا تشبه مثيلتها في بلد عربي آخر، هي بلدان عربية عدة وإن كان لها جامعة عربية واحدة، لكنها ليست البلد الواحد، ورغم وجود قواسم مشتركة إيجابية بين هذه الدول – عدا الأول منها وهو اللغة – فإن من بين ما يغيب عن هذه القواسم هو موضوع الحرية والديمقراطية.
إنها لمفارقة كبيرة أن تُبنى الجامعات بعديد فروعها المختلفة كمنارة علمية فكرية ويرى الدارس الباحث نفسه فيها أسيراً للعديد من المحظورات مكبلَ الفكر إلا فيما هو مسموح، فإن تعداه وهذا أمر متوقع يكون قد تجاوز الخط الأحمر الذي سيحرمه من وظيفة ينتظرها أو يكون قد حجز لنفسه زاوية في أحد السجون “معتقلاً سياسياً “. وهنا يحضر سؤال المفارقة أتبْنونَ لنا صرحاً لتوليد الأفكار وحين تولد هذه الأفكار وتتفاعل وقد امتلكنا لغتها الواسعة أن نصبح ضحيتها؟ أيعقل أن يقودنا النور الذي أضأتموه لنا ونعمنا به ساذجين إلى المقصلة؟ كيف لنظام عربي يصنف نفسه تقدمياً أن يُقبِع في سجونه “معتقلين سياسيين” “تقدميين” من ذات مناخه “التقدمي” وإنما على خلاف “صحي” و”طبيعي” معه؟
تكثر هنا علامات التعجب لتصبح علامات رفض تضع صاحبها أمام احتمالاتٍ من بين أبرزها إما المعارضة أو المهادنة أو الهجرة. وفي هذه الحالة الثالثة “الهجرة” يصبح البلد الأم “المَصْنَع” الثقافي والعلمي لنخب وطنية “هديةً” إلى العالم. في عداد أسماء المبدعين في العالم من الناسا في الولايات المتحدة الأميركية إلى مراكز الأبحاث وكبرى المستشفيات والمؤسسات التعليمية وأيضاً السياسية وغيرها وغيرها تلك التي تدل على أصول عربية أي على القادمين من بلدان عربية فُتحت لهم الأبواب في بلدان وصلوا إليها جاهزين للإنتاج، لم يتعب البلد المضيف الذي أصبحوا أبناءه كما آخرين في إعدادِهم إلا لوقت قصير.
محمد كلش .