أنور عمران – الناس نيوز ::
في كتابه ” شرق وغرب، رجولة وأنوثة” يرى جورج طرابيشي أن المشترك بين معظم الروائيين العرب الذي تناولوا علاقاتهم مع الغرب في أعمالهم، المشترك بينهم أنهم ركزوا على العلاقات الغرامية التي تجمع الذكر الشرقي مع الأنثى الغربية، مختصرين بذلك كل ثنائيات التضاد الكثيرة بين الجانبين إلى ثنائية واحدة “رجولة – أنوثة” .
ويبدو أن هذا الفهم للعلاقة بين الشرق والغرب ليس جديداً تماماً، فهو لا يقتصر على الروائيين العرب المعاصرين، وإنما نجده أيضاً في المرويات والمصادر التي تتحدث عن علاقة شبيهة مفترضة بين الشاعر يحيى بن الحكم “الغزال” سفير الخليفة الأندلسي عبد الرحمن الثاني في الدانمارك وبين ملكة الدنمارك “نود أو تود”، فعندما نقل إلى الملكة تحذير أصحابه له وخوفه من زوجها قالت قولتها المزعومة والتي سيتأسس عليها فيما بعد فهم وأساطير وادعاءات وأحلام الشرقيين عندما يدور الحديث حول الأنثى الغربية، فقد قالت حينها “ليس في ديننا هذا، ولا عندنا غيرة، ولا نساؤنا مع رجالنا إلا باختيارهن، تقيم المرأة مع الرجل ما أحبت، وتفارقه إذا كرهت، وأما عادة المجوس قبل أن يصل إليهم دين روما، فألا تمتنع النساء عن الرجال”.
بالإضافة إلى السينما العربية التي أيّدت هذه الفكرة على يد بعض المخرجين الذين استقوا معلوماتهم عن ثورة “1968” من الإعلام العربي المُسيّس والمُبتلى بالرقيب، جاءت أيضاً مبالغات ومرويات الرجال العاديين الذين سافروا إلى أوروبا بهدف العمل، كل هذه الروافد شكّلت صورة لا لبس فيها عن المرأة الغربية، امرأة مُنحلة، شهوانية، لا تهتم إلا بالملابس والعطور والماكياج، ومنتهى همها هو إغواء الرجال، وبالتأكيد كي تكتمل صورة الفردوس المتخيل لا بد أن تفضل الرجال الشرقيين على وجه الخصوص، هذا الصورة التي كما لم ينجُ أحدٌ من تبنّيها، لم ينجُ أحدٌ كذلك من تكريسها، بدايةً من القصص التي تروى في ليالي الشتاء الباردة والطويلة في البيوت البسيطة بهدف “الإمتاع والمؤانسة”، وصولاً إلى الأفكار التي ينشرها رجال الدين والسياسة عن نمط العلاقات الثقافية والاجتماعية السائدة في الغرب.
بعد وصول الآلاف إلى أوروبا في الفترة الأخيرة، هذا الوصول الذي جاء نتيجة خراب بلدانهم وانتشار الموت والدمار فيها، وجدوا نفسهم وجهاً لوجه أمام المرأة الأوربية، وجدوا أنها المرشد والمعلم والمسؤول عن أغلب نواحي حياة الوافدين الجدد “أغلب العاملين في الشؤون الاجتماعية وتدريس اللغة للأجانب من النساء”، وعرفوا أن هذه المرأة تقتصد في استعمال الماكياج والعطور، وترتدي الألبسة المريحة التي تناسب بيئات العمل، وتقوم بالأعمال الشاقة التي لا يقوم فيها إلا الرجال في الشرق “قيادة مركبات، ترميم منازل، أعمال بناء، أعمال النظافة…إلخ”، وتلتزم بعائلتها، وتجيد تربية أبنائها، وجدوها على هذه الصورة، فتخلوا عن أوهامهم التي لا سبيل إلى تحقيقها في كل الأحوال، وتجاوزوها خجلين منها ربما.
الثنائيات التي يحتاج الأدب إلى استحضارها عند الحديث عن “شرق- غرب” هي أكثر من أن تحصى، ليس أولها ثنائية “العلم – الغيب” ولا أخرها ثنائية “الحقوق – المحسوبيات”، ومع ذلك لا ينبغي أن نظن أن الغرب “وبالرغم من انشغاله بالكثير من التيمات الأخرى”، لا يركز على تيمة المرأة عند الحديث عن الشرق، فأغلب الأدباء الغربيين “بالطبع لا أقصد الباحثين” يقرؤون الشرق في صفحات “ألف ليلة وليلة” كتاب الجميع المفضل، ولذلك هم يروون أن الشرق أرض السحر والنفط، أرض “علي بابا” والجواري الراقصات والشهوانيات، أما وبعد أن وصلت النساء الشرقيات إلى أوربا في النزوح الجماعي الأخير، أيضاً صارت الموضوع المفضل للأحزاب السياسية اليمينة، فهم يشيرون دائماً إلى طريقة لباسهن وامتناعهن عن الاختلاط بالرجال في أماكن العمل والدراسة.
بين نظرة الشرق إلى المرأة الغربية، ونظرة الغرب إلى المرأة الشرقية، يتضح أن الرجل مازال هو الرجل في كلا العالمين، يلجأ إلى الاستثمار في جسد المرأة المكشوف أو المستور كي يحقق مكاسبه السياسية والثقافية، وإذا كان لا بد من الحديث عن المرأة في الأدب الجديد، فيمكن أن يكون عن جماليات ومعاناة المرأة في الشرق والغرب، كما يمكن أن نشير إلى هزيمة الرجل وحروبه اللاأخلاقية أمام الأمومة.