فواز حداد – الناس نيوز ::
وضعت أزمة أوكرانيا العالم أمام حرب أعادت الحياة وذكريات الموت إلى الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية.
توقع البعض وإن بحذر أننا على شفير حرب عالمية قد تكون الثالثة، فالحروب العالمية تتميز بأن ساحاتها الرئيسة في أوربا لتكتسب هذه الصفة المتميزة.
المتوقع خوضها بأسلحة تقليدية متطورة من دون أسلحة نووية، فالدول المتحاربة تعرف خطورة النووي، في حال استعمل، لن يبقى من العالم سوى الركام، وما تبقى من البشر هائمون على وجوههم، لزوم الموقف الدقيق استوجب رفع عيارات التحذير.
التشبيه الأفضل لما يجري أنه على شاكلة أزمة خليج الخنازير الكوبية، لدي محاولة الروس إقامة قواعد صاروخية. يومها تراجع خروتشوف إزاء تهديد كيندي، حتى هذا التشبيه ليس متماثلاً، فالحرب التي لم تبدأ في كوبا، قد بدأت في أوكرانيا.
الأزمة الحالية ليست على حدود أمريكا، إنها على حدود روسيا، التي تجمعها مع أوكرانيا جغرافيا واحدة وتاريخ مشترك. ما يمنح تميزاً لروسيا في هذا الصراع، في ظل أوربا ليست قوية تعاني اقتصاديا.
أما الدعم الأمريكي، فليس بالحزم المفترض، فالرئيس الأمريكي، لا يرغب بالتورط، اختار إطلاق التصريحات القوية ضد الروس، مع إجراءات قوية بالمقاطعة الاقتصادية والإعلامية والسياسية وحتى الثقافية.
خلال أيام، بدأت الحرب تتوضح، لم تعد أمريكا تريد تلقين درس قاس لبوتين وردعه عن حملته العسكرية، مثلما لم يعد بوتين يريد تلقين أمريكا درساً في عدم التمدد نحو الحدود الروسية تحت أي صيغة.
هذه الدروس لم تعد واردة، إلا بعد مفاوضات ومساومات، أما الآن فالحرب لن تتوقف، بانتظار خطوة، لن يكون تزويد أوكرانيا بالأسلحة كافياً إلا بصعوبة بالغة، ولا للحظر الجوي، فتضييق الخناق على بوتين سيدفعه إلى تصرف أحمق، هذا التلميح صادر عن أوساط مخابراتية أعطت انطباعا بأن بوتين في عزلته قد يفقد عقله، أو أوشك.. أي لا يجب أن ندفعه إلى الجنون.
ما استدعى أكثر من حافز للحديث مع بوتين، لكن ليس قبل إضعافه، وتطمين الأوكرانيين أن الأمر لن يطول، لكن على أي وجه، فلا أحد يدري؟ كذلك تهدئة الرئيس الأوكراني، فالوقت ليس وقت تمثيل، لأن الواقع النووي لن يستثني أحداً. هل هذا ما يدور في الكواليس؟ نعم، فقنوات التواصل مع الروس ستعود للعمل، مع أنها لم تتوقف، أوربا كلها ضالعة فيها، كذلك تركيا وإسرائيل. تحت صيغة إنقاذ ماء الوجه لبوتين، لكن لم لا يكون إنقاذ ماء وجه بايدن؟ عموماً، الغاية منها خفض وتيرة التصعيد والعودة عن حافة الهاوية. تحت ضغط احتمال وارد، ماذا عن انتشار الصراع في القارة الأوربية؟ .
الملاحظ اتفاق المحللين السياسيين على أنه لن يكون ما بعد الأزمة مثل ما قبلها، العالم سيتغير، حسب تقديراتنا ليس نحو الأحسن، بل الأسوأ بطبيعة الحال، فعودة الدكتاتوريات إلى العمل ترافقها صعود الشعبويات، بموجب هذا التغيير سيتشكل نظام عالمي جديد، يضم أكثر من المعسكرين المعتادين، فالنزعة إلى التفرد في المواقف باتت تقصي الدول عن بعضها بعضاً، يجمعهم التوجه نحو إعادة التسلح تحت تأثير نشوء النزعة العسكرية. هذه مخاوف، لكنها قد تنقلب إلى حقائق، بانتظار ما ستسفر عنه نتائج الحرب في أوكرانيا.
ما بات في حكم اليقين، عودة العمالقة إلى إشعال الحروب، فاليوم هي من حصة أمريكا وروسيا، وفي القريب العاجل ستنضم الصين إلى قائمة صانعيها، وربما لن يكون الأمل إلا في أوربا موحدة التي استعادت رشدها في هذه الآونة، بعدما أدركت أنها ليست مؤهلة لتخوض حروباً لن تكون سوى وقودها ما دامت ستخاض فوق أراضيها، لن يكون دورها سوى تهدئة جنون قادة بدأت الأمجاد تشغل بالهم.
بما أن الكلام في الأمل، فقد يكون باستعادة حركة عدم الانحياز دورها في العالم، طالما أنها ما زالت قائمة، وكل ما هو مطلوب تفعيلها، لترسيخ رأي عالمي وازن في الصراع الحالي، والأهم في المستقبل، ما يعفي 118 دولة من حيرة الانحياز من طرف لآخر، ويوفر عليها الإحراج الدولي، بالتذرع بمبادئ القانون الدولي، كاحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها، بدلاً من الانصياع لمحاولات ابتزازها بمصالحها، لا سيما أن الكثير من هذه البلدان قد نهضت بشعوبها، وتشعر باستقلاليتها، وبإمكانها أن تلعب أدواراً متوازنة في عالم يُخشى أن يفقد توازنه.
ما يهدد العالم اليوم ليس مجرد توقعات، من حرب ضارية ووحشية، فالضحايا على الجانبين في ارتفاع، وخروج مئات آلاف اللاجئين إلى البدان المجاورة، كذلك الجانب الاقتصادي منها، لا يقل خطورة عن العسكري، فهو شديد التأثير يهدف إلى عزل روسيا والتضييق عليها، على أمل تراجع بوتين عن حرب قد تدمر الاقتصاد الروسي، بوتين لن يتراجع، تكاليفها سيتحملها الشعب الروسي.
من هذه الناحية، تشبه الحرب السورية، النظام السوري مستعد للقتال مئة عام أخرى، طالما الشعب السوري وحده يتحملها ويدفع تكاليفها، تلك ضريبة البقاء في الوطن، خاصة بعدما أغلقت الحدود والبلدان في وجه النازحين السوريين. وهكذا لن تزيد خسائر النظام الروسي عن خسائر النظام السوري، فالشعوب تدفع ثمن حماقات رؤساء يقودونهم إلى التهلكة.
المؤسف أن الدلالات الجانبية لا تخفي قدراً من التبجح الفج في أن تملأ شوارع سوريا المحتلة صور الروسي بوتين، في إعلان عن تأييد زعيم دولة طائراته أحرقت الأخضر واليابس في بلدنا، لمجرد أنه يتحدى الغرب.
كما يشير إلى اصطفافهم معه في الخندق نفسه، وكأنهم شراكة في هذا الصراع، مع أنهم يؤدون دوراً خانعاً، ما يعني أيضا الرد على إعلان أمريكا “شهر الحساب” للنظام السوري، مع أنه لا حساب، مثلما لا تبرع بـ 350 طن من المعونات الغذائية.
هذه المسرحية الرديئة، لا يشكل فيها النظام سوى بطل ذليل يتحكم به القدر الروسي، ومعه الإيراني وإن كان متوارياً ( يناور في الخفاء غالباً ) في هذه الأزمة.