سامر الحسيني – الناس نيوز ::
على مسرح “التكليف والتأليف” يتبادل كل من ميشال عون ونجيب ميقاتي أدوارهما الخلافية، ضمن سيناريو توافقي متفق عليه.
ميقاتي يقدم تشكيلة وعون يطلب تعديلها.
اللعبة ستستمر حتى انتهاء ولاية الرئيس، ويستمر معها الإبقاء على الحكومة القديمة، التي تقدم المخارج المناسبة لمآزقهما.
ففي تصريف الأعمال، يستطيع ميقاتي الامتناع عن اتّخاذ القرارات التي تضرب مصالحه، بحجة أن حكومته محكومة بأضيق الصلاحيات. ويستطيع عون ضمان بقاء وزارة الطاقة وغالبية الحصة المسيحية في مملكة صهره جبران باسيل.
حكومة مسؤولة من دون أن تتحمل مسؤولية تبعات الانهيار. إنها حكومة الأمر الواقع التي يفرضها واقع تأجيل التسويات الإقليمية للملف اللبناني.
إذاً، الوطن يمشي عكس الشعارات المرفوعة، وكل فريق يحاول الحفاظ على حصته في لبنان الجديد، أي لبنان النفطي ما بعد التسوية المنتظرة، فيما الكوارث تتجدد يومياً. أما اللعب على الخطوط البحرية والمناورات العونية بين الخط 29 “السيادي” والخط 23 “الإسرائيلي”، رغم مسيّرات “حفظ ماء الوجه” التي أطلقها حزب الله فوق حقل كاريش، ليس إلا دليلاً قاطعاً على أن فخامته لا يزال متمسكاً بفرص صهره المعدومة رئاسياً.
لقد حاول جبران خلال أحد لقاءاته مع الوسيط الأميركي آموس هوكستين طرح معادلة التراجع إلى الخط 23، مقابل رفع اسمه عن لائحة العقوبات الأميركية. لكن مهما حاول باسيل الإمساك بخيوط اللعبة الرئاسية، إلا أنه يدرك جيداً أن اسم الرئيس المقبل لا تصنعه أغلبية مجلس النواب، بقدر ما تفرضه كلمات السر التي تنتجها مفاوضات فيينا النووية.
فإيران وعبر ذراعها الأقوى في لبنان “حزب الله”، جددت سيطرتها على القرار السياسي في البلاد من خلال توحيد صفوف الممانعة وتشرذم المعارضة في الانتخابات النيابية الأخيرة. وهي تفاوض الغرب اليوم، عبر ترسيم الحدود البحرية اللبنانية-الإسرائيلية، في إطار ترسيم خريطة نفوذها ومصالحها الإقليمية.
إذاً خلف خطوط الترسيم البحري خطوط ترسيم لنظام إقليمي جديد، مع سعي أطراف لبنانية إلى تمرير مصالحهم الشخصية والذاتية من خلالها. لكن حزب الله يتصرف على قاعدة أنّ حظوظ حليفه جبران باسيل باتت معدومة رئاسياً. وهو يعتقد أنّ باسيل نفسه من المفترض أنّه لم يعد موهوماً، ولو أنّه لا يزال يرصد أي جديد قد يلعب لمصلحته.
فالمعادلة الرئاسية تبدّلت هذه المرة وأضحى حزب الله يملك حق الفيتو، وليس حق التسمية كما حصل مع العماد ميشال عون، الذي تعطّل البلد ودخل في فراغ لأكثر من عامين لضمان وصوله إلى سدة الرئاسة.
اليوم حزب الله يحمل كرة نار الأزمة الاقتصادية والمعيشية لوحده. فسعد الحريري انسحب، والمعارضة لم تحكم، ونظام المافيا والميلشيا الذي كان يحمي السلاح طوال العقود الماضية، جدد لنفسه وهو أعجز عن إنقاذ البلد من انهياره الشامل.
وفي ظل غياب أي تسوية في الأفق القريب، فالقرار الأميركي-الخليجي المتخذ بعدم إنقاذ لبنان قبل تحجيم دور حزب الله المتجاوز لحدوده اللبنانية، يقابله قرار لحزب الله التضحية بلبنان وشعبه فداءً لمصالح ولاية الفقيه في مفاوضاته مع الغرب.
وبين القرار الغربي والقرار الفارسي يرزح لبنان تحت أزمة معيشية يشتد خناقها على اللبنانيين، الذين هاجر منهم أكثر من مليون خلال العامين الماضيين، لتخلو الساحة أمام أحزاب السلطة وأزلامها في انتظار ساعة الصفر الإقليمية، إما تسويةً أو انفجاراً.