غاز تركيا الجديد .. في موازين الأقتصاد والسياسة

معمر عواد – الناس نيوز :

فيما العالم يتابع بقلق المنافسة الحامية في أستكشاف ( النفط والغاز) شرق المتوسط ، وسط أجواء سياسية مشحونة بين القاهرة وأثينا من جهة وأنقرة من جهة أخرى ، تمهد الأخيرة بإعلان استباقي من شأنه أن ” يغير لعبة التوازنات ” في المنطقة !!!
بعض الدوائر التركية تتعمد وبشكل استباقي تسريب خبر ” اكتشاف غازي ” ضخم في البحر الأسود ، للوقوف عند ردود الأفعال الشعبية والإقليمية والدولية تجاه ” التحول التاريخي لتركيا ” المتواضعة في إنتاج مصادر الطاقة إلى منتج ومصدر لها بحلول المئوية الأولى لقيام تركيا المدنية على أنقاض العثمانية في العام 2023 .

وفي مشهد جرى الإعداد والتحضير له بكثافة من الفريق السياسي والاقتصادي التركي الأبرز تم الكشف عن حقل للغاز الطبيعي في البحر الأسود باحتياطي 11.3 تريليون قدم مكعبة وهو ليس بالرقم الكبير مقارنة مع ما تنتجه قطر على سبيل المثال ( 1750 تريليون قدم مكعبة ) – لكن ذلك يترك لأهل الاختصاص ، فضلا عن عشرات الأسئلة المٌعلقة من دون إجابات ( بينها الأسئلة السياسية) والمتعلق جُلها بقابلية الغاز المكتشف للاستخراج من الناحيتين الفنية والتجارية ، وعن جدوى الاستثمار من الجانبين المالي والاقتصادي باحتياطي متواضع بالكاد يلبي احتياجات السوق المحلية لثماني سنوات على أبعد تقدير .

فضلاً عن أن كلفة استيراد الغاز من روسيا أو إيران أو اذربيجان ستكون أقل على الخزينة التركية العامة من الاستثمار الاستخراجي من البحر الأسود ، في ظل تهاوي أسعار الغاز الطبيعي عالمياً إلى أدنى مستوياتها التاريخية مؤخرا عند 1.7 دولار لكل مليون وحدة طاقة ، وانخفاض الطلب العالمي على الغاز الطبيعي خلال العامين الماضيين من 5% إلى أقل من 2% سنويا ، بالتوازي مع ظهور منتجين جدد في آسيا وأفريقيا وأستراليا ( الخبراء يقولون إن الأحتياطي الأسترالي هو الثالث عالميا حاليا ) واستعار حرب الأسعار .

ويذهب بعض المحللين والخبراء إلى أن أنقرة تحاول استثمار الاكتشاف الغازي بالسياسة قبل الاقتصاد في ظل تراجع سعر صرف الليرة أمام الدولار لمستويات قياسية عند 7.4 ليرة لكل دولار اميركي ، وتباطؤ النمو الاقتصادي ، وزيادة العجز في الحساب الجاري وميزان المدفوعات ، فضلا عن أن عمليات الإنتاج لأي كشف للغاز في البحر الأسود سيستغرق وقتا قد يتجاوز عشر سنوات، ويتطلب استثمارات بمليارات الدولارات لتشييد بنية تحتية للإنتاج والإمدادات .

قصارى القول ، ووفق الأعتقاد العملي ، لا يمكن لتركيا أو أي شركة عالمية أن تدخل في شراكة استراتيجية مع حكومتها للاستخراج والإنتاج مع الاحتياطي الغازي المتواضع تجاريا ، والذي قد يصلح بيعه ” بأرضه ” لدول مطلة على البحر الأسود ولديها بنية تحتية استخراجية وخبرة دولية في التعامل مع الطاقة النظيفة .