رولا طربيه – الناس نيوز :
إنه يوم الجمعة أخيراً، كل الأغراض جاهزة، وضعتها أم علي في حقائب مصنوعة من النايلون الأسود، أخفتها في غرفتها، تفقدها أبو علي، تحتوي الحقيبة الأولى على مكواة بخار، ميزان مطبخ الكتروني صغير، مقلاة تيفال، هاتف ثابت، صحون فرنسية، وفي الحقيبة الثانية غاز صغير للرحلات، أما الحقيبة الثالثة تحتوي على منظّم الساعة الكهربائية الخاصة بمنزله.
حمل أبو علي الحقائب الثقيلة، وترك الباقي لزوجته، انطلقا إلى سوق الجمعة في اللاذقية، الذي يقع على طرف المدينة الشرقي ويشغل كلّ الشارع الممتد من شارع الحسيني وحتى شاليهات المدينة السياحية الجنوبية. تسير أم علي مع زوجها حاملة الحقيبة السوداء وتقول بصوت حزين: “لو احتفظنا بالصحون الفرنسية ورثتها عن أمي”.
قرر أبو علي الذي تقاعد من الجيش السوري منذ نحو 13 عاماً، بيع بعض الخردوات والأغراض المستعملة في منزله، لم يجد سبيلاً لذلك سوى سوق الجمعة، يقول لجريدة ” الناس نيوز” الأسترالية الإلكترونية: “توقفنا عن استخدام الغاز الصغير منذ أن ألغينا الرحلات الأسبوعية، في ظل غلاء الأسعار قررتُ بيع منظّم الساعة الكهربائية لأن ثمنه مرتفع ويمكنني الاستغناء عنه في ظل انقطاع الكهرباء أكثر من 12 ساعة يومياً”.
يتقاضى أبو علي 60 ألف ليرة سورية شهرياً ( الدولار يساوي نحو 4 آلاف في السوق الموازي ) ، راتبه التقاعدي كمساعد أول في جيش النظام ، بينما بدأت أم علي مؤخراً بإعطاء بعض الدروس الخصوصية في مادة اللغة العربية للأطفال، لتدعم زوجها كي يستمروا بتأمين غذاء العائلة إلى نهاية الشهر.
يشعر أبو علي بالحزن على أغراض منزله التي يبيعها بأبخس الأثمان يقول: “عندما تريد أن تشتري يطلبون أسعار مرتفعة، حجتهم الدولار، وعند البيع يكسرون السعر لدرجة أنني بعت المكواة والمقلاة والهاتف والغار الصغير فقط بـ 31 ألف ليرة، اشتريت بثمنها زعتر وبيض وسمنة وبعض الخضراوات”.
فساتين مستعملة للبيع عبر الانترنت
تمتلئ خزانة ملابس مريم بفساتين السهرة المكشوفة الذراعين والطويلة والقصيرة، لم تلبس أي منها منذ طلاقها قبل ثلاثة أعوام، تحمل أول فستان بيدها، بينما تلتقط صديقتها لينا الصورة، هكذا أصبحت صور الفساتين جاهزة لعرضها وبيعها عبر الإنترنت.
تقول مريم 39 عام الناس نيوز : أسكن مع ابنتي في منزل صغيرة في حي شعبي في مدينة اللاذقية استأجرته بـ 40 ألف ليرة منذ نحو ثلاثة أعوام، استمر صاحبه برفع سعر الإيجار إلى أن أصبح الآن 200 ألف ليرة شهرياً، أعمل مهندسة مدينة في دائرة حكومية، لا يتخطى مرتبي الشهري 50 ألف ليرة، سمعت أن البيع عبر الإنترنت طريقة ناجحة، لذلك قررت بيع الفساتين، والاستفادة من ثمنها بدفع الإيجار.
ترى مريم أن بيع أغراض المنزل ظاهرة موجودة في سوريا منذ سنوات ما قبل الحرب، لكنها اقتصرت في الماضي على الأغراض الزائدة عن الحاجة، وكان البيع يتم ضمن دائرة معارف العائلة الضيقة، الآن ارتفاع الأسعار دفع الناس لبيع الأغراض الضرورية، أو التي كانت بمثابة رمز لزمن مضى، كأسرّة الأطفال الصغيرة، التي تنتشر صورها للبيع عبر الإنترنت.
وشملت قائمة الأغراض التي باعتها مريم، الكتب والمجلات القديمة، التي احتفظت بها في مكتبة منزلها، تقول: “سعر الكتب جيد، قررت بيع مكتبتي الكاملة، بعتها بـ 100 ألف ليرة لأتمكن من دفع الإيجار الشهري، إلى أن أجد منزلاً بسعر أرخص”.
البيع بخسارة
أما لينا صديقة مريم، باعت منذ فترة قريبة، نارجيلة نحاسية بسعر قليل 25 ألف ليرة سورية، وذلك بعد أن عرضتها على محلات الخردوات في مدينة جبلة، جميعهم رفض شرائها بسعر أعلى، وكان جواب معظمهم: “ما إلها رغيّبة”.
وترى لينا في حديثها ” للناس نيوز ” : “دخلت إلى المحل وأنا احمل النارجيلة النحاسية، رمقني صاحب المحل بنظرة من جانب عينه”، وقال دون أن يتحرك عن كرسيه: “أدفع 25 ألف ليرة، أخبرته أنها مصنوعة من النحاس وتساوي أكثر من 100 ألف ليرة، فأجابني: روحي بيعيها بهذا السعر عند غيري”.
المستعمل الحل الوحيد
فقدت سمر الأمل بشراء غرفة نوم جديدة، قررت شراء واحدة مستعملة، إنه الحل الوحيد لتتزوج خطيبها ماهر، الذي مازال يؤدي الخدمة الإلزامية منذ نحو سبعة أعوام، ولا يملك سوى منزل صغير في قرية زاما القريبة من جبلة.
تحدثت سمر قائلة: “زواجنا معلّق منذ عامين، لأن ماهر لا يملك ثمن غرفة نوم، مرتبه الشهري بعد أن تم الاحتفاظ به في الجيش لا يتجاوز 75 ألف ليرة، بينما يرتفع سعر غرفة النوم إلى مليون ليرة سورية”
.
اشتركت سمر بأكثر من صفحة لعرض الأدوات المستعملة على فيسبوك، فأردفت: “صُدمت بأسعار غرف النوم المستعملة بعضها يصل إلى 600 ألف، أما ما يُباع بـ 200 ألف، لم ينصحني أحد بشرائه، لأنه قديم جداً. ماذا عن البراد والغسالة والتلفاز وأدوات المطبخ”؟ وتابعت: “قمنا بشرائها على مدار عدة أعوام قبل أن ترتفع الأسعار بهذا الشكل”.
غرفة جلوس ثمناً للدواء المفقود
تعاني السيدة إلهام من آلامها المستمرة، منذ إصابتها بـ سرطان الثدي، بينما تعاني عائلتها من تأمين الدواء الباهظ الثمن، والمفقود من مستشفيات دمشق.
تدفع عائلة السيدة ربا أسبوعياً 55 ألف ليرة ثمن جرعة دواء حقن هيرسيبتين Herceptin يحملها لها أحد الأصدقاء الذي يعمل سائق على خط دمشق بيروت.
تقول ربا: “ينقطع الدواء لفترات طويلة أحياناً أربعة أشهر ما يجبرنا على شراء الدواء لوالدتي عن طريق التهريب بأسعار مضاعفة”.
تضيف ربا: “بيع أدوية السرطان ممنوع في سوريا، وفي الوقت ذاته غير متوفر في المستشفيات، إضافة إلى شعورنا بالاستغلال من تجار الأدوية، عندما فرغت محفظتنا من النقود، قررنا بيع أغراض منزلنا، عرضنا غرفة الجلوس للبيع عبر الانترنت، طلبنا 600 ألف وتم البيع بـ 450 ألف، نوفرها ثمناً للحقن الأسبوعية لوالدتي”.
وتنتشر على فيسبوك، عبر مجموعات مغلقة ومفتوحة، إعلانات بيع الأدوات المنزلية المستعملة، ويلجأ من يريد شراء أغراض رخيصة إلى فيسبوك أيضاً، تقدم هذه الصفحات عروض خاصة بأسعار مخفضة تنتهي خلال عدة أيام أو عدة أسابيع.
وتشمل العروض إلى جانب الأغراض الخفيفة الوزن التي يمكن الاستغناء عنها في حال وجود البديل، كالأطباق والكؤوس والأغطية، مطبخ أو براد أو غسالة أو غرف نوم أطفال مستعملة للبيع، وبعضهم يكتب: “للبيع بداعي السفر”.
ويعاني السوريون في الداخل، وضعاً معيشياً يتدهور يومياً في ظل ثبات أجورهم الشهرية على نحو 50 ألف ليرة، بينما يرتفع متوسط إنفاق الأسرة السورية إلى نحو 500 ألف ليرة شهرياً، في ظل ارتفاع يومي لأسعار السلع اليومية والضرورية ما جعل الحصول على رغيف الخبز بمثابة تحدٍ لأي سوري.
وكان الاقتصادي السوري عماد الدين المصبح، قال منتصف العام الماضي: إن أزمة الغذاء التي يعاني منها السوريون استفحلت، ووضعت غالبية السوريين في قائمة الجياع، باحتساب خط الفقر على أساس دولارين في اليوم، فيجبرون على بيع ممتلكاتهم من أجل للاستمرار على قيد الحياة، بعدما تضاعفت الأسعار أكثر من 35 مرة منذ عام 2011.
وثمة عامل مرتبط بتثبيت الأجور، وسط تضخم نقدي هائل، تراجعت خلاله قيمة الليرة 50 مرة بموازاة غلاء فاحش للأسعار، خاصة خلال العام الجاري، بعدما قارب سعر صرف الدولار الواحد 4000 ليرة سورية.
وكان برنامج الأغذية العالمية التابع للأمم المتحدة، حذر العام الماضي من أزمة غذاء غير مسبوقة في سوريا، وسط توقعات بتسارع تفشي وباء كورونا. وقالت المتحدثة باسم البرنامج، إليزابيث بايرز: إن 9.3 ملايين سوري يفتقرون إلى الغذاء الكافي، بعد موجة الغلاء وانضمام 1.4 مليون مواطن إلى دائرة الفقراء.