أروى غسان-الناس نيوز
تُعرف إسطنبول بمساحاتها الخضراء الممتدة أمام أعين الناظرين، فرغم الكثافة السكانية في المدينة التاريخية واكتظاظ البناء بغالبية أحيائها، إلا أن الحدائق الغناء تحجز المساحة الأهم منها، ولعل حديقة “غولهانة” المطلة على مضيق البوسفور، والواقعة وسط المدينة بالقرب من حي “سيركيجي” الأثري، هي واحدة من أجمل هذه الحدائق وأقدمها على الإطلاق وخاصة أنها تطل على قصر “توب كابي” الشهير.
“بيت الورود” هذا ما يعنيه اسم غولهانة باللغة العربية، وواقعا يحقق معادلة اسمٌ على مسمى، حيث تحتضن الحديقة الممتدة على مساحة 100 ألف متر مربع، أنواعاً متعددة من الزهور ولاسيما أزهار التوليب بألوانها البديعة وتشكيلاتها الهندسية الفريدة التي تشكّل لوحات فريدة، تبهر الزوار وتفرح قلوب العشاق، وقد سُمّي الحي الذي تقع فيه الحديقة على اسمها نظراً لأهميتها التاريخية، كذلك خُصّص لها ضمن محطات “الترام واي”، موقف خاص يحمل اسم “غولهانة”.
الحديقة التي قاربت من العمر 600 عام، ما زالت تحتفظ بألقها حتى يومنا الحالي، أنشأها السلطان محمد الفاتح، بعد إنشاء قصر “توب كابي”، عقب دخوله القسطنطينية عام 1453م، وزرعها في البداية بأشجار الزيتون وشتلات الورد، وباتت الحديقة جزءا من القصر، ومتنفسا لراحة السلاطين وأبنائهم لاحقا. ولا تزال الحديقة تحتفظ إلى يومنا هذا بأسوارها العتيقة، وأشجارها الباسقة التي يعود تاريخ بعضها إلى القرن التاسع عشر، ويبلغ عدد أنواع الأشجار فيها نحو 90 نوعا، وينتمي غالبيتها لنوع شجر الدلب، فضلا عن تواجد بعض الحيوانات الأليفة والطيور.
وبقيت الحديقة الغارقة برائحة الزهور، خاصة بالسلاطين إلى حين فتحها للعامة عام 1912م، وتم تحديثها عدة مرات، كما تحولت إلى حديقة حيوانات فيما مضى، إلا أنه نظراً لتعذر الاهتمام بتلك الحيوانات آنذاك ، تم تحويلها إلى حديقة عامة يقصدها السكان المحليون والسياح من شتى بقاع الأرض، وتحتوي الحديقة اليوم على مجموعة من التماثيل لشخصيات عامة مثل المغني التركي الشهير “عاشق فيسال”، ومؤسس الجمهورية المدنية مصطفى كمال أتاتورك، فضلا عن وجود عمود يمثل الحضارة الرومانية .
.
وتقول مصادر الكتب التاريخية إنه قبل العثمانيين كانت “غولهانة” أيضا منطقة خضراء، يقع تحتها خزان مياه تاريخي قديم غارق تحت الأرض، تبلغ أبعاده 18×12 مترا، حيث تنتشر في إسطنبول هذه الأنواع من خزانات المياه الغارقة تحت الأرض لقدمها، ويعتقد المؤرخون بأن هذا الخزان كان لخدمة سقي الأشجار في المنطقة.
وقد يعود الزائر لغولهانة بتجربة غنية جداً، حيث لا تقتصر جولته على المرور في الحديقة والتمتع بمنظر زهورها الجميلة، لأن بإمكانه زيارة قصر “توب كابي” ( وهو حاليا متحف شهير رائع يحوي الكثير من الكنوز ) الملاصق للحديقة والاطلاع على آثار الثقافة الإسلامية وكنوز الحضارة التركية المخبّأة فيه.
وفي الجانب الغربي من غولهانة، يوجد “متحف العلوم والتكنولوجيا الإسلامي” الذي يعرض نماذج لأهم وأبرز الاختراعات التي شهدها التاريخ الإسلامي في الفترة ما بين القرنين الثامن والثالث عشر.