أحمد عزيـز الحسين – الناس نيوز :
أوصل الفنّانً السّوريّ الراحل صباح فخري ( 1933-2021) الغناءّ السّوريّ إلى ذروته، ومنحه هُويّةً خاصّةً به، وأكسبه أصالةً سعى لامتلاكها بجدّ، إلى الحدّ الذي بات فيه اسمهُ رمزاً لهذه الهوية؛ وعنواناً لها، بحيث غدا الغناءُ السّوريّ المتميّز مقترناً باسمه في المحافل العلمية والفنيّة.
وعلى كثرة من شدا بالموشَّحات والقدود الحلبيّة من قدامى المطربين السّوريّين ومحدثيهم كبكري الكردي، وصبري مدلل، ومحمد النّصّار، ومحمد خيري، وشادي جميل، ونور مهنا، وحمام خيري، إلا أنّ صباح فخري بقي الفنانَ الأقدرَ على غنائها بصوته الرّخيم، وأدائه المتميز، وقد استطاع أن يحملها على جناحي صوته الأسطوريّ إلى الفضاءين العربيّ والعالميّ، ولا تزال أمسيته الغنائية التي قدمها في ماليزيا قبل عقودٍ خلوْنَ تثير الإعجابَ والذّهول؛ إذ استطاع أن يغنّي فيها عشر ساعات متواصلةٍ دون أن يتعب ممّا أكسبه الدخولَ إلى موسوعة غينيس للأرقام القياسية، كما أن أمسيته العظيمة التي قدّمها في قصر المؤتمرات بباريس، وأبهر فيها عشاقَ صوته ومحبّي فنّه الأصيل، لاتزال تشهد بعلوّ كعبه في صنعة الغناء التي أجادها كمطربين كبار سبقوه إلى الاحتراف والنّجوميّة الخلاقة في مقدمتهم عبده الحاموليّ، ويوسف المنيلاوي، وعبدالحيّ حلمي، وسيّد الصفتي، وصالح عبدالحيّ.
وما من مرةٍ أقدمَ مطربٌ على غناء الموشحات والقدود إلا كان الفنّانُ الراحلُ مثلَهُ الأعلى، والنموذجَ الذي حاول احتذاءه كي يقارب كعبةَ المجد، ويحقِّقَ المجدَ الفنيّ الرفيع.
وصباح فخري فنانٌ شاملٌ أجاد تثقيف نفسه على أفضل ما يكون التّثقيف، وتعمّق في علمَي الموسيقا والغناء، ودرسهما على أيدي معلمين مهرة في مقدمتهم عمر البطش، وقد جمع إلى جمال الصوتِ القدرةَ على التأليف والتلحين معاً، وله ألحانٌ ذَائعةُ الصيت يظنها كثيرون من ألحان غيره لتميّزها، في مقدمتها ( خمرة الحب اسقنيها) التي ألف كلماتها بنفسه، وشدا بها قبل أربعة عقودٍ ونيّف، كما أنه أدّى أدواراًً تراثيةّ مشهورةً مانحاً إيّاها بصمة خاصة به، في مقدمتها دور ( يا حلو يا مسلّيني) الذي ألف كلماته، ولحنه محمد عبدالرحيم المسلوب ( 1793-1928) شيخُ كار الغناء في عصر النهضة العربية.
وقد ترك الفنانً الراحل ثروةً فنيّة لاتقدر بثمن من الموشحات والقدود والمواويل والقصائد، والمأمولُ أن تغدو هذه الثروةُ منارةً فنيةّ يهتدي بها الفنانون الشبابُ الباحثون عن الأصالة والفرادة، والرّاغبون في متابعة المسيرة المتألقة التي اختطها الفنّانُ الراحلُ بمهارةٍ وتميُّزٍ واقتدار.
ـــــــــــــــــــــــ
ناقد سوريّ