د . ممدوح حمادة – الناس نيوز ::
جراح سوري في الولايات المتحدة الأمريكية قام باستئصال سرطان من دماغ مواطن أمريكي (حيث فتح الطبيب جمجمة ذلك المواطن الأمريكي فوجد السرطان مطبقاً بأرجله إلى دماغ ذلك الرجل، فوضع الملقط على النار حتى أحمر كالجمر و”لطع” إحدى أرجله فقام السرطان برفع رجله، فوضع الطبيب له قطنة تحت رجله التي رفعها، ثم لطع له الرجل الثانية فرفعها السرطان فوضع له الطبيب قطنة أخرى تحتها، وهكذا حتى أصبحت أرجل السرطان كلها فوق القطن، فقام ذلك الجراح الفذ برفع السلطعون ورميه في القمامة)، هذه القصة رواها لنا فلاح عجوز لا يتقن القراءة والكتابة في إحدى القرى النائية التي عملت فيها فترة من الزمن أيام الشباب، ولم تكن مخيلة هذا العجوز تتسع للمعدات الطبية لدى الطبيب المذكور، فجعله يقوم بكي رجل السرطان بالـ (الملقط) الذي كان يحرك فيه الجمر داخل مدفأة الحطب، ولم ينتبه أنه استخدم السلطعون بدلا من السرطان في آخر الجملة .
ذكرني هذا العجوز بفصيلة من المحللين السوريين الذين يمكن القول إنهم تفوقوا على كل ما جال في مخيلة العبثيين وأصحاب اللامعقول بتحليلاتهم التي لم يرق إليها أحد في العالم، وربما في التاريخ منذ آدم حتى الصبي الذي رزق به جيراننا أمس، كل بلدان العالم مرت بمشاكل اقتصادية وتنطح الكثيرون لطرح الحلول لهذه المشاكل حتى الأغبياء الذين ادلو بدلوهم في تلك المشاكل طرحوا حلولا غبية ولكنها كانت من وجهة نظرهم حلولا وإن كانت غبية أما عندنا فقد أبدع (المحللون) في هذا الأمر، حيث حولوا المشكلة إلى حل.
فبدلاً من تقديم اقتراحات للتخلص من المعضلة جعلوا من تلك المعضلة خلاصاً من مشاكل أخرى افترضوها، وأتحدث هنا عن مشاكل حياتية معيشية تعتبر حقاً من الحقوق الطبيعية للناس التي على الدولة توفيرها، مهما كان شكل هذه الدولة، ولا خطر ولا حرج على المحلل أن يتناولها ضمن إطارها الطبيعي أي انتقادها والبحث عن حلول لها، ولو كان للأمر علاقة بالسياسة أو بأمر ما يتعلق بالسلطة لقلنا إن هذا المحلل خائف، ووجدنا له مبرراً يجعله يقدم على هذا العبث وهذا اللامعقول، علماً أن بإمكانه أن يصمت إذا كان يعاني من الخوف على نفسه أو على غيره، أما أن يخرج من فمه ما يفترض خروجه من أماكن أخرى فهذا غير مفهوم، وللكهرباء التي كاد المواطن السوري ينساها حصة الأسد من هذه التحليلات، حيث جعل أحد الإعلاميين غياب الكهرباء مظهراً من مظاهر العظمة .
فقد عاش امرؤ القيس وزنوبيا وقائمة طويلة من مشاهير التاريخ بدون كهرباء، وها هم يتصدرون كتب التاريخ ولا يعيبهم شيء، لا بل إن العتمة قد تكون سبب إبداعهم وتميزهم، فهل أنتم أيها السوريون أفضل من زنوبيا وامرؤ القيس لكي تستمتعوا بالكهرباء التي حرم منها هؤلاء العظماء؟
إذا فاشكروا السلطة التي قطعت عنكم الكهرباء ورفعتكم إلى مستوى زنوبيا وامرؤ القيس بدلاً من هذا النقيق الصادر عنكم مثل ضفادع الغدران، بسبب انقطاع الكهرباء، واكتبوا الشعر مثل امرئ القيس، ولكن لا تتمردوا كما تمردت زنوربيا على روما لكي لا تفقدوا حريتكم مع الكهرباء، المحلل الآخر تفوق على زميله حيث ظهر علينا في جلسة يناقش فيها موضوع الكهرباء مع جمهور في استديو إحدى المحطات السورية، حيث قام بتحويل حرمان الناس من الكهرباء إلى نعمة، لأنهم في ظل انقطاع التيار تبلغ فاتورة كهربائهم 200 ألف وهم عاجزين عن تسديدها فما الذي سيفعلونه لو أن التيار تدفق إلى مصابيحهم وأجهزتهم الكهربائية لمدة 24 ساعة؟ .
لا بد أنكم ستعجزون عن تسديد الفواتير وسياتي موظف في مؤسسة الكهرباء ويقطع لكم التيار، فلماذا كل هذه الدورة؟ لا داعي لأن تراكموا على أنفسكم الديون ولهدر وقت الموظف واموالكم؟ فاشكروا السلطة على قطع الكهرباء أيها الجاحدون وانعموا بالعتمة التي لا تتجاوز فواتيرها 200 ألف ليرة، محلل آخر تحدث عن نعمة الاستحمام بالماء البارد، يا لنا من شعب أحمق لدينا فرصة ذهبية لكي نستحم بالماء البارد ولكننا نطالب بالماء الساخن ونهدر هذه الفرصة، لو أردنا تعقب هؤلاء المحللين لعثرنا على عشرات النماذج الأخرى التي تتفوه بمثل هذه الترهات، ومن غير المستبعد أن يظهر علينا مستقبلاً محلل ما يقترح على الشعب السوري أن يقوم بالسبات الشتوي خلال فصل البرد، بدلاً من المطالبة بالوقود فليس ذلك مستبعداً على رواد اللامعقول هؤلاء.
عرف التاريخ الكثير من الظواهر الإعلامية التي كرست لخدمة هذه السلطة أو تلك، فخرج علينا غوبلز بنظرية (اكذب واكذب حتى يصدقك الناس)، واتبع الإعلام الأمريكي سياسة الخديعة لجر الجمهور إلى مصائد اقتصادية مختلفة، مثل ترويج الوجبات السريعة على أنها نموذج الغذاء الصحي، وغير ذلك من التفاصيل ونثر الإعلام السوفييتي (على الموت سكر)، كما يقولون عبر تصويره الحياة بصورة أجمل بكثير مما هي عليه في الواقع المر للمواطن في ذلك الوقت، ولكن جميع هذه المدارس كانت تخدم مشغليها ولم يسبق لظاهرة إعلامية أن حولت مشغلها إلى مادة للتندر والسخرية كما يفعل هؤلاء، فعندما تسمع شخصاً يتحدث عن فوائد العتمة أو الماء البارد كحلول بديلة لعدم توفر مصادر الطاقة لن تتمكن من أن تمسك نفسك عن الضحك، فمثل هذه المداخلات تصلح لأن تكون أدباً ساخراً ولموضوعات مسلسلات كوميدية أكثر منها لتحليلات اقتصادية، وإن كان العجوز الذي تحدث عن السرطان أمياً ومعرفته لا تتجاوز أكثر مما تحدث به في إطار نواياه الحسنة .
يفعل ذلك للحديث والتفاخر بالطبيب الأسطورة مخلص المواطن الأمريكي من السلطعون والتفوق بذلك على الأطباء الأمريكيين، فإن معظم هؤلاء من حملة شهادات الدكتوراه ويفتقدون إلى النوايا الحسنة، ولكن لماذا نستنكر ذلك أليس الوضع في البلد أشبه بمسرح العبث الذي لا يصلح له إلا مثل هذا الهذيان؟