ميديا – الناس نيوز :
قام فريق معهد كارنيغي الشرق الأوسط برصد ىراء نخبة من المثقفين العربي حيال فوز جو بايدن بالرئاسة في الولايات المتحدة. وفيما يلي رصد لآراء وتوقعات بعض الكُتاب والمتخصصين بخصوص الصراع في سوريا، والحرب في اليمن، والملف الإيراني.
بايدن في سوريا: بين إرث ترامب واستحضار سياسة أوباما
تيم الحاج، صحفي ومعد تحقيقات وملفات في العمق في الشأن السوري.
كانت السياسة الأميركية تجاه الملف السوري منذ بداية الثورة السورية، وحتى اليوم، أي قبل دخول جو بايدن البيت الأبيض، قائمة على احتواء المشكلة في سوريا وليس حلها.
كان ذلك واضحاً خلال إدارة باراك أوباما ومن بعده دونالد ترامب، لكن ورغم وضوح السياسة الأميركية في سوريا في عهدي أوباما وترامب، إلا أن كل منهما تسلح بأدوات مختلفة عن الآخر، مع رجحان الكفة لترامب، لجهة الحد بعض الشيء من النشاط الإيراني وفرض عقوبات على النظام السوري ورجالاته عبر قانون قيصر، إلى جانب تحجيم الدور الروسي في شمال شرقي سوريا ومنعه من الوصول إلى منابع النفط. إضافة إلى أن ترامب استطاع إمساك العصا من المنتصف مع الأتراك وسمح لهم بإيقاف ما تقول أنقرة إنه مشروع انفصالي تقوده قوات كردية داخل سوريا من جهة الحدود الجنوبية لتركيا.
أما أوباما فاتسمت سياسته بإطلاق خطوط حمراء وتهديدات، كانت دائما مُتجاهلة من قبل النظام السوري وشركائه، خاصة فيما يتعلق باستخدام السلاح الكيماوي، الذي قٌصف به المدنيون غير مرة، وفق ما وثقته كبريات المنظمات الحقوقية والإنسانية، وأثبتته لجان التحقيق الدولية.
اليوم ومع دخول جو بايدن إلى البيت الأبيض، يرى كثير من السوريين أن السياسة الأميركية في سوريا ستعود إلى الشكل الذي كانت عليه قبل عام 2016، أي وفق الخط الذي كان أوباما يسير عليه. ويبني السوريون هذا الاحتمال، كون الرئيس الجديد بايدن كان نائباً لأوباما خلال فترة حكمه، وأحد شركاء أوباما في وضع سياسة أميركا في سوريا.
وصحيح أن لـ بايدن مواقف ثابتة تجاه رفض إرسال قوات برية إلى سوريا وشن معارك هناك، إلا أنه قد يضطر لتغيير موقفه فالوجود الأميركي في سوريا اليوم، أمر واقع، ويختلف عما كان عليه في عهد أوباما. فاليوم القوات الأميركية التي تقود التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة تسيطر على معظم حقول النفط الغنية في الحسكة ودير الزور، وتشكل هذه القوات حجر عثرة أمام النفوذ الروسي، الطامح نحو النفط.
وفي حال قرر بايدن الانسحاب العسكري فإن أوراق اللعبة ستُخلط على الفور، وستميل كفة روسيا والنظام السوري، وهذا الأخير ينقصه فقط النفط حتى يلتقط بعض الأنفاس، ليحرك عجلة اقتصاده. أرى أن بايدن اليوم يأتي إلى الملف السوري ليكمل ماكان يسير عليه سلفه ترامب من سياسة، ولعل المُنتظر من ساكن البيت الأبيض الجديد، من وجهة نظري، هو عدم العودة إلى سياسة أوباما المترددة، والمضي على أقل تقدير في خط العقوبات وفق قانون “قيصر”، أما عن دعم المعارضة السورية، فبايدن من أشد المعارضين لتسليح المعارضة، وعليه فإنه لن يغير رأيه اليوم بعد أن أصبح رئيساً والحال في سوريا وصلت إلى ما هي عليه.
هل يعود بايدن سريعاً إلى «الاتفاق النووي»؟
د. جهاد الملاح، كاتب صحفي وأستاذ جامعي متخصص في الإعلام
«إيران لا يهمها من سيفوز بالرئاسة الأميركية». هذا كان رأي المسؤولين في طهران. لكن أغنية أرسلتها فرقة «راب” إيرانية إلى الشعب الأميركي قالت كل شيء. الأغنية لم تذكر الجمهوري دونالد ترامب أو الديمقراطي جوزيف بايدن، إلا أن رسالتها كانت واضحة: انتخبوا بايدن!
الآن، وبعد أن فاز بايدن، وفي حال لم تحصل مفاجآت قانونية في نتائج الانتخابات، فما هي السياسة التي يُــتوقع أن تنتهجها الإدارة الجديدة إزاء إيران، خصوصاً أن الرئيس المنتخب كان قد أعلن نيته العودة إلى الاتفاق النووي مع طهران في حال التزمت الأخيرة بتعهداتها؟
في الواقع، إذا كانت العلاقات الأميركية الدولية تشكل جزءاً مهماً من أجندة بايدن في المرحلة الأولى، فإن تلك العلاقات تحتاج الكثير من الترميم، لإصلاح مع أفسده ترامب، مع الحلفاء قبل الخصوم. وبالتالي ربما تتأخر معالجة الملف النووي، إذ لا بد أولاً من إعادة جمع الحلفاء، الذين كانوا جزءاً أساسياً من مفاوضات شاقة أدت إلى الاتفاق مع طهران عام 2015، وقد رفضوا قرار ترامب الانسحاب منه عام 2018.
في المقابل، ربما يفضّل بايدن، الذي يستعجل إلغاء إرث ترامب، عدم تأجيل الحسم في الملف النووي، إلى مرحلة لاحقة، أو إلى ولاية رئاسية ثانية، كما كان يفعل كثير من الرؤساء الأمريكيين في الملفات الخارجية، وذلك لسببيـن: أولاً حجم الضرر الذي حصل في عهد ترامب، وثانياً عمر الرئيس المنتخب (78 عاماً)، وهو أكبر رئيس سناً في التاريخ الأميركي، والذي قد يكون أقل نشاطاً في مرحلة لاحقة أو في ولاية ثانية.
ومن المتوقع أن يفتح ترميم علاقات الولايات المتحدة الدولية، وتحديداً مع الدول الأوروبية وروسيا والصين، قنوات من شأنها أن تساهم في إعادة إحياء الاتفاق النووي. ولا بد من الإشارة كذلك إلى أنه في حال استمر موقف بايدن من الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، حيث كان قد وصفه بــ«المستبد» وأكد دعمه للمعارضة التركية، فإن الأمر ربما يدفع واشنطن إلى تخفيف تأزيم العلاقة مع طهران، إذ إنها لن تخاصم تركيا وإيران معاً.
بطبيعة الحال، ومع معرفة أن إدارة ترامب قد تستغلّ الوقت المتبقي لها، لتشديد العقوبات على طهران، فسوف تلعب نتائج انتخابات مجلس الشيوخ، التي لم تتضح بشكل نهائي بعد، دوراً في تسهيل أو تعقيد خيارات بايدن، مع الإشارة إلى أن الانقسام الجمهوري الحاصل سيكون في صالح الإدارة الديمقراطية.
في المحصلة، من المستبعد أن يبدي بايدن ليونة سريعة ومباشرة مع إيران، وسيستمرّ في الضغط عليها وعلى القوى المتحالفة معها، خصوصاً في ظل المطالب الإسرائيلية، فضلاً عن سعي دول خليجية لاستمرار ذلك الضغط، انطلاقاً من البعدين السياسي والنفطي. لكن من توصّل الى الاتفاق النووي سابقاً كان الرئيس باراك أوباما ونائبه بايدن، وبالتالي ليس من السهولة التخلي عن ذلك الاتفاق الذي اعتبِر إنجازاً كبيراً في حينه.
أما على الجانب الإيراني، فإن إعلان مستشار الرئيس حسن روحاني أن «الجبان ترامب قد رحل»، يعني بشكل واضح أن خيار طهران كان بايدن، وبالتالي قد تلجأ إلى ملاقاته في منتصف الطريق، وربما أبعد، بعد أن أزيحت عنها «غمامة ترامب».
هل تُنهي دبلوماسية بايدن حرب اليمن؟
مهيب زوى، صحفي يمني وباحث في الإعلام والصحافة.
بدا صلف ترامب مقلقًا في إدارة المصالح الأمريكية في المنطقة، لكن ما الذي سيقدمه هدوء بايدن ودبلوماسيته لإنهاء حرب اليمن؟
عندما أعلنت السعودية في 26 مارس/ آذار 2015 قيادة تحالف عربي وبدء الحرب ضد جماعة الحوثي، التي تسيطر على العاصمة صنعاء منذ 21 سبتمبر/ أيلول 2014، ومساندة الحكومة المعترف بها دوليًا، كان بايدن نائبًا للرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي بارك خطوة الرياض. وعندما تولى الجمهوري دونالد ترامب الرئاسة في 20 يناير/ كانون الثاني 2017، وبدأ يدير مصالح الإدارة الأمريكية في المنطقة بعقلية رجل أعمال، أثارت صلافته الكثير من التوتر، لكنه كان الأكثر صدقًا ووضوحًا تجاه أهداف واشنطن.
في الأيام الماضية، انشغل العالم بالصراع الانتخابي بين ترامب وبايدن الذي وجه جزءا من حملته صوب البلد الأكثر توترًا: “سأنهي الحرب في اليمن”، تسمرت عيون اليمنيين على الشاشة يتابعون تفاصيل عملية الاقتراع في البلد الديمقراطي، الذي تتداول سلطته من خلال أصوات الناخبين، وكانت تطلعات اليمنيين تقف مع جون بايدن الذي قال إنه سينهي الحرب في بلدهم.
إذن: فاز بايدن.. ماذا عن حرب اليمن؟ في عام 1991 اعترض بايدن الديموقراطي على حرب الخليج أثناء ولاية بوش الأب، لكنه صَوَّت لغزو العراق في عام 2002 مع ولاية بوش الابن ولم يعترض على إعلان السعودية الحرب في اليمن، عندما كان نائبًا لـ أوباما الديمقراطي أيضاً. لدى بايدن تركة “ديموقراطية” منذ غزو العراق إلى بدء حرب اليمن التي لاتزال مستمرة في عامها السادس، بدعم لوجستي أمريكي يمثل الأساس فيها، فهل تتحقق وعود بايدن بإنهائها؟
يبدو أنه لا أمل؛ ذلك أن إنهاء الدعم الأمريكي للحرب التي تقودها السعودية في اليمن ضد الحوثيين، والتلويح برفع العقوبات عن طهران لا يعني بالضرورة انتهاء الحرب؛ فجماعة الحوثي، المدعومة إيرانيًا، تحكم قبضتها بجنون.
الواضح أنه: لن يختلف هدوء الديمقراطي بايدن عن جنون الجمهوري ترامب، فكلاهما يتفقان في: إبقاء الزعامة الأمريكية للعالم، لكن يبدو أن الحرب في اليمن قد أتت أكلها في نظر واشنطن وحان الوقت لوضع حل واتفاق سياسي، وهذا الذي سيحدث من خلال ضغط بايدن على السعودية.