علي عبد الله – الناس نيوز :
تَذكرُ كتب التاريخ الحديث عن عهد النازية وأفعالها، بأن آدولف هتلر أمر خلال الحرب العالمية الثانية بجمع النخبة من الفنانين والأدباء والمهندسين في قبو كبير آمن من تأثيرات الحروب وخرابها، معللاً ذلك بأنهم بناة البلاد عند دمارها، وهو ما فعله، إلى حد ما، شارل ديغول في فرنسا، وونستون تشرشل في بريطانيا العظمى، لكن التركيز انصب على ما فعله هتلر الذي كان يدرك تماماً أن حماقته ونازيته ستدمر العالم وليست ألمانيا وحدها.
وبغض النظر عن الفكرة وصحتها فإن هؤلاء المبدعين أعادوا بناء بلادهم؛ وعادت ألمانيا حاضنة للثقافة، الفلسفة، الصناعة، الزراعة، التجارة والصحة حتى أصبحت ذات مكانة كبيرة بين اقتصاديات العالم وعظمائها.
وبعيداً عن نظرية المؤامرة وتأويلاتها، فإن زيارة الرئيس الفرنسي السيد إيمانويل ماكرون لسيدة الجمال العربي فيروز الصوت الصادح؛ قبل أن يلتقي الشخصيات السياسية والفكرية في لبنان، كانت فعلاً زيارة تاريخية ذات دلالات لا تقبل الشك في تأكيد مهمة الفن الكفيلة بإعادة دورة الحياة وتجديدها.
إنه يعرف تماماً بأن الساسة زائلون، وطمع الكراسي لا يدوم، ولا بد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر، في حين يشرق الفن مثل النهار يبث الحرية والانطلاق نحو الإبداع والخلق الذي لا يأفل ولا ينتهي، وهو العارف أيضاً بأن الفن ” غالباً” سابق لزمانه كما يقال.
لم يفكر السيد ماكرون أن يزرع شجرة أرز ( فقط ) لتكون عنواناً للنماء وإدامة الرمز وتعميقه، ولم يفكر بدعوة السيدة فيروز إلى قاعة مبهرجة بطقوس المراسيم ومجهزة بكل وسائل الإعلام، ولم يقترح وجود عدد من الجماهير لتصفق وتهتف لهذا الفعل الحضاري المؤثر.
أما السيدة فيروز فقد فعلت أكثر من ما تتوقعه بداهة عقول محبيها وخيالاتهم.
لقد استقبلت هذا الحدث العظيم لتمنحنا درساً كنا فيه أكثر فرحاً من فرحتها التي عبرت عنها بابتسامة ساحرة خجولة، كان درساً بليغاً بالتواضع والبساطة التي تجاوزت المألوف ( لا نرغب بمقارنتها مع أي من فنانات وفناني البهرجة والبرستيج، فمقامها أرفع من كل ذلك)، درسها كان شديد البلاغة بدءاً من بيتها الذي أثارت بنايته تساؤلات شتى: كيف تضم تلك العمارة البسيطة ذلك الصوت الملائكي الساحر، وأثاثها الاعتيادي، أما فستانها ( الذي لم يكن ضمن الموضة الفرنسية ومصمميها) ومكياجها الأكثر تواضعاً، تلك التفاصيل التي أصبحت حديث النساء اللواتي استفزت فيهن سمو الأنثى وترفعها على فانتازيا وهوس المظهر وعلاقته بالشخصية الإنسانية وفعلها، حتى اللوحة الجدارية التي تحمل ثلاثة تشخيصات للسيدة فيروز؛ فهي ليست لفنان محترف معروف لكنه استطاع أن يعبر عن إعجاب كبير ومحبة أكبر.
لا عجب أن يصرح السيد الرئيس عن شعوره في حضرتها برهبة وهيبة عجيبة، فالحدث كان فيروزنا والمكان والزمان فيروزنا، هو منحها وسام الفارس، ومنحته فيروز وسام الهيبة والجمال.