fbpx

الناس نيوز

جريدة إلكترونية أسترالية مستقلة

رئيس التحرير - جوني عبو

Edit Content
Generic selectors
Exact matches only
Search in title
Search in content
Post Type Selectors
Filter by Categories
آراء
أخبار
أستراليا
إدارة وتكنولوجيا
إعلان
اقتصاد
اقتصاد أستراليا
اقتصاد عالمي
اقتصاد عربي
تقارير وتحقيقات
ثقافة وفنون
حكايا
خبر رئيس
رياضة
رياضة أستراليا
رياضة عالمية
رياضة عربية
سياحة وسفر
سياسة أسترالية
سياسة عالمية
سياسة عربية
صحة
صور
عدسة
فن الناس
في الوطن الجديد
فيديو
كاريكاتير
لايف ستايل
متفرقات
مجتمع
مجتمع الناس
موضه
Generic selectors
Exact matches only
Search in title
Search in content
Post Type Selectors
Filter by Categories
آراء
أخبار
أستراليا
إدارة وتكنولوجيا
إعلان
اقتصاد
اقتصاد أستراليا
اقتصاد عالمي
اقتصاد عربي
تقارير وتحقيقات
ثقافة وفنون
حكايا
خبر رئيس
رياضة
رياضة أستراليا
رياضة عالمية
رياضة عربية
سياحة وسفر
سياسة أسترالية
سياسة عالمية
سياسة عربية
صحة
صور
عدسة
فن الناس
في الوطن الجديد
فيديو
كاريكاتير
لايف ستايل
متفرقات
مجتمع
مجتمع الناس
موضه
Edit Content
Generic selectors
Exact matches only
Search in title
Search in content
Post Type Selectors
Filter by Categories
آراء
أخبار
أستراليا
إدارة وتكنولوجيا
إعلان
اقتصاد
اقتصاد أستراليا
اقتصاد عالمي
اقتصاد عربي
تقارير وتحقيقات
ثقافة وفنون
حكايا
خبر رئيس
رياضة
رياضة أستراليا
رياضة عالمية
رياضة عربية
سياحة وسفر
سياسة أسترالية
سياسة عالمية
سياسة عربية
صحة
صور
عدسة
فن الناس
في الوطن الجديد
فيديو
كاريكاتير
لايف ستايل
متفرقات
مجتمع
مجتمع الناس
موضه

جريدة إلكترونية أسترالية مستقلة

رئيس التحرير - جوني عبو

الـ (فيلد) هو سترة عسكرية خضراء يلبسها الجنود فوق لباسهم العسكري اتقاء للبرد وتستر نصفهم العلوي فقط، وللحقيقة فإن الكثيرين من المدنيين يرتدونها فوق لباسهم المدني أيضا ولكن مصدرها بالتأكيد مستودعات الجيش للألبسة العسكرية، ويبدو أن الجيش في قديم الزمان كان يتزود بها من إحدى الكوريتين، ففي (مستودعات المهمات) التسمية التي تطلق على أماكن تخزين الألبسة والبطانيات وما شابه وبسبب توقف استيراد هذه الفيلدات من كوريا أو التخفيف من ذلك والبدء بإنتاج فيلدات عسكرية محلية فقد كان عدد الفيلدات الكورية في المستودعات محدود جدا بينما كانت الفيلدات السورية مكدسة بأعداد كبيرة، ولكن ما كان يميز الفيلدات الكورية هو نوعيتها العالية مقارنة مع الفيلدات السورية إضافة إلى أنها كانت أجمل، ولذلك كان جميع الجنود يرغبون بالحصول على الفيلد الكوري، إلا أن أبا بسام مساعد المهمات لم يكن يتكرم بها إلا على من لديهم حظوة لديه وكنت في ذلك اليوم قد أصبحت واحدا منهم بعد أن ساعدته في تعبئة كومة الاستمارات التي سهرنا عليها أنا والعريف مروان لأكثر من أسبوع حتى استطعنا إنجازها في الوقت المحدد، وكان أبو بسام قد جهز لهذه المناسبة مفاجأة فرشها على الطاولة بعد أن جمع الاستمارات عنها ووضعها في الخزانة، حيث أخذ يمزق صفحات من أعداد قديمة من مجلة جيش الشعب ومجلة الجندي العربي، التي تكدست عنده لسبب ما، ثم أخذ يوزع فوقها صحون الجبن والزيتون والمخلل، وكان قبل ذلك قد كلف العريف مروان بقلي البطاطا والباذنجان، بينما بدأ هو بتمزيق فروج مطبوخ كان قد حصل عليه من مطبخ سرية الدبابات التي كان مساعد التموين فيها كثير الطلبات من مستودع أبي بسام، فكان يرسل له كل يوم وجبة منتقاة لكي يلبي له أبو بسام هذه الطلبات دون تذمر، وضع أبو بسام الفروج في طنجرة فوق سخان كهربائي يتشكل من وشيعة نابضية الشكل تمتد ضمن قنوات محفورة في قرص فخاري، باختصار لم تمض ساعة حتى كانت طاولتنا عامرة، ثم أخرج أبو بسام من خزانته ثلاثة كؤوس من الكريستال كما أكد لنا، مهشرة تطوقها خطوط ذهبية من الواضح أنها مخبأة لمناسبات خاصة، وزعها على الطاولة ثم أخرج زجاجة عرق الريان ووضعها على الطاولة وبدأ الاحتفال، وبينما كان أبو بسام يحدثنا عن أمر ما كان مروان يستمع إليه باهتمام، بينما كنت أنا أقرأ فقرة من الزاوية النفسية في مجلة الجندي العربي التي كانت مفرودة أمامي وقد تفشت فوقها بقعة من الزيت يقول فيها الجندي الذي يراجع المختص النفسي في المجلة : (أحبها ولا تحبني .. وعندما أدخل إلى بيتهم يقشعر بدنها وكأن الذي دخل هو عزرائيل فماذا أفعل؟ ) فيجيبه مختص المجلة الذي لا علاقة له بعلم النفس على الأغلب : ( يا أخ شكيب لو كنت مكانك لتجنبت المرور قرب بيتها). لم أتمالك نفسي وانفجرت بالضحك فالتفت الاثنان صوبي وسألني أبو بسام :
– خيرا.. ما الذي يضحكك؟
أشرت إلى ما كنت أقرؤه فطالع أبو بسام المكتوب بنظرة سريعة ثم عقب:
– هذا العريف شكيب .. الله يرحمه؟
– مات؟
سألته فأجاب:
– قتل… شهيد الحب.. قتل بسبب هذه الفتاة نفسها.
– كيف؟
سأل مروان فأجاب أبو بسام
– كان مجنونا بها ولكنه رحمه الله كان بسيطا وساذجا ولا تجوز عليه إلا الرحمة يمكن الإضافة بأنه كان غبيا .. وأثناء الحرب كان هو وطاقم الـ (بي تي ار) الذي يقوده يناوبون على حاجز قرب بيتها فاتفق مع عناصره على خطفها لكي يتزوجها عنوة، وأكد شكيب لهم : “بعد الدخلة ستخضع للأمر الواقع، هي وأهلها” وذهب وإياهم إلى بيته حيث لعب مصطفى قائد الـ (بي تي ار) دور الشيخ الذي قرأ الفاتحة ولعب بقية العناصر دور الشهود وتم العقد عليها حيث إن الفتاة تحت وطأة الخوف من منظر الأسلحة التي كانت معلقة على أكتاف الحضور اضطرت للهز برأسها بعلامة الموافقة عندما سألها الشيخ الرقيب أول مصطفى إن كانت موافقة على أن تكون زوجة للعريف شكيب، أما الدموع الملتهبة التي كانت تنهمر على خديها فقد اعتبرها الشيخ الرقيب أول مصطفى دموع الفرح، بعد ذلك عاد طاقم الـ (بي تي ار) إلى الحاجز وبقي شكيب مع الفتاة التي أصبحت بحسب اعتقاده زوجته الشرعية التي يحق له أن يفعل معها ما يريده وأخذ يحاول الدخول فيها عنوة محاولا إقناعها بأنه أصبح زوجها الشرعي وله عليها حقوق، ولكن الفتاة كانت قوية البنية ولم يتمكن شكيب من اقتحامها رغم أنها كانت مقيدة اليدين وعندما استسلمت وأوشك شكيب على النيل منها خلع أحدهم باب بيته المتهالك أصلا وصرخ وهو يلقم مسدسه الـ(مكاروف) : “تشاهد على روحك يا ابن القحبة” كان ذلك شقيق الفتاة الذي قفز شكيب من فوق أخته نصف العارية بعد أن مزق ثيابها وحاول أن يمسك يده مانعا إياه من إطلاق النار، ولكن شقيق الفتاة عاجله برصاصة في صدره جعلته يرتمي أرضا ثم ألقى على شقيقته الممزقة الثياب معطفه الشتوي وسألها وإصبعه لا تزال على الزناد: “هل نال منك؟ ” فأكدت له شقيقته بأن شكيب لم يتمكن من ذلك فأعرب بحركة من رأسه عن ارتياحه وغادرا المكان بعد أن أفرغ في صدر شكيب باقي طلقات المخزن ، وعندما تأخر شكيب عن العودة إلى الحاجز ذهب عدد من رفاقه للاطمئنان عنه فوجدوه على الأرض سابحا بدمه وقد اخترقت جسمه ثماني رصاصات، ولكنه كان لا يزال يطلق حشرجة توحي بأنه حي فنقلوه إلى المشفى وظل يصارع الموت هناك حتى منتصف نهار اليوم الثاني حيث فارق الحياة ظهرا ، هذه هي قصة شكيب الذي قتله عضوه.
ثم أخذ هو ومروان يرويان النكات البذيئة بينما أخذت أفكر بشكيب ( لماذا من بين كل نساء العالم لم تعجبه إلا فتاة تكرهه؟ ألم يفكر عندما كان يحاول اغتصابها أن من يحب لا يفعل ذلك؟ وهل هو فعلا كان يحبها أم أنه كان يشتهيها بهيمياً، ألم يفكر أنها بعد أن يغتصبها لن تكون زوجته أبدا حتى لو أرغمت على ذلك، وأنها ستكرهه مدى الحياة؟ ) أسئلة كثيرة تواردت إلى ذهني قبل أن يتوارى شكيب والفتاة من مخيلتي وتبدأ عصافير الريان تزقزق في رأسي فوجدت الفرصة مناسبة لكي أنوه لأبي بسام الذي كانت البلابل تغرد في رأسه أيضا :
– ألا يحق لي مثل بقية خلق الله أن يكون عندي فيلد كوري يا أبا بسام؟
فنظر إلي أبو بسام نظرة عتب وقال :
– لو صبرت لظفرت .. لقد جهزته لك وكنت أنوي تقديمه لك في نهاية السهرة .
ثم دخل إلى غرفة صغيرة قرب غرفته وعاد يحمل في يده كيسا قدمه لي وأردف:
– إنه نظيف ولكن لا يمنع أن تغسله لكي يتخلص من رائحة التخزين .
فشكرته ووعدته بأن أحضر الفيلد السوري في الغد حيث يكون الفيلد الكوري قد جف حتى ظهر الغد، وفعلا هذا ما فعلته في اليوم التالي.
كنت أعرف طبعا أن الفيلد ليس جديدا لأن الفيلدات الكورية على الأغلب كان قد توقف استيرادها كما ذكرت منذ أن بدأ إنتاج الفيلدات السورية، ولكنني لم أكن أتوقع أن الفيلد مليء بالثقوب التي تبين بعد أن قمت بإحصائها أنها سبعة كلها في منطقة الصدر، فشعرت بالانزعاج وبعد انتهاء الدوام ذهبت إلى أبي بسام وعاتبته لأنه أعطاني فيلدا مليئا بالثقوب فقال ضاحكا :
– هذا فيلد شكيب؟
فانفعلت وقلت له :
– أهذا ما تمخض عنه رأسك يا أبا بسام ؟
فمد أبو بسام يده إلى درج الطاولة وأخرج من هناك مسدس مكاروف أنزل فيه مسمار الأمان ولقمه ومده نحوي:
– أفرغ مخزنه في رأسي.
هكذا كان أبو بسام يمتص غضب أصدقائه عندما يكون السبب وسرعان ما تتلاشى الانفعالات ويسكب أبو بسام كأسين من عرق الريان يبدا بعد أن يحتسيها بالنقر بيديه على الطاولة وينطلق بأغنية على نمط (هات كأس الراح واسقني الأقداح)، راودتني فكرة شيطانية وأنا أتأمل المسدس في يدي، ماذا لو فعلت ما يطلبه أبو بسام مني وأفرغت المسدس في رأسه؟ مثل هذا الجنون يحدث ولوهلة أغرتني الفكرة وتأملت رأس أبي بسام قليلا فلاحظت تفاحة أدم تتحرك عنده بقلق، سيطرت علي الفكرة لدرجة جعلتني معها أشعر بأن هناك شيطاناً في المكان يحاول السيطرة على أفكاري فرميت المسدس بارتباك وقلت له باختصار:
– لا مشكلة.
أما هو فوعدني وهو يخرج الطلقة التي دسها في بيت النار ويعيد تأمين المسدس ويرميه في الدرج بأنه عند وصول أول دفعة فيلدات جديدة سيقدم لي واحدا جديدا غير ملبوس، وهكذا خمدت مشاعر الضيق ولم تمض لحظات حتى كنت أقرع الكأس مع أبي بسام الذي كان أول نخب رفعه بصحة شكيب الذي أثنى عليه لولا تلك الحماقة التي ارتكبها فأودت به.
بعد أن شربنا عدة كؤوس وأخذت العصافير في رؤوسنا تزقزق تساءلت:
– قلتَ إن شقيق الفتاة أفرغ في صدره مخزنا كاملا؟
– نعم.
أجاب أبو بسام فقلت له:
– لماذا لا يوجد سوى سبعة ثقوب إذا ؟
سألته وقد استيقظ في لاوعيي كائن ما يشبه شارلوك هولمز، فأشار أبو بسام إلى ما بين فخذيه وقال:
– الرصاصة الثامنة أفرغها شقيق الفتاة هنا، الثقب الثامن في البنطلون.
رغم أننا أتينا على لتر العرق كاملا في تلك الليلة إلا أنه لا يمكن القول أبدا إنني شعرت بالسكر، لقد كانت سهرة كئيبة لم تنفع كل نكات أبي بسام البذيئة في إنعاشها قيد أنملة، كل الحديث بهذا الشكل أو ذاك كان عن الثقوب السبعة الموجودة في صدر الفيلد الذي أرتديه، اعتراني ضيق تنفس بسيط أثناء السهرة تهيأ لي أن مستعمرة من النمل تدب تحت الفيلد على ظهري،ثم شعرت بأصابع لها مخالب حادة تحاول تمزيق جسدي شعرت أن الفيلد هو من يفعل ذلك، وكدت أخلعه وأرميه لأبي بسام ولكنني لم أفعل ذلك لإدراكي التام بأن هذه ليست سوى هلوسات تحت وطأة إحساسي بالنفور من ارتدائي للباس شخص قتل وهو يرتدي هذا اللباس، ولم أشا أن أعطي هذه الهلوسات فرصة بالسيطرة علي فتابعت السهرة وكأنني لا أشعر بشيء مما سبق ذكره ، بعد انتهاء السهرة في الساعة الواحدة ليلا على وجه التقريب عدت إلى غرفتي رغم أن أبا بسام اقترح علي أن أبقى حتى انتهاء العاصفة المطرية، فقد كان المطر يهطل بغزارة نادرا ما تحدث هنا، ولكنني رفعت قبعة الفيلد وانطلقت باتجاه غرفتي التي كانت تبعد مسافة حوالي كيلو متر عن مستودع المهمات حيث مكتب أبي بسام، رفعت قبعة الفيلد إلى فوق رأسي ولم أعبأ بالمطر، لا أذكر أنني قطعت هذه المسافة مرة طوال خدمتي دون أن تنبح علي الكلاب المشردة المنتشرة بكثرة في طريق عودتي،خاصة حين أعود متأخرا فهي غالبا ما تختفي في النهار أو لا يكون لها مزاج عدواني كما في الليالي الماطرة، اليوم لا أثر لها فقد كانت تختبئ على ما يبدو، حارس مستودع الأسلحة دعاني لكي أسرع إلى كولبة الحراسة حين لمع برق رهيب ودوى رعد شعرت معه أن الهواء حولي يتكسر وكهرباء ما جعلت الشعر على رجلي ويدي يتهيج، ولكنني لم أول اهتماما لندائه وتابعت طريقي مصغيا إلى شكيب الذي كانت روحه تحاول اللحاق بي وتشرح لي الموضوع:
– لا تصدق أي كلمة مما قيل، هي لم تكن تكرهني لقد كانت تحبني أكثر مما كنت أحبها، لو أنها لم تكن تحبني لما فعلت ذلك، ليس من العدالة أن أموت لأنني أحب فمن يحب يجب أن يعيش لا أن يموت، فليقتلوا اللصوص و المجرمين بكافة أنواعهم، لماذا يقتلون العاشق ويتركون الباقين يسرحون ويمرحون؟
لم أستطع أن أتحمل كلامه أكثر فالتفتت إلى الخلف وصرخت في وجهه:
– ولكنهم قتلوك لأنك كنت تحاول اغتصابها لا لأنك تحبها.
– يكذبون.. إنهم يكذبون لكي تسجل جريمتهم كجريمة شرف، أنا لم أقترب منها.. لم ألحق أن أفعل ذلك لم أتمكن حتى من عناقها كما كانت تريد لقد كانت تحلم بهذا.. كانت تقول لي سابقا بأنها تحلم أن أضمها بذراعيّ وأن تضع رأسها على صدري وتحلم، كنت أنوي فعل ذلك ولكن بعد أن يزول الارتباك قليلا ، ولكن الباب انفتح فورا ودخل شقيقها تبا له .. أنا أسرعت في الموضوع أصلا لإنقاذها من براثنه كان يريد بيعها لرجل في السبعين من عمره قدم له مليون ليرة وسيارة بيك أب مازدا إنه حقير.
صرخت به مرة أخرى :
– لا تكذب، إنها لم تكن تحبك وأنت شخصيا اعترفت بذلك لمجلة الجندي العربي.
– أتصدق هذا الهراء ؟
قال شكيب منفعلا وأردف:
– أتصدق أنني يمكن أن أرسل الرسائل إلى مجلة الجندي العربي أو جيش الشعب أنا لم اكن آخذ نسختي منهما أصلا، أحد ما كان يفعل ذلك لكي يتندر ربما كان أبو بسام نفسه.
قال شكيب كلاما كثيرا أكد فيه بأنه بريء من كل ما ينسب إليه سواء فيما يخص الاتهام بالاغتصاب أو بالرسائل الملفقة إلى مجلة الجندي العربي ومجلة جيش الشعب، ورغم الضيق الذي كنت أشعر به إلا أنني غفوت وهو يتكلم ربما بفعل الكحول، ما كان يجب أن اعترض على الفيلد المثقوب، كان بإمكاني الذهاب إلى الخياط وجعله مقابل ليرتين يرتق لي جميع هذه الثقوب دون أن أعرف قصتها، ولكنني تورطت، شكيب لم يغادرني منذ أن عرفت أن هذا الفيلد له، حتى بعد أن غفوت لم يتوقف عن الحديث، تمنيت لو أنه يأخذ الفيلد الذي علقته على مسند الكرسي وينصرف ولكنه لم يفعل، لقد خرج من الفيلد كذلك الجني الذي خرج من القمقم قرأ لي الأشعار التي كان يرسلها لها، قرأ الكثير من القصائد التي جعلها في بعضها ملكة وفي بعضها إلهة العشق وجعل عشتار وأفروديت وفينوس لا يساوين قشرة بصلة معها ثم سألني بشكل مفاجئ:
– بربك هل أستحق الموت لأنني كتبت قصائد حب أم أستحق الحياة؟ في البلاد المتحضرة من يكتب القصائد يعتبرونه ثروة وطنية، عندنا يقتل.
تضايقت لأنه يستغفلني دون أي خجل، أردت أن أصرخ في وجهه :
– اصمت يا شكيب.. اصمت .. أتظنني لا أعرف بأن قصائدك مسروقة من دواوين نزار قباني .
ولكنني لم أتمكن من الصراخ كنت وكأن على صدري صخرة، انتفضت من الفراش كمن يحطم أغلاله فوجدت حقول السنابل تندلع حولي، هكذا تهيأ لي وأنا بعد لم أخرج من الكابوس تماما، ولكنني سرعان ما أدركت بأن هذه ليست سنابل وإنما ألسنة لهب، أشعلت النور فرأيت النار قد أنشبت جذورها بالأرضية الخشبية للبراكية ومن الأعلى كانت ندف من الهباب تتساقط إلى الأسفل كما لو أنها ندف ثلج أسود، لقد فاض المازوت من المدفأة وانتقلت النار إلى أرضية البراكية وكنت أختنق حين أردت أن أصرخ بوجه شكيب، بدأت بإطفاء النار بسرعة وهرع حارس قريب لمساعدتي وأمضيت بقية الوقت حتى الصباح في تنظيف البراكية من الهباب الذي تساقط على الأسرة والأرض ونسيت شكيب.
عند بداية الدوام تعاملت مع الحوار الذي دار بيني وبين شكيب بالأمس كنوع من الهذيان الذي يصيب السكارى الذين أفرطوا في تناول الكحول وضحكت من نفسي.
الرقيب مشعل مسؤول المغسلة وورشة الخياطة عندما سلمته الفيلد لكي يعطيه للخياط من أجل رتق ثقوبه تأمل الثقوب ثم ناوله للخياط في الغرفة الداخلية وقال وهو يسكب لي الشاي :
– هذا فيلد شكيب، عندما جاؤوا به كان يابسا بسبب الدماء.
– لماذا لا يتلفون ملابس الموتى؟ أليس ذلك أفضل من أن يلبسها الأحياء فتشكل لهم فأل سوء وفي أحسن الحوال تسبب لهم الضيق ؟
سألت مشعل رغم أنني أعرف أن لا علاقة له بالأمر ، أما هو فلوح بيده قائلا :
– ولماذا يتلفونه الآن يرتقونه فيعود جديدا؟
أردت أن أحدث مشعل عن الحوار الذي دار بيني وبين شكيب أمس، ولكنني قررت ألا أفعل سيعتبرني مجنونا وربما سيلقي علي محاضرة عندما يعرف أنني شربت ليترا من العرق، مشعل ملتزم بكافة الفروض والمحللات والمحرمات علما أنني رأيته مرة يتمايل بسبب السكر ولكنه ينكر ذلك دائما ويقول إنه شبه لي.

طوال النهار لم يغب شكيب عن تفكيري، تصورت لحظات الرعب التي تلقى فيها الرصاصات السبع والمهانة التي شعر بها عندما تلقى الرصاصة الثامنة إن لم يكن قد غاب عن الوعي بعد، شعرت بالتعاطف معه، واعتبرت موته مما يسمونه سخرية القدر، ولكنني في بعض اللحظات سخرت من نفسي فأنا أتعامل مع شكيب العاشق الذي نسجته مخيلتي وهلوساتي، ماذا لو كان شكيب الحقيقي هو ذلك الأحمق الذي تحدث عنه أبو بسام، ماذا لو أنه كان يريد اغتصاب الفتاة فعلا؟ فكرت كثيرا وأخيرا تحيزت لشكيب الذي يزورني في هلوساتي واعتبرته شكيب الحقيقي ففي زمننا يحدث الكثير من التزوير، الابتسامة التي ارتسمت على وجه أبي بسام وهو يروي الحادثة تشي بأنه مؤلف القصة فقد روى تفاصيل لا يمكن أن يعرفها إلا من كان موجودا في وقت وقوع الحادثة، وبما أنه لم يكن هناك فهذا يعني أنه المؤلف الحقيقي للقصة التي وقعت في مخيلته فقط، أما الرسالة إلى مجلة الجندي العربي فهي رسالة توحي بأن من ارسلها إما أحمق أو أن شخصا آخر أرسلها باسم شخص آخر لكي يجعل منه محط سخرية، المنطق يقول ذلك وليش شكيب الذي صنعته هلوساتي فقط، تعاطفت بعد ذلك مع شكيب، وانتظرته ولكن مع الأسف لم يحدث، أتعرض اليوم للهلوسة كنت بكامل قواي العقلية وفي قمة التركيز، ولذلك لم يأت شكيب إلا بعد أن استسلمت للنوم، وقد جاء اليوم كصديق يزور صديقه وبطبيعة الحال لم يكن هناك موضوع يحدثني فيه سوى حبيبته، وقبل أن يغادر منامي أعرب عن قلقه من أن يكون شقيق الفتاة قد قتلها فتوسلني أن أعرف مصيرها لأنه يريد لروحه أن تشعر بالطمأنينة والسلام، فسألته عن اسمها وعنوانها فلم يجب ابتسم وتحول فجأة إلى صورة معلقة على الحائط، استيقظت من النوم صباحا وأنا أشعر أن شكيب فعلا كان في الحلم وتعاملت مع طلبه بشكل جدي، كل الذين كانوا مع شكيب على الحاجز تقريبا انتهت خدمتهم وتم تسريحهم، لم يكن هناك شخص قريب من شكيب لكي أتبين منه الحقيقة غير أنني عندما سألت أبا بسام إن كان هناك مثل هذا الشخص أرشدني إلى الرقيب أول المتطوع زكريا فقد كان صديقه ويعرف عنه الكثير، وفعلا تبين أن زكريا يعرف اسم الفتاة وأنها كانت متيمة بشكيب كما كان شكيب يروي له، وأن شكيب كان يحتفظ برسائلها التي كان يخبئها في كيس تركه في البراكية التي كان يعيش فيها والتي وقعت في أيدي العساكر وأصبحت لفترة طويلة مادة للتندر بينهم، وعندما سألته إن كان بالإمكان الحصول على هذه الرسائل قال لي:
– اسأل الريح أين ذهبت بها فقط ظلت تتقاذفها فترة طويلة في أرجاء المعسكر.
تفهمت تهكمه وسألته عن العنوان فوصفه لي وبعدها انصرفت إلى براكيتي، ورغم إلحاح شكيب إلا أنني لم أتمكن من الذهاب إلى هناك إلا في يوم الجمعة حيث قصدت العنوان الذي ذكره لي زكريا وانتظرت طويلا قبل أن تخرج من هناك فتاة في غاية الجمال توقعت أنها لا بد أن تكون هي، همست باسمها فلعلها إن كانت هي تلتفت نحوي فلم تفعل فرفعت صوتي فالتفتت وسألتها:
– حضرتك سلوى؟
فقالت :
– لا.
ثم صمتت فخشيت أن تقول لي سلوى ماتت ولكنها تابعت بعد صمتها:
– ماذا تريد من سلوى؟
– لها أمانة معي.
تأملتني من أسفل إلى أعلى ومن أعلى إلى أسفل ويبدو أنني تركت انطباعا بأنني لست شريرا فقالت:
– لحظة.
ثم عادت إلى المنزل وبعد دقائق خرجت سلوى من هناك وأقبلت نحوي:
– من أنت وماذا تريد مني؟
عرفتها عن نفسي واضطررت للكذب فقلت لها إنني كنت في اللحظات الأخيرة في المشفى مع شكيب وحدثني عنها كثيرا وطلب مني قبل أن يلفظ أنفاسه بأن أحضر إلى هنا لكي أطمئن إن كنتِ قد تعرضتِ لسوء بسببه أم لا وأن روحه لن ترتاح إذا كان قد تسبب لكِ بذلك، كان من الصعب علي أن أقول لها إنني ألتقي شكيب في هلوساتي فلن تتعامل مع الموضوع بشكل طبيعي حينها، ولذلك فقد اختلقت هذه القصة أما هي فلم تنتظر حتى أنهي حديثي وانهمرت دموعها بحرارة ثم قالت:
– ليته ترك لي معك من أثره ذكرى.
فوجدتني بشكل لا شعوري أخلع الفيلد الكوري وأناوله لها قائلا:
– ترك هذا.
تناولته وأخذت تتشممه وتمسح به وجهها وأجهشت بالبكاء، أما أنا فلم يعد لدي ما أقوله لها وانصرفت وعندما التفت إلى الوراء شاهدتها تعود باتجاه المنزل وقد ألقت الفيلد الكوري على كتفيها، ويبدو أن شكيب إما أنه كان معنا في تلك اللحظة وشاهد كل شيء أو أنه بقي هناك عندها أو أنه اطمأن لمصير سلوى فلم يعد لزيارتي مرة أخرى.

 

المنشورات ذات الصلة