ليندا بلال – الناس نيوز :
كمامتي البيضاء، وعلبة المعقم، مظلة، ومعطف مطري دافئ، وفضول. تلك كانت أسلحتي في الطريق إلى متحف العين قبالة محطة قطارات المركزية في مدينة أمستردام، الهدف النهائي، مشاهد فيلم “القصة الخامسة” للمخرج العراقي أحمد عبد، والمنتج السوري – الأمريكي لؤي حفار.
يعرض الفيلم ضمن قائمة العرض الأول لمهرجان الأفلام الوثائقية الدولي (IDFA) في دورته الثالثة والثلاثين.
تتعاقب العيون الهاربة من الكمامات بين القطارات والقارب العام الذي نقلنا إلى الضفة المقابلة لمحطة القطارات، تفتقد أمستردام صخبها الاعتيادية في مثل هذه الأيام، تعليمات التباعد الاجتماعي لمكافحة فيروس كورونا ترجمت ندرة في أعداد الحضور، غابت مقاعد السينما التقليدية، زرعت أرض الصالة بمقاعد صالون منزلية، تفصل بين كل اثنتين منها طاولة صغيرة، تزين تلك الطاولات بعض الورود الحمراء الصناعية، تسقط الكمامات ببطء وخوف.
تتجلى الحروب العراقية على الشاشة الكبيرة، تحمل جراح تلك الحروب في ملامح الضيوف وأصواتهم وأوضاعهم. خوفهم الدفين، ذاكرتهم المحملة بالألم، تتوارثها الأجيال. يحاول المخرج العراقي “عبد” تقديم تلك الحروب في قصة ذاتية تربطهم جميعا مع بعضهم بعضا، أربع سنوات من التصوير، رجل يعيش في محطة قطارات بغداد.
فتاة كردية تحارب تنظيم الدولة، يافع في بلدة ريفية، والد المخرج والمخرج الذي كبر خلال الحرب الأمريكية على العراق، كيف لك أن تسمع صوتك فوق صوت الرصاص؟
جرب الفيلم الذي نال جائزة النقاد في مهرجان (IDFA) أن يسمع الصوت، لم تكن صورة مثالية ومكتملة، من يقدر على سرد الحرب بفيلم واحد وكفى؟ يتمنى المنتج لؤي حفار، في حديثه لجريدة “الناس نيوز” الأسترالية الإلكترونية ألا تذهب سينما المهرجانات العربية إلى معالجة الحرب فقط، “أتمنى الخروج من هذه الدائرة، ولكن صوت القذيفة يغطي على أي موضوعات اجتماعية أخرى، إضافة لوجود توقعات مسبقة من المشاهد الغربي لما يأتي من الشرق”.
يصر “حفار”، بحكم عمله كمنتج إبداعي على ضرورة فهم مزاج المهرجان السينمائية لتقدر الأفلام العربية على دخول هذا العالم، “معظم الإنتاجات العربية هي نتاجات تلفزيونية، السينمائي له أشكال وأساليب معلومة من مدارس سينمائية، إذا تم اتباعها يتم القبول في مهرجانات”.
هذا ما فكر فيه “حفار” يوم طلب منه المخرج “عبد” أن يكون في فريق عمل فيلم “القصة الخامسة”، الذي بدأت قصته: ” في ليلة الأوسكار عام ٢٠١٨ تلقيت بريداً إلكترونياً للتعاون في فيلم “القصة الخامسة”. بمجرد رؤيتي للمواد الأولية عرفت أنني أمام مخرج موهوب جدا، بالإضافة لفكرة الفيلم التي شدتني. سافرت إلى أميركا بحثا عن جهات مانحة للفيلم. كانت خيبتي كبيرة بسبب ضعف التمويلات الأجنبية لفيلم بكادر عربي ١٠٠٪. جميع من قابلتهم كانت انطباعاتهم عن الفيلم أكثر من جيدة ولكن التنفيذ بعيد المنال، ما كان مني إلا أن لجأت إلى الخطة البديلة وهي التمويلات العربية”.
لا ننسى البعد الجغرافي حيث من الصعب الانتقال إلى العراق الذي يعتبر متاحا لكنه غير محبب، ليبدأ عمل الفريق على الإنترنت بالكامل، عدا عن مرحلة المونتاج حيث حضر المخرج إلى بيروت لمتابعة عمليات المونتاج.
يتابع المنتج الحفار حديثة لـ الناس نيوز” هناك صورة نمطية تحيط المنتج في العالم العربي بأنه الشخص الذي يعمل على إيجاد التمويلات أو من يمول العمل بنفسه أحيانا، في الحقيقة عملية الإنتاج بشكل عام معقدة بشكل أكبر بكثير من هذه الصورة، منها التواصل مع الداعمين والمانحين والعمل على تطوير الفكرة للوصول إلى الصيغة الجيدة تسويقيا، بالإضافة لغربلة الأفكار المتوفرة للحصول على أفضل صيغة لأي عمل إبداعي”.
“العمل المنسوج بطريقة احترافية تزيد فرص وصوله إلى المهرجانات الدولية والأوسكار، وفي هذا السياق لا أستطيع نفي تصورات المجتمع الغربي عن نتاجات العالم العربي، ووضعها في إطار سياسي بالضرورة، مع وجود هامش كبير لإمكانية تغيير الزوايا في تناول مواضيع الحرب التي تطغى على عالمنا العربي مع الأسف”.
وخلال حديث المخرج العراقي أحمد عبد عن فيلمه “القصة الخامسة” للجمهور الهولندي:
“عشت حروبا متوالية على العراق، كنت فيها وحيدا، بدأت الحكاية حين كتبت أربع قصص حول أبطال قتلتهم في نهايات القصص، قررت أخيرا أن أكتب القصة الخامسة، مع فتح الباب لأبطال قصتي أن يحكوا كامل الحكاية”.
يختفي ضوء صالة العرض مع نهاية الفيلم، ننسلّ من باب المكان الرئيسي لساحة المتحف، يحمل كل منا معقماته في يده، نتحضر لمواجهة عالم مليء بالأمراض والفيروسات القاتلة، رأسي يزدحم بصور الدخان والدبابات، أمنع نفسي من استذكار ما حلّ في بلاد نهشتها الحروب.
آلامنا تهدهد ذاكرتنا المتخمة بصور تحضر أمامنا دون استئذان، تتوّجها ابتسامة علت خاطري حين عرفت أن “القصة الخامسة” فازت بجائرة الاتحاد الدولي للنقاد السينمائيين ضمن مهرجان
Idfa
الدولي للأفلام الوثائقية في أمستردام عن فئة “الظهور الأول”.