fbpx

الناس نيوز

جريدة إلكترونية أسترالية مستقلة

رئيس التحرير - جوني عبو

Edit Content
Generic selectors
Exact matches only
Search in title
Search in content
Post Type Selectors
Filter by Categories
آراء
أخبار
أستراليا
إدارة وتكنولوجيا
إعلان
اقتصاد
اقتصاد أستراليا
اقتصاد عالمي
اقتصاد عربي
تقارير وتحقيقات
ثقافة وفنون
حكايا
خبر رئيس
رياضة
رياضة أستراليا
رياضة عالمية
رياضة عربية
سياحة وسفر
سياسة أسترالية
سياسة عالمية
سياسة عربية
صحة
صور
عدسة
فن الناس
في الوطن الجديد
فيديو
كاريكاتير
لايف ستايل
متفرقات
مجتمع
مجتمع الناس
موضه
Generic selectors
Exact matches only
Search in title
Search in content
Post Type Selectors
Filter by Categories
آراء
أخبار
أستراليا
إدارة وتكنولوجيا
إعلان
اقتصاد
اقتصاد أستراليا
اقتصاد عالمي
اقتصاد عربي
تقارير وتحقيقات
ثقافة وفنون
حكايا
خبر رئيس
رياضة
رياضة أستراليا
رياضة عالمية
رياضة عربية
سياحة وسفر
سياسة أسترالية
سياسة عالمية
سياسة عربية
صحة
صور
عدسة
فن الناس
في الوطن الجديد
فيديو
كاريكاتير
لايف ستايل
متفرقات
مجتمع
مجتمع الناس
موضه
Edit Content
Generic selectors
Exact matches only
Search in title
Search in content
Post Type Selectors
Filter by Categories
آراء
أخبار
أستراليا
إدارة وتكنولوجيا
إعلان
اقتصاد
اقتصاد أستراليا
اقتصاد عالمي
اقتصاد عربي
تقارير وتحقيقات
ثقافة وفنون
حكايا
خبر رئيس
رياضة
رياضة أستراليا
رياضة عالمية
رياضة عربية
سياحة وسفر
سياسة أسترالية
سياسة عالمية
سياسة عربية
صحة
صور
عدسة
فن الناس
في الوطن الجديد
فيديو
كاريكاتير
لايف ستايل
متفرقات
مجتمع
مجتمع الناس
موضه

جريدة إلكترونية أسترالية مستقلة

رئيس التحرير - جوني عبو

في أصل الإله التوراتي ومشكلة القبائل العبرانية

[jnews_post_author ]

تفتقر الأدبيات الدينية اليهودية (للتوراة، والأسفار غير القانونية والتلمود) إلى التأملات اللاهوتية في أصل الآلهة التي نجدها في أساطير الشرق القديم لاسيما الرافدينية والمصرية، لذلك فإن حديثنا هنا عن ميلاد يهوه، ليس بحثاً عن ميلاده في البدايات الأولى للزمن وإنما هو بحث عن الظهور الأول له في تلك الأدبيات وخارجها، ومتى، وأين، وعن الخصائص التي تميز بها عند ذلك.

يدعى هذا الإله في كتاب التوراة بالاسم يهوه الذي يكتب بالأحرف الساكنة YHWH، وقد ورد في التوراة نحو 6600 مرة، ولكننا لا نعرف الكيفية التي كان ينطقه بها أتباعه، لأن اليهود لم يكونوا ينطقون بالاسم إجلالاً لصاحبه وإنما يستبدلونه لفظياً بكلمة أدوناي الكنعانية التي تعني السيد أو الرب. كما استخدم المحررون التوراتيون اسمين تبادليين له وهما لفظ الجلالة الكنعاني إيل الدال على الإله الأكبر، وصيغة الجمع منه وهي إيلوهيم (اللهم عند المسلمين) بمعنى أن إلههم يحوز على قوى الآلهة طراً. ولكن الترجمات الأوروبية والعربية عتمت على هذين الاسمين، فقالت الترجمات العربية >الله< والأوروبية >God< بالإنكليزية، ومعادله ببقية اللغات. وقد يرد الاسم مركباً بصيغة >يهوه إيلوهيم< التي تترجم إلى العربية بصيغة >الرب الإله< وإلى الإنكليزية بصيغة، >Lord God<. وقد يرد الاسم بصيغة مختصرة وهي >ياه< عندما يضاف إلى كلمة أخرى، كقولهم >هليلوياه< وهي صيغة للتسبيح تعني المجد ليهوه (وقد بقيت هذه الصيغة مستخدمة في الليتورجيات المسيحية). أو عندما يرد في أسماء العلم المركبة التي تحتوي في أحد شطريها على الاسم الإلهي مثل: أودنياه، وأمصياه وعزرياه. وقد تُحذف الهاء ليغدو الاسم أدونيا، أمصيا، عزريا. وهنالك صيغة مختصرة أخرى هي >يهو< ترد في أسماء العلم المركبة مثل: يهورام، ويهوياداع، ويهوآش.

أما عن معنى الاسم وجذره اللغوي فإن الباحثين مازالوا في حيرة من أمرهم، فبعد أن تبين لهم عدم وجود جذر مقنع في اللغة العبرية (كنعانية فلسطين وشرقي الأردن) راحوا يبحثون عن جذرٍ له في اللغات السامية الأخرى من أوغاريتية وفينيقية وعمونية وموآبية وآرامية. ولكن دون جدوى. وحتى العربية لم تكن بمنأى عن هذه المحاولات، فقال البعض إن الاسم ربما كان من الفعل هوى يهوي، فهو الإله الذي يهوي بصواعقه على الأرض باعتباره شكلاً من أشكال الإله الكنعاني هدد إله المطر والصواعق والبروق. ويبدو أننا لن نستطيع التوصل إلى رأي قاطع بهذا الخصوص، لأن أسماء الآلهة غالباً ما تكون أقدم من الديانات التي استعملتها، والتصورات الخاصة بإله ما قد تتغير مع الإبقاء على الاسم نفسه.

لم يكن يهوه إلهاً كنعانياً ولا آرامياً، وفيما عدا ورود اسمه مرة واحدة في نقش ميشع ملك موآب بشرقي الأردن على أنه إله السامرة الفلسطينية في القرن التاسع قبل الميلاد، فإن ذلك الاسم لم يرد في أي وثيقة نصية من ثقافة الشرق القديم، بما في ذلك فلسطين قبل القرن التاسع قبل الميلاد، ثم بدأ يظهر في نصوص قصيرة فلسطينية هي في الغالب رسائل تبدأ بطلب المرسل بركات يهوه إلى المرسل إليه مثل قول أحدهم: >إلى سيدي إيلياشيب. عسى يهوه أن يهبك السعادة والطمأنينة< ثم يدخل بعد ذلك في موضوع الرسالة. أو >إلى سيدي يوآش عسى يهوه أن يهبك الصحة والعافية في هذا الفصل…<  وهناك نصوص تبريك قصيرة جداً يظهر فيها اسم يهوه إلى جانب اسم الإلهة الكنعانية عشيرة مثل: >لتحل عليك بركة يهوه إله تيمن وعشيرته (his Ashirah)<. وقد وُجدت هذه النصوص منقوشة على الصخر أو على كسرات فخارية في موقع خربة الكوم قرب الخليل وفي موقع عجرود بسيناء الشمالية . أما التراتيل والصلوات الطويلة التي تعطينا فكرة عن طبيعة هذا الإله وخصائصه مما وصلنا من ثقافة وادي الرافدين ووادي النيل فمفقودة تماماً خارج كتاب التوراة، وكذلك النصوص الطقسية، مما وصلنا من أوغاريت وإيمار في كنعان. الأمر الذي يجعل من التوراة وثيقتنا الوحيدة عن هذا الإله.

ولكن إذا لم يكن يهوه إلهاً فلسطينياً قديماً فمن أين جاء وما هو موطنه الأصلي؟ هنالك إشارات مبعثرة في التوراة يمكن أن تدلنا على ذلك الموطن ومنها:

* >يا رب بخروجك أمام شعبك، عند صعودك في القفر، الأرض ارتعدت<- المزمور 68: 7. إذن هناك أرض قفر جاء منها يهوه، فما هي؟ تتتابع بعد ذلك تسميات مناطق قفر بعينها:

* >يا رب، بخروجك من سعير، بصعودك من صحراء آدوم، الأرض ارتعدت… تزلزلت الجبال من وجه الرب<- القضاة 5: 4-5.

* >الله (إيلوهيم) جاء من تيمان، والقدوس من جبل فاران… وكان له لمعان كالنور، له من يده شعاع… وقف وقاس الأرض، نظر فرجف الأمم ودُكّت الجبال الدهرية وخُسفت آكام القِدم… رجفت شقق مديان<- حبقوق 3: 3-7.

* >جاء الرب من سيناء، وأشرق لهم من سعير، وتلألأ من جبل فاران<- التثنية 33: 2.

هذه الأماكن المرتبطة بيهوه يبدو أنها كانت مقرات لعبادته وكان فيها مقامات دينية لطقوسه، وهي تقع جميعاً في مناطق آدوم إلى الجنوب من البحر الميت وفي صحراء النقب وصحراء سيناء. ومديان في شمال غرب شبه الجزيرة العربية، ولكن موطنه الأصلي كان على الأرجح في مديان شرقي خليج العقبة، حيث أقام موسى ردحاً من الزمن بعد هروبه من مصر عند شخصية غامضة يدعوها النص كاهن مديان، نتبين فيما بعد أنه كان كاهناً للإله يهوه، ويبدو أنه هو الذي قدَّم موسى إلى عبادة هذا الإله.

أما عن طبيعة إله القفار والصحارى هذا، فإن المقاطع التي اقتبستها أعلاه والتي دلتنا على موطنه، تُقدم لنا أيضاً معلومات عن طبيعته. فعند ظهوره ترتعد الأرض وتتزلزل الجبال وتُخسف الآكام وتتصدع صخور مديان. وهو يتلألأ ويصدر عنه لمعان كالنور ومن يده تخرج أشعة. أي أننا هنا أمام ظاهرة بركانية لا لبس في طبيعتها، وهذا ما يتأكد لنا بوضوح من وصف محرر سفر الخروج لجبل سيناء، أو جبل حوريب في تسمية أخرى، عندما تجلى عليه الرب وكاد أن يجعله دكاً: >وكان جبل سيناء كله يُدخن من أجل أن الرب نزل عليه بالنار وصعد دخانه كدخان الأتون وارتجف كل الجبل جداً وصوت البوق يزداد اشتداداً<- الخروج 19: 18-19. ونحن هنا أمام وصف مُعبّر لبركان ثائر يَرُجُّ الأرض ويقذف الحمم وتصدر عنه أصوات تصم الآذان شُبهت بصوت البوق الذي يزداد اشتداداً، ودخان يتصاعد منه مثل دخان الأتون. ويبدو أن هذا الجبل كان في منطقة مديان في شمال غرب جزيرة العرب لا في سيناء وكان اسمه حوريب، وهو واحد من البراكين التي كانت نشطة في تلك الأيام والتي تبدو اليوم براكين هامدة. وقد اعتُبر هذا الجبل إلهاً يجب استرضاؤه من قبل سكان المنطقة، وتقديم القرابين له لكي يكف أذاه عنهم. وقد بقيت آثار من تلك الصلوات البدائية التي تُرفع للإله البركاني في الصلوات والأدعية التوراتية، ومنها هذه الصلاة المنسوبة إلى داود: >في ضيقي دعوت الرب وإلى إلهي صرخت، فسمع من هيكله صوتي وصراخي دخل في أذنيه، فارتجت الأرض وارتعشت، أُسس السماوات ارتعدت وارتجت لأنه غضب. صعد دخان من أنفه ونار من فمه أكلت، جمرٌ اشتعلت منه… من الشعاع قدامه اشتعلت جمرُ نارٍ<- صموئيل الثاني 22: 7-13.

وعلى الرغم من أن شخصية يهوه قد انتقلت من البساطة إلى التركيب عبر رحلته الطويلة من الصحارى الجنوبية إلى كنعان المتحضرة، واشتملت في داخلها على عدة مستويات لم تندمج في شخصية واحدة متكاملة، بل بقيت محتواة في حضور إلهي لا يمكن التنبؤ بالوجه الذي سوف يكشف عنه، إلا أن المستوى البركاني بقي فاعلاً في سلوكه حتى النهاية، ومنه اكتسب عنفه وطبعه الغضوب وهيجانه وردود أفعاله التلقائية التي لا تنجم عن تَفَكُّرٍ وتَدَبُرٍ مسبق، وطالما عمل موسى على تهدئته وجعله يفكر في نتائج تصرفاته.

ويبدو أن جبل حوريب بقي المكان المفضل لإقامة يهوه حتى بعد أن التحق بمجمع الآلهة الكنعانية في فلسطين، فالنبي إيليا عندما أراد أن يشكو أمره إلى ربه لمَّا ضاق به الأمر في صراعه مع بلاط السامرة الذي كان يشجع عبادة الآلهة الكنعانية على حساب عبادة يهوه، لم يقصده في معبده بأورشليم وإنما شد الرحال إلى جبل حوريب أربعين يوماً وأربعين ليلة. فلما وصل جبل الرب: >دخل مغارة ليبيت فيها. فكان كلام الرب إليه يقول: أخرج وقف على الجبل أمام الرب. وإذا بالرب عابر وريح عظيمة وشديدة قد شقت الجبال وكسرت الصخور أمام الرب ولم يكن الرب في الريح، وبعد الريح زلزلة ولم يكن الرب في الزلزلة، وبعد الزلزلة نار ولم يكن الرب في النار، وبعد النار صوت منخفض خفيف يقول: مالك هنا يا إيليا؟ (الملوك الأول: 19).

على الرغم من أن محرر سفر التكوين، الذي يسرد قصة الخلق وأجيال البشر الأولى، وسلاسل قصص الآباء الأولين من إبراهيم إلى يوسف، قد استخدم الأسماء الثلاثة للإله التوراتي وهي إيل وإيلوهيم ويهوه، إلا أن ذلك لا يعني أن هذا الإله كان معروفاً في عصر الآباء، بل أن المحرر قد استخدم الاسم أو الأسماء التي يعرفها له دون عناية بالبحث عن الأصول، لأن محرر سفر الخروج الأكثر مصداقية فيما يتعلق بأصل يهوه يخبرنا أن الإله الذي تجلى لموسى وأمره أن يتوجه إلى مصر ويحرر العبرانيين من تسلط الفرعون عليهم، لم يكن معروفاً لا لموسى ولا للعبرانيين في مصر.

فبينما كان موسى يرعى غنم حميه يثرون كاهن مديان ساق الغنم وجاء إلى جبل الله حوريب (وهذا يدل بوضوح على أن جبل الرب كان في مديان لا في جنوب الوسط من سيناء، حيث الجبل المعروف بجبل موسى اليوم). فظهر له ملاك الرب (شبح الرب) في لهيب نار من وسط عُليقة وهي لا تحترق. فمال ليرى هذا المنظر فناداه الرب من وسط العليقة: موسى، موسى. فقال: هأنذا. فقال: اخلع نعليك لأن الموضع الذي أنت واقف عليه أرض مقدسة. ثم قال: أنا إله أبيك إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب. إني قد رأيت مذلة شعبي الذي في مصر وسمعت صراخهم من أجل مسخريهم فنزلت لأنقذهم من أيدي مسخريهم وأُصعدهم من تلك الأرض إلى أرض جيدة وواسعة تفيض لبناً وعسلاً. فالآن هلم فأرسلك إلى فرعون لتخرج شعبي بني إسرائيل من مصر. فقال موسى: ها أنا آتي إلى بني إسرائيل وأقول لهم إله آبائكم أرسلني إليكم، فإذا قالوا لي ما اسمه ماذا أقول لهم؟ فقال: هكذا تقول لبني إسرائيل: يهوه إله آبائكم إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب أرسلني إليكم، هذا اسمي إلى الأبد (الخروج 3: 1-14). وفي الإصحاح السادس بعد أن رجع موسى إلى مصر لتنفيذ المهمة عاد يهوه للتعريف بنفسه مرة أخرى مع إضافة على خطابه الأول: >ثم كلم الرب موسى وقال له: أنا الرب، وأنا ظهرت لإبراهيم وإسحاق بأني الإله القادر على كل شيء (بالعبرية: إيل شداي)، وأما باسمي يهوه فلم أُعرف عندهم (الخروج 6: 2-3). وكما يبدو واضحاً من هذا المقتبس فإن إله الآباء الأولين الذين عاشوا في بيئة سورية كنعانية كان يدعى إيل، وكلمة إيل في الكنعانية تعني المترئس أو القوي أو صاحب السلطان ، ولذلك أضاف إليها المحرر في المقتبس أعلاه صفة القادر على كل شيء (= شداي في النص العبري). كما أن العبرانيين (أو العابيرو كما سأشرح بعد قليل) ذوي الأصول السورية الكنعانية كانوا يعبدون الإله إيل أيضاً في مغتربهم ولم يكونوا قد سمعوا بيهوه شأنهم في ذلك شأن موسى. وليست المطابقة التي قام بها محرر سفر الخروج بين الإلهين سوى تسويغ لتحول العبرانيين في الصحراء من عبادة إيل إلى عبادة إله الصحارى البركاني، يهوه عن يد موسى الذي اعتنقها خلال إقامته الطويلة في مديان وتطَبُّعِهِ بالطبع الصحراوي.

غير أن هذا الإله مولود سفر الخروج لا يشبه في شيء إله عصر الآباء الذي كان يدخل في علاقة حميمة معهم ويساعدهم على حل مشاكلهم حتى العائلية منها. فعندما هربت هاجر جارية سارة زوجة إبراهيم من إذلال سيدتها لها، وجدها الرب عند عين ماء في البرية وقال لها: «يا هاجر جارية ساراي من أين أتيت وإلى أين تذهبين؟ فقالت له: أنا هاربة من وجه مولاتي ساراي. فقال لها: ارجعي إلى مولاتك واخضعي تحت يديها» (التكوين 16). وعندما أرسل إبراهيم عبده أليعازر الدمشقي إلى أخيه ناحور في آرام النهرين ليخطب لابنه إسحاق فتاة من أسرته، وصل أليعازر إلى موطن إقامة ناحور وأناخ جماله عند عين ماء وقت المساء عند خروج المستقيات، فقال للرب: أيها الرب إله سيدي إبراهيم، يسِّر لي اليوم واصنع لطفاً إلى سيدي إبراهيم. ها أنا واقف على عين الماء وبنات أهل المدينة خارجات ليستقين ماءً، فليكن أنَّ الفتاة التي أقول لها أميلي جرتك لأشرب فتقول اشرب وأنا أَسقي جمالك هي التي عيَّنتها لعبدك إسحاق. وهكذا كان وأدى له الرب هذه الخدمة الصغيرة.( التكوين 24).

أما هذا الإله الجديد الذي ابتدأ تاريخه عندما أعلن عن اسمه لموسى، فإنه على قربه المكاني من الشعب كان أبعد عنهم من قبة السماء، فعندما تجلى لموسى على الجبل لإعطائه الوصية والشريعة قال له: >… وتقيم للشعب حدوداً من كل ناحية وتقول لهم: احترزوا من أن تصعدوا إلى الجبل أو تمسوا طرفه، كل من يمس الجبل يقتل قتلاً، لا تمسه يد بل يرجم رجماً أو يرمى رمياً بهيمة كان أم إنساناً لا يعيش (الخروج 19: 12-13). وعندما رأى الشعب الرعود والبروق وصوت البوق والجبل يدخن، ارتعدوا ووقفوا من بعيد وقالوا لموسى، تكلم معنا فنسمع ولا يتكلم معنا الرب فنموت (الخروج 20: 18-19). وعندما صنع له موسى خيمة لمسكنه دعيت بخيمة المسكن أو خيمة الاجتماع لأنه كان يجتمع بموسى فيها، لم تكن هذه الخيمة مقاماً دينياً يقصده الشعب من أجل التعبد لإلههم، بل كان محرماً على أحد الاقتراب منها ولا يدخلها إلا موسى والكهنة من أولاد هارون الذين أُفرزوا للخدمة الدينية فيها، وحتى هؤلاء فقد كان عليهم التعامل معه بحذر شديد وأداء الطقوس بدقة لأن الخطأ في أدائها كان يعرض صاحبه للموت الآني. وهذا ما حدث لابني هارون ناداب وأبيهو عندما أخذ كل منهما مجمرته وجعلا فيها ناراً ووضعا عليها بخوراً وقربا أمام الرب ناراً غريبة لم يأمرهما بها، فخرجت نار من عند الرب وأكلتهما فماتا أمام الرب (اللاويين 10: 1-2). وكانت غمامة تغطي المسكن في النهار، وفي الليل كانت النار تتوهج داخل هذه الغمامة (الخروج 40: 38). وهنا لدينا إشارة واضحة إلى الجبل البركاني الذي تنبعث من فوهته الأبخرة الكثيفة في النهار وفي الليل تتوهج النهار داخل هذه الأبخرة.

إن قرب مسكن الرب من بني إسرائيل وسيره أمامهم في النهار على هيئة عمود من سحاب ليهديهم الطريق وليلاً على هيئة عمود من النار ليضيء لهم (الخروج 13: 21)، لم يخلق لديهم إحساساً بالحميمية معه حال الآباء الأولين مع إلههم، وإنما ولّد لديهم إحساساً طاغياً بحضور قدسي ينطوي على تهديد دائم، حضور لا تستطيع الاطمئنان إليه أو محبته بل الخوف منه، وهذا الخوف هو الذي سيكون الناظم الأساسي للعلاقة بين الطرفين. إن الخوف من هذه الألوهة لا يقتصر على كونه رهبة طبيعية من هوية ما ورائية غامضة، وإنما يتعدى ذلك إلى توقُع انبثاقها في عالم الواقع وإحداث أكثر أشكال الرعب هولاً. وقد بدأ إله إسرائيل هذا بالفتك بشعبه وأفنى منهم الآلاف قبل أن يلتفت إلى إفناء الشعوب الأخرى. وملحمة الخروج وما تبعها من ملحمة يشوع بن نون لا يمكننا أن نطلق عليها اسماً أفضل من ملحمة القتل الكبرى.

إن الحديث عن أصل يهوه يجرنا إلى معالجة مشكلة القبائل العبرانية التي بقيت حتى الآن موضع جدل بين الباحثين في كتاب العهد القديم.

عبرانيون أم عابيرو؟

وُصف إبراهيم بالعبراني في أحد قصص الآباء بسفر التكوين (14: 13)، كما استخدم المحرر صفة العبرانيين في الإشارة إلى أولئك الآباء وأسرهم (39: 17 و40: 15 و43: 32). وفي سفر الخروج دعا المحرر بني إسرائيل المتواجدين في مصر بالعبرانيين مثلما دعاهم ببني إسرائيل أي ذرية يعقوب الذي دعاه الرب بالاسم الآخر إسرائيل. فمن أين جاءت هذه التسمية لاسيما فيما يتعلق بتلك الجماعة التي وفدت إلى مصر وراء يوسف الابن الحادي عشر ليعقوب، وفق الرواية التوراتية، وأقامت في منطقة الدلتا وتكاثرت هناك، ثم جرى استعبادهم من قبل فرعون لم يكن يعرف يوسف مدة أربعمئة سنة إلى أن حررهم موسى وأخرجهم من مصر، وكان تعدادهم عندما وفدوا إلى مصر سبعين شخصاً وتعدادهم عندما خرجوا ستمئة ألف عدا الأطفال. هل هنالك من صلة بين هؤلاء العبرانيين، وبين جماعة معروفة لنا تاريخياً؟

لقد كنت فيما مضى ميالاً لنفي قصة وجود العبرانيين في مصر وخروجهم منها واعتبارها جملة وتفصيلاً أخيولة أدبية بلا أساس تاريخي، ولكنني صرت الآن أكثر اعتدالاً بعد أن عكفت على الربط بين عدد من المعلومات تمكننا من الاستنتاج بوجود بذرة تاريخية لهذه القصة. إن ملحمة الخروج بتفاصيلها ومبالغاتها التي وردت في الكتاب لم تحصل قط، ولكن شيئاً ما حدث بقي في الذاكرة الشعبية المشوشة كان وراء الخيال الجامح لمحرر سفر الخروج وبقية الأسفار المتصلة به وهي اللاويين والعدد والتثنية. وإليكم التفاصيل.

لقد لاحظ بعض الباحثين منذ وقت مبكر وجود صلة لغوية بين تسمية عبران أو عبرانيين (بالعبرية عبريم) وتسمية عابيرو التي نجدها في الوثائق الكنعانية والوثائق المصرية في عصر البرونز الوسيط (1600-1200 ق.م). والعابيرو كما نفهم من هذه الوثائق كانوا مجموعات تعيش خارج النظام الاجتماعي والسياسي لدويلات المنطقة، وفي مناطق لا تخضع لسلطة واحدة منها، وهم يسكنون في معسكرات خاصة بهم تحت قيادات عَرَضِية وغير ثابتة تتخذ شكل قرى مؤقتة. وكانت هذه القرى تُرفد على الدوام بأفراد جدد يلجؤون إليها فرادى أو مع عائلاتهم لأسباب شتى؛ فمنهم فارٌ من العدالة، أو هارب من الدائنين، أو من فقد بيته لقاء رهن، أو عاطل عن العمل، أو مسرح من الخدمة العسكرية. ومما يدل على أن معسكرات هؤلاء كانت خارج مناطق سيطرة الدول، أن الملك إدريمي ملك حلب وألالاخ (مطلع القرن الخامس عشر) عندما هرب من وجه أخيه الذي نازعه العرش قد التجأ إلى مناطق العابيرو حيث أقام متخفياً في أمان مدة سبع سنوات . ونفهم من وثائق مدينة أوغاريت أن مناطق إقامة العابيرو كانت في المناطق الفاصلة بين مملكة أوغاريت ومملكة الحثيين (حاتي) حيث لا سلطة لإحدى المملكتين عليها، ولذلك كان العبيد الفارون من أسيادهم يجدون عندها ملاذاً آمناً لهم . لم يكن لأفراد هذه الجماعات دور محدد في الحياة الاقتصادية، فهم في أوقات السلم يقدمون خدمات مؤقتة لأهل المناطق الزراعية، فيعملون في الحصاد أو القطاف أو النقل والحمل أو سياسة الدواب، وقد يعملون في خدمة القوافل التجارية. أما في أوقات الاضطرابات الاجتماعية والفوضى السياسية، فكانت تتشكل من صفوفهم عصابات تمارس السلب والنهب أو فرق مرتزقة محاربة تؤجر خدماتها لمن يدفع. ويبدو أن تسمية عابيرو، التي تنطق في بعض لهجات السامية الغربية بصيغة ع ب ر و، جاءت من الكلمة السامية ع ف ر، أو ع ب ر، وهو التراب أو الغبار في العبرية والسريانية والعربية؛ فنقول في العربية عَفِرَ أي صار لونه كالعفر، ونقول عَفَّره أي مرغه بالتراب. ولكلمة عفّر في العربية معنى آخر وهو المنطقة الخالية وجمعها أعفار. وربما كانت المهن التي يمارسها هؤلاء السبب في إطلاق هذه التسمية عليهم، أو كان لمناطق سكنهم في المناطق الخالية دور في ذلك، وربما هدفت التسمية إلى الإقلال من شأنهم باعتبارهم الفئة الأدنى في التركيب الطبقي الاجتماعي.

وفي وثائق مدينة ماري المدونة باللغة الأكادية، يرد ذكر العابيرو بصيغة خابيرو نظراً لعدم وجود حرف العين في الخط المسماري الأكادي، ونعرف عن مجموعتين من هؤلاء هما بنو يامينا أي أهل الجنوب (قارن مع سبط بن يامين في التوراة، الابن الثاني عشر ليعقوب)، وبنو سمأل أي أهل الشمال. ولدينا من الشواهد النصية ما يدل على أن كلمة خابيرو الأكادية هي المعادل لكلمة Sa. Gas السومرية، والتي تدل أحياناً على أيدٍ عاملة مأجورة تعمل في الحصاد ومهام زراعية أخرى، وقد تدل على جماعات خارجة على القانون تمارس اللصوصية. وفي نص للملك السومري شولجي، يوصف هؤلاء بأنهم جماعة لا يُركن إليها ولا يمكن الوثوق بها، رجالها يذهبون أينما شاؤوا، ونساؤها تمضي الوقت في الغزل. وفي شريعة الملك السومري لبت عشتار هنالك فقرة تتعامل مع أعمال القرصنة الملاحية التي يقوم بها الخابيرو. ونستدل من بعض الوثائق الحثية على وجود جماعات منهم في الجيش تعمل في الحمل والنقل وما إليها من مهام لوجستية .

يظهر العابيرو السوريون في الوثائق المصرية منذ القرن الخامس عشر ق.م، ففي نص للفرعون امنحوتب الثاني (1436-1410 ق.م) يصف عودته من حملته المظفرة على سوريا، يرد ذكر العابيرو بين جماعات الأسرى الذين جاء بهم الفرعون وعددهم 179 فرداً . ومن الواضح هنا أن هؤلاء كانوا يعملون كمرتزقة لدى حكام الممالك السورية الذين كانوا يقاومون النفوذ المصري في المنطقة.

على أن أغزر الوثائق عن العابيرو تقدمها لنا رسائل تل العمارنة التي وُجدت في أرشيف الملك أخناتون في عاصمته الجديدة التي بناها بموقع تل العمارنة اليوم. ففي أواسط القرن الرابع عشر ق.م. وخلال فترة حكم هذا الفرعون الذي انشغل بإصلاحه الديني عن الاهتمام بشؤون الإمبراطورية التي كانت تضم سوريا الوسطى والجنوبية، شهدت هذه المنطقة فترة من الاضطرابات بسبب تراخي قبضة مصر عن مناطق نفوذها، فانقطع حبل الأمن وتعطلت طريق التجارة ودخل ملوك الدويلات السورية في حروب ومنازعات. وكان الحثيون الذين يسيطرون على الشمال السوري يذكون نار هذه المنازعات من أجل توسيع مناطق نفوذهم على حساب المصريين. وتعطينا رسائل تل العمارنة المتبادلة بين الحكام السوريين الموالين لمصر والبلاط المصري صورة حية عما كان يجري خلال هذه الفترة. وتظهر في هذه الرسائل شخصية محركة للأحداث هي شخصية الملك عازيرو ابن عبدي عشيرته (أو عبدو عشيرته) ملك آمورو التي قامت على شاطئ المتوسط بمنطقة طرطوس اليوم مع امتدادات داخلية باتجاه حمص، فقد ارتبط هذا الملك بمعاهدة تبعية مع الملك الحثي ووضع نفسه في خدمة مخططاته التوسعية وراح يحرض ويساعد بقية أمراء بلاد الشام على نزع طاعة مصر. وسأقدم فيما يلي نماذج من هذه الرسائل :

يقول الأمير شوارداتا حاكم مدينة حبرون (الخليل) في رسالته مايلي:

“إلى مولاي الملك الشمس. هكذا يقول شوارداتا خادمك والتراب الذي تحت قدميك: ليعلم مولاي أن زعيم العابيرو قد هاجم الأراضي التي وهبني إياها مولاي الملك، ولكنني تمكنت من صده. وليعلم مولاي أن كل زملائي (من حكام المدن) قد تخلوا عني ولم يقف إلى جانبي في مواجهة العابيرو إلا عبدي هيبة. لقد هب لمساعدتي في البداية كل من زرواتا أمير عكا وإندراوتا أمير أكشف بخمسين عربة بعد أن تعرضت لغزوات العابيرو، ولكنهما انقلبا ضدي بعد ذلك. أتمنى على مولاي الملك أن يوعز إلى القائد نيهامو بالوقوف إلى جانبي لكي نسترجع أراضي الملك إلى حدودها السابقة”.

ولقد لفت نظري منذ اطلاعي على رسائل تل العمارنة وجود أسماء حكام تنتمي إلى الذخيرة اللغوية الهندو ـ أوروبية مثل شوارداتا وزرواتا وإندراوتا الواردة في هذه الرسالة، وأسماء وردت في نصوص أخرى مثل بيريديا وزاتانا وزيميريدا، وذلك إلى جانب أسماء تنتمي إلى الذخيرة السامية مثل رب عدي وأليميلك وميلكيلو وبعلو، وقد بقيت هذه الظاهرة مستمرة حتى القرن التاسع قبل الميلاد. ولم أجد حتى الآن باحثاً اهتم بهذه المسألة وتتبع أصول هؤلاء الحكام الآريين.

ولدينا ست رسائل من حاكم أورشليم المدعو عبدي هيبة (وهو اسم سامي) يقول في إحداها بعد المقدمات: “انظر يا مولاي إلى ما فعله ميلكيلو وشوارداتا بأراضي الملك. لقد دفعا بقوات من جازر ومن جَت ومن كيله (مدن فلسطينية) واستولوا على أراضي روبوتو، وصارت أملاك مولاي بيد العابيرو… فليصنع مليكي إلى خادمه ويرسل قوات تعيد الأراضي المسلوبة إلى مولاي الملك، وإذا لم تنجدني قواتكم فإن أملاك مولاي الملك هنا ستؤول إلى العابيرو”.

ويبدو أن السلطات المصرية كانت تُرحل بعض جماعات العابيرو إلى مصر لسببين؛ الأول هو التخلص من شغبهم في المناطق التي تديرها في سوريا، والثاني الاستفادة منهم كيد عاملة زراعية في بعض المناطق التي تحتاج إلى استصلاح. يدلنا على ذلك العثور على رسالتين بين عدد من الرقم المسمارية في موقع كامد اللوز بالبقاع اللبناني الجنوبي لم يتم التأكد من تاريخهما، ولكن المرجح أنهما تعودان إلى ما قبل عصر العمارنة بقليل أو بعده بقليل، والمرسل هو فرعون لا نعرف اسمه بسبب تشوه الرقيم. الرسالة الأولى موجهة إلى زلايا أمير دمشق تحتوي في الجزء الواضح منها للقراءة على الأمر الملكي التالي: “أرسل لي العابيرو الذين كتبت لك بشأنهم لكي أسكنهم في كوشار= بلاد النوبة) ليحلوا محل الذين قمنا بتهجيرهم منها”. والرسالة الثانية موجهة إلى أمير اسمه عبدي ملكي تتضمن أيضاً الأمر بإرسال مجموعة من العابيرو إلى مصر، ولكن حالة الرقيم لا تسمح لنا أن نفهم من الرسالة غير ذلك . إن ما نفهمه من مضمون هاتين الرسالتين هو أن الفرعون كان يحاول إعادة ترتيب أوضاع إحدى مناطق النوبة بعد أن حدثت فيها أعمال شغب وتمرد كان من نتيجتها نفي وتهجير عدد من السكان المتورطين في هذه الأحداث أدى إفراغ العديد من القرى من سكانها. وهذا الإجراء كان ذا هدف مزدوج؛ فهو يساعد الفرعون على حل مشكلة الفراغ السكاني في منطقة ذات أهمية اقتصادية لمصر، كما يساعده على حل المشاكل الأمنية في سوريا عن طريق إعطاء العابيرو مناطق يستقرون فيها، وتجري الإفادة من مهاراتهم المتنوعة المهدورة في الارتزاق العسكري.

بعد وفاة أخناتون عام 1353 ق.م وصعود الأسرة الثامنة عشر بعد ذلك بقليل، والحملة التي قام بها الفرعون سيتي الأول على سوريا عام 1300 ق.م. والتي أدت إلى استقرار الأوضاع فيها لصالح السلطة المصرية، أضحت ميليشيات العابيرو عاطلة عن العمل، ولكن مصادر الرزق انفتحت أمامها مع ارتقاء الفرعون رمسيس الثاني ابن سيتي الأول سدة الحكم عام 1290 ق.م، الذي باشر عدداً من المشاريع العمرانية في الدلتا كان أهمها بناء عاصمة جديدة له دعاها بي رمسيس. ولدينا الآن عدد من الوثائق التي تبين لنا أن جماعات من العابيرو كانوا يعملون في تلك المشاريع . ولقد ساعدت فترة الجفاف التي مرت بها منطقة شرقي المتوسط خلال القرن الثالث عشر على نزوح العابيرو باتجاه مصر، فقد أدى هذا الجفاف الطويل إلى إفراغ المناطق الزراعية الحساسة للجفاف من سكانها مثل المرتفعات الفلسطينية والمناطق الواقعة على حواف البوادي، الذين تحولوا إلى الرعي المتنقل، أما مصر فقد بقيت في منجاة من هذه الكارثة المناخية بسبب استمرار فيضان نهر النيل. وعلى حد وصف محرر سفر التكوين الذي يصف المجاعة التي حلت بكنعان: “وكان جوع في جميع البلاد وأما جميع أرض مصر فكان فيها خبز”. التكوين 41: 54.

لقد رحل هؤلاء العابيرو إلى مصر مع عائلاتهم وجرى إسكانهم في قرى مؤقتة أعدت لهم. ولعل بإمكاننا أن نقدر فترة إقامتهم هناك بأربعين سنة خلال فترة حكم رمسيس الثاني الطويلة التي دامت 65 سنة، وذلك من عام 1290 إلى عام 1224. وعندما انتهت مشاريع البناء ولم يعد لوجودهم ضرورة بل على العكس، لأن وجود يد عاملة عاطلة عن العمل يمكن أن يتسبب في مشاكل اجتماعية شتى، لم تكتف السلطات المصرية بتسريحهم من العمل وإنما عمدت إلى الترحيل الإجباري لهم، وكان بين المرحلتين جماعات من غير العابيرو أيضاً كانوا مستأجرين للغاية نفسها.

وبذلك نكون قد عثرنا على جماعة معروفة لنا تاريخياً يمكن أن تكون وراء قصة رحيل العبرانيين من أولاد يعقوب إلى مصر وخروجهم منها. فقد رحل هؤلاء وفق الرواية التوراتية بسبب مجاعة حلت بأرض كنعان وراء أخيهم يوسف واستقروا في أرض جاسان وهي الدلتا المصرية وتكاثروا، ثم إن الفرعون استعبدهم وسخرهم في أعمال البناء، فبنوا له مدينتين هما مدينة رعمسيس (قارن مع عاصمة رمسيس الجديدة التي دعاها باسمه في النصوص المصرية) ومدينة مخازن فيثوم، وكانت فترة إقامتهم بمصر 400 سنة (قارن مع الأربعين سنة التي اقترحناها لوجود العابيرو في مصر) إلى أن خرجوا تحت قيادة موسى، وهو رجل مطلوب للعدالة بسبب جريمة قتل ارتكبها، فقادهم نحو سيناء حيث بقوا فيها مدة أربعين سنة قبل أن يتوجهوا إلى كنعان. أما عدد الخارجين مع موسى وفق محرر سفر الخروج فيبلغ نحو ستمئة ألف ماشٍ من الرجال عدا الأولاد، وصعد معهم لفيف كثير أيضاً من غير العبرانيين (الخروج 12: 37)، وهذا ما يرفع العدد إلى أكثر من مليون شخص. أما وفق تقديراتنا لعدد الخارجين من العابيرو ومن جرى تهجيره معهم من الجماعات الأخرى العاملة في مصر، فلا يتجاوز الثلاثة آلاف لهجرة لم يلحظها التاريخ ولا سجلات مصر الفرعونية، ويمكن أن نرفع الرقم إلى ستة آلاف إذا أخذنا بعين الاعتبار رقم الستمئة ألف الذي أورده المحرر التوراتي. وقد اعتمد هؤلاء في تحصيل معاشهم على الرعي المتنقل، وأقاموا في عدة مناطق في سيناء الشاسعة لاسيما في مديان حول جبل حوريب قبل أن يقرروا التوجه شمالاً نحو كنعان. وكانت فلسطين تشهد عودة الاستيطان إليها بعد انحسار موجة الجفاف، فاختاروا الاستقرار في مناطق المرتفعات المحاذية لوادي الأردن، وهناك انضموا إلى جماعات أخرى عائدة، ربما كان جلهم من السكان الأصليين الذين هجروا مواطنهم خلال الأزمة المناخية.

————-

فراس سواح

المنشورات ذات الصلة