fbpx

الناس نيوز

جريدة إلكترونية أسترالية مستقلة

رئيس التحرير - جوني عبو

Edit Content
Generic selectors
Exact matches only
Search in title
Search in content
Post Type Selectors
Filter by Categories
آراء
أخبار
أستراليا
إدارة وتكنولوجيا
إعلان
اقتصاد
اقتصاد أستراليا
اقتصاد عالمي
اقتصاد عربي
تقارير وتحقيقات
ثقافة وفنون
حكايا
خبر رئيس
رياضة
رياضة أستراليا
رياضة عالمية
رياضة عربية
سياحة وسفر
سياسة أسترالية
سياسة عالمية
سياسة عربية
صحة
صور
عدسة
فن الناس
في الوطن الجديد
فيديو
كاريكاتير
لايف ستايل
متفرقات
مجتمع
مجتمع الناس
موضه
Generic selectors
Exact matches only
Search in title
Search in content
Post Type Selectors
Filter by Categories
آراء
أخبار
أستراليا
إدارة وتكنولوجيا
إعلان
اقتصاد
اقتصاد أستراليا
اقتصاد عالمي
اقتصاد عربي
تقارير وتحقيقات
ثقافة وفنون
حكايا
خبر رئيس
رياضة
رياضة أستراليا
رياضة عالمية
رياضة عربية
سياحة وسفر
سياسة أسترالية
سياسة عالمية
سياسة عربية
صحة
صور
عدسة
فن الناس
في الوطن الجديد
فيديو
كاريكاتير
لايف ستايل
متفرقات
مجتمع
مجتمع الناس
موضه
Edit Content
Generic selectors
Exact matches only
Search in title
Search in content
Post Type Selectors
Filter by Categories
آراء
أخبار
أستراليا
إدارة وتكنولوجيا
إعلان
اقتصاد
اقتصاد أستراليا
اقتصاد عالمي
اقتصاد عربي
تقارير وتحقيقات
ثقافة وفنون
حكايا
خبر رئيس
رياضة
رياضة أستراليا
رياضة عالمية
رياضة عربية
سياحة وسفر
سياسة أسترالية
سياسة عالمية
سياسة عربية
صحة
صور
عدسة
فن الناس
في الوطن الجديد
فيديو
كاريكاتير
لايف ستايل
متفرقات
مجتمع
مجتمع الناس
موضه

جريدة إلكترونية أسترالية مستقلة

رئيس التحرير - جوني عبو

في رمزية حجر الكعبة الأسود

[jnews_post_author]

من أجل فهم رمزية الحجر الأسود في الكعبة المشرفة والتي دعت إلى تقديسه، لا يكفي الرجوع إلى الحديث النبوي والسيرة وإلى أخبار مكة في الكتب التراثية، وإنما إلى المجال الأوسع لثقافة الشرق القديم، لاسيما ثقافة الساميين الغربيين من كنعانيين وآراميين في بلاد الشام، وإجراء المقارنة أحياناً مع ثقافة الساميين الشرقيين في وادي الرافدين.

إن مفهوم الإله الكلي الحضور والموجود في كل مكان (ولله المشرق والمغرب فأينما تُولوا فثم وجه الله – سورة البقرة : 115)، هو مفهوم متأخر في تاريخ الدين، فالآلهة القديمة لم يكن من المفترض بها أن تعبر عن حضورها في كل مكان من المجال الدنيوي، وإنما في أماكن معينة هي الأقداس، ومفرد هذا الجمع هو قُدس أو قدش في اللهجات السامية الغربية، وهو عبارة عن حيز مكاني كان في الماضي طبيعياً ثم صار من صنع الانسان، يتجلى فيه الإله ويعرب عن موافقته على الدخول في علاقة دائمة مع أتباعه وقبول عبادتهم له. في هذا الحيز لا تتوزع القداسة بشكل متساوٍ في أرجائه، وإنما تتكاتف كلما انتقلنا من الأطراف نحو المركز حيث تُنصب شارة الألوهة، وهي مسكن الإله (=بيت إيل باللهجات الكنعانية)، الذي يحل فيه عندما تستدعيه الطقوس ويغادره متى شاء. وهذه الشارة مستمدة من الوسط الطبيعي للإنسان مثل رأس الدب في العصر الجليدي لإنسان النياندرتال، وأربعة حيوانات رئيسية نراها في رسوم الكهوف للإنسان العاقل هي الثور والببسون والوعل والحصان، ورأس الثور لإنسان العصر الحجري الحديث، وفي العصور التاريخية النصب الحجري والشجرة أو جذعها المقطوع الذي خضع لبعض العمليات الفنية التشكيلية. وقد ورث الساميون الغربيون (وسأدعوهم فيما يلي اختصاراً بالكنعانيين) عن أسلافهم أهل العصر الحجري الشارة المقدسة، لأن الألوهة في العصور التاريخية لم تلبس لبوساً بشرياً إلا ببطء، وكانت الآلهة خلال الألف الثالث على جانبي الهلال الخصيب تتناوس بين الشخصية والفكرة، ولذلك فإن صورها لم تظهر إلا على استحياء ومع مطلع الألف الثاني قبل الميلاد. وحتى في هذه الحالة فإن أقداس الكنعانيين بقيت خالية من تماثيل الآلهة حتى فتوح الإسكندر واستهلال العصر اليوناني في المنطقة، وهذه حقيقة توصلتُ إليها بعد سنوات طويلة من دراسة آثار الممالك القديمة في سورية، على الرغم من أن العديد من المنقبين الأثريين لم يقتنع بهذه الحقيقة ويحاولون عبثاً إيجاد مؤيدات غير مقنعة لنفيها. ربما جرى تصوير الآلهة على الأختام الأسطوانية في مشاهد مستمدة من الميثولوجيا، ولكن الميثولوجيا شيء والطقس شيء آخر، وهذه الأختام لا صلة بها بالطقوس التي يتواصل من خلالها الانسان مع عالم الأُلوهة، وهي نوع من الأدب المصور.

أقداس الكنعانيين:

قلنا إن الألوهة تتجلى في أماكن معينة هي الأقداس، وهذه الأقداس تتنوع تبعاً لحجمها وعدد العاملين على خدمتها وأماكن تواجدها وعدد من يؤمها. وتبعاً لذلك نستطيع أن نجمع أقداس الكنعانيين في ثلاث زمر هي:

-1المصلى/ shrine: وهو قدس صغير تتمركز حوله الحياة الدينية اليومية للعائلة، وقد يتخذ شكل محراب توضع فيه شارة الألوهة في إحدى زوايا المنزل، وبعض الأثاث الطقسي البسيط مثل مذبح صغير للبخور ومنصب من الفخار يوضع على فوهته وعاء لتقدمات الخبز والكعك المحلى التي يجري حرقها، وغالباً ما تقوم ربة المنزل على خدمة هذا المقدس وأداء الطقوس فيه. وقد يتوسع في بعض الأحيان ليخدم عدداً من الأسر التي تربطها قرابة الدم.

-2المقام/sanctuary: وهو من حيث السعة بين المصلى والمعبد ويدعى بالكنعانية بامه/bamah أي المكان المرتفع أو المرتَفَعَة بالتعبير التوراتي. وهو عبارة عن حيز مقدس في الهواء الطلق غير مسقوف وغالباً ما يكون على شكل مصطبة قليلة الارتفاع يصعد إليها بدرج ويفصلها عن الحيز الدنيوي جدار واطئ أو دائرة من الأحجار. أما الأثاث الطقسي فيها فيتألف من مذبح لحرق الذبائح الحيوانية ونصب حجري يرمز إلى الألوهة المذكّرة، وإذا كانت هنالك أُلوهتان معبودتان واحدة مذكرة وأخرى مؤنثة، فإن شجرة مزروعة قرب المذبح تضاف إلى الأثاث، وغالباً ما ينوب عن الشجرة جذعها المقطوع الذي يدعوه المحررون التوراتيون بالاسم «عشيرة». وقد بقيت هذه التسمية غامضة على مترجمي الكتاب إلى أن تم اكتشاف مدينة أوغاريت وحُلت أبجديتها خلال ثلاثينيات القرن العشرين، وعرفنا عن إلهة كنعانية تدعى عشيرة هي زوجة كبير الآلهة إيل، والتي صار اسمها عَلَماً للإلهة السورية الكبرى ربة الوفرة في الطبيعة وقوة الحياة. وبما أن الجذع اليابس لا يصلح لأن يكون رمزاً للخصب، فلا بد أن يكون قد خضع لعملية تشكيل أعطته هيئة ما، وهذا ما تطوع محرر سفر إرميا التوراتي لإعطائنا فكرة عنه في معرض تنديده بالعشيرة: «لأنها شجرة يقطعونها من الوعر، صنعةُ نجار بالقدّوم، بالفضة والذهب يزينونها وبالمطارق يشدّدونها،، أدبُ أباطيلٍ هو الخشب،. صنعة صانع ويدي صائغ، إسمانجوني وأرجوان لباسها.» – إرميا 10: 3-9. وإني أضيف إلى ما قاله إرميا استنتاجاً منطقياً مفاده أن بعض السمات الأنثوية كانت تحفر على الشجرة، مثل النهدين والسرة ومثلث الأنوثة، وهي التي نراها على قلائد معدنية من أوغاريت وفلسطين تلعب دور التعاويذ (الشكل 1 أسفل المقال).

وفيما يتعلق بالنصب الحجري فقد كان الرمز الأكثر تعبيراً عن حضور الألوهة في المقام الديني عند إنسان الشرق القديم، نظراً لما يوحي به الحجر من ثبات ودوام وعدم التغيّر في مقابل وجود الإنسان المتغير والزائل. وقد توفرت لدينا الشواهد الأثرية على أن النصب الحجري كان أحد الرموز الدالة على الألوهة في أقدم المقامات الدينية للعصر الحجري الحديث. ففي موقع أريحا بفلسطين كشفت المنقبة كاثلين كينيون عن بنيةٍ معمارية ذات وظيفة دينية ترجع بتاريخها إلى أواسط الألف الثامن قبل الميلاد، وهي عبارة عن غرفة مستطيلة الشكل جدارها الشمالي محراب وجدت في أسفله قاعدة من حجر بركاني وبقربها على الأرض عمود ملقى من المادة نفسها كان منصوباً على تلك القاعدة عندما كان هذا المقام في الاستخدام (الشكل 2 أسفل المقال). كما كشفت التنقيبات في منطقة أورفة السورية الواقعة الآن ضمن الحدود التركية عن مقامات دينية من نوع المرتَفَعَة يتألف أساسها الطقسي من عدد من الأنصاب الحجرية، وهي تنتمي إلى ثقافة نيوليتية معاصرة لأريحا.

والأصل في الحجر المقدس أن يكون جلموداً خاماً لم يخضع لأي عملية تشذيب أو تشكيل، ويتم اختياره بحيث يكون له سطح جبهي أملس وسطح خلفي أكثر خشونة وتحدباً، وهذه حال الأنصاب الصحراوية التي لا يزيد ارتفاعها عادة عن النصف متر، أما أنصاب المناطق الزراعية فيمكن أن تخضع لعملية تشذيب وتشكيل ويصل ارتفاعها أحياناً إلى المتر أو أكثر. أما عن تسميات الحجر فلدينا تسميات مشتقة من جذر سامي يفيد معنى النصب أي الإيقاف بشكل عمودي؛ ففي كنعانية فلسطين المدعوة بالعبرية يدعى مصيبة/Massebah، وجمعها ماصيبوت/Masseboth، وفي الفينيقية يدعى مصبت/Masbat، وفي العربية النّصب وجمعها أنصاب، وهي في القواميس ما يُعبد من دون الله. ولدينا تسمية أخرى مشتقة من جذر يعني السكنى والإقامة، ففي أوغاريت وماري وإيمار يدعى الحجر المقدس سيكانو/Sikanu وجمعها سيكانوم/Sikknum، فهو مسكن أو بيت الإله (=بيت إيل في النص التوراتي، راجع سفر التكوين 28: 10-22).

3- المعابد: يتميز المعبد عن المرتَفَعَة بسعته وعمارته الحجرية وعدد الكهّان العاملين على خدمته. وإذا كانت المرتفعات هي الأقداس الشائعة في المناطق الصحراوية والزراعية، فإن المعابد هي الأقداس الخاصة بالمدن الكبيرة. ويختلف النمط المعماري لمعابد الكنعانيين باختلاف الزمان والمكان، ولكن النمط المعروف لدى علماء الأثار بالمعبد السوري التناظري/Syrian Symmetrical Temple type بدأ يفرض نفسه منذ أواسط الألف الثاني قبل الميلاد، ثم صار النمط الشائع في العصر الآرامي، وهو يتكون من ثلاث قاعات تنتظم على محور واحد، تدعى القاعة الداخلية بالمحراب أو قدس الأقداس التي تتصدرها شارة الألوهة (الشكل 3 أسفل المقال).

تجليات العبادات اللاأيقونية في المواقع الكنعانية:

في البحث الحديث نطلق مصطلح اللاأيقونية على العبادات التي لا تصوّر آلهتها في هيئة بشرية ولا تتواصل معها من خلال صورها، وعكسه الأيقونية. والتعبير مشتق من كلمة «أيقونة» أو «icon» وهي الصورة التي تمثل إلهاً أو شخصية مقدسة مثل بوذا ويسوع المسيح والسيدة مريم. وسوف نقوم فيما يلي بعرض أمثلة عن تجليات العبادة اللاأيقونية في عدد من مواقع المدن القديمة.

إيبلا:

إيبلا هي أولى المدن السورية ومعها يبتدىء العصر المديني في بلاد الشام. ظهرت نحو عام 2900 ق.م وبلغت أوج ازدهارها في عصر الأرشيف الملكي الذي يعود إلى الفترة ما بين 2400 و2300 ق.م. وقد كشفت معاول التنقيب في الموقع عن القصر الملكي والمنطقة الإدارية، وثلاثة معابد لم توجد فيها تمثايل مجسمة للآلهة التي كُرست لها هذه المعابد، ويبدو من الواضح أن أنصاباً حجرية كانت قائمة في قاعة قدس الأقداس لأن المنقبين عثروا في القاعة الداخلية للمعبد D على فجوة حائطية على هيئة محراب وأمامها نصبان حجريان على هيئة بلاطة بطول يزيد قليلاً عن المتر.

ماري:

كانت ماري الحاضرة المهمة الثانية بعد إيبلا في بلاد الشام ، وقد اكتشفت على شاطئ الفرات غير بعيد عن مدينة دير الزور. ومن أهم ما كشفت عنه معاول التنقيب القصر الملكي الشهير في العالم القديم، والذي احتوى على 400 غرفة وعدة معابد لم يُعثر فيها على تماثيل مجسمة للإلهة. وفي موضوع غياب التماثيل في معابد ماري، يقول رئيس البعثة الفرنسية التي نقبت في الموقع منذ ثلاثينيات القرن العشرين أندريه بارو: لو أن التماثيل كانت منصوبة في الماضي لوجدنا بعض قطعها المحطمة، ولكننا لم نعثر على قطعة واحدة يمكن أن تكون جزءاً من تمثال كامل. ويبدو أنه جرى التعبير عن الحضور الإلهي من خلال المنصات الحجرية التي وجدت في قدس الأقداس (والتي اعتبرت مقرات للألوهة غير المنظورة)* أو من خلال النصب الحجري كما هو الحال في معبد الإلهة “نيني زازا” حيث وجدنا في باحة المعبد نصباً حجرياً منحوتاً على هيئة مخروط بارتفاع متر ونصف في مكانه الأصلي، وهذا الحجر لا يمكن إلا أن يكون نصباً مقدساً ذا وظيفة شعائرية. ومما يدعم هذا التفسير وجود ممشى دائري حول النصب على مدار الفناء كان يستخدم من أجل الطواف الشعائري حول النصب، وهو ممارسة شائعة في العبادات السامية (قارن مع الطواف حول الكعبة). كما عثرنا في باحة معبد داجان على قواعد حجرية في وسطها فجوات تعشيق مخصصة لتثبيت الأنصاب الحجرية على القاعدة، ووجدنا بقايا هذه الأنصاب في الموقع.

قَطْنة:

كانت قَطْنة واحدة من الممالك الكنعانية المهمة خلال النصف الأول من الألف الثاني ق.م، وقد كشفت بعثة أثرية فرنسية عن بعض آثارها في عشرينيات القرن الماضي، ثم توقف التنقيب في الموقع حتى عام 1999 عندما باشرت التنقيب بعثة إيطالية سورية مشتركة. وقد كشفت الحملة الأولى عن أجزاء من معبد الإلهة نن إيجال إذ عثر المنقبون على خزانة لحفظ الأثاث الطقسي خلف حائط الحرم الداخلي للمعبد، ووجدوا فيها حجراً مقدساً من نوع المسلة يقوم على قاعدة حجرية ارتفاعها 55 سم، وقد افترض رئيس الحملة أن المسلة أزيحت من مكانها في صدر الحرم ليحل محلها تمثالٌ مجسمٌ للألوهة المعبودة هنا، ولكن مثل هذا التمثال لم يوجد في ذلك الحين مثلما لم يوجد خلال الحملة التنقيبية الثانية، وما وُجد من تماثيل كان للأسلاف المقدسين. حول هذا الموضوع تقول الباحثة في ديانة قَطْنة Rehm Ellen إن فناني قَطْنة قد برعوا في صنع تماثيل صغيرة (من نوع الدمى) لآلهة المدينة، ولكن مثل هذا النوع من الأعمال الأيقونية لم يكن يستخدم في سياقات طقسية أو ينصب في المعابد، وهي تعزو عدم وجود التماثيل المجسمة في معابد قَطْنة إلى أنها كانت تصنع من مواد ثمينة وبالتالي عرضة للسرقة إذا هجر المعبد وتهدم، وهذا تفسير ساذج وغير مقنع.

جبيل:

تقع مدينة جبيل، أو بيبلوس في المصادر الكلاسيكية، بين مدينتي بيروت وطرابلس على الساحل السوري، وكانت مدينة مزدهرة خلال أواسط الألف الثالث قبل الميلاد، ومركزاً للتبادل التجاري مع مصر. وعندما تأسست الامبراطورية البحرية الفينيقية مطلع الألف الأول قبل الميلاد، كانت جبيل واحدة من حواضرها الرئيسية إلى جانب أرواد وصور وصيدون، وقد كشفت التنقيبات عن أقدم معابدها وهو المكرس للإله رشف المعروف لدينا من نصوص أوغاريت ونصوص إيبلا، ووجدت في قاعته الداخلية ثلاثة أنصاب حجرية، ونصب رابع في القاعة الوسطى،كما وُجد في فنائه الخارجي نحو ثلاثين نصباً من نوع المسلة كانت لا تزال في وضعية الوقوف لدى اكتشافها، وقاد وجود هذا العدد الكبير من الأنصاب في فناء المعبد بعض الباحثين إلى القول بأنها مكرسة للأسلاف المقدسين، ولكن لا يوجد ما يمنع من أن تكون مكرسة لعدد من الآلهة الكنعانية التي نعرف من نصوص أوغاريت أن عددها سبعون. كما كشفت التنقيبات عن مقام ديني في الهواء الطلق من نوع المرتَفعة فيه ثمانية أنصاب على شكل بلاطة.

حمص:

لم تكن حمص الواقعة في الوسط السوري من مدن بلاد الشام القديمة، فقد ظهرت مع مطلع القرن الثالث قبل الميلاد عندما استقرت بها قبيلة عربية أسس شيوخها لأسرة ملكية جلبت معها عبادة إلهٍ شمسي يدعى إيل جابال، وباللفظ الروماني إيلاجابال، وحكمت وفق نظام سياسي يوحّد بين شخصية الملك وشخصية الكاهن الأعلى. وقد شيد ملوكها معبداً لإله الشمس اشتهر في العصر الروماني وكان الحجاج يؤمونه لتقديم فروض الاحترام لذلك الإله. وقد وصفت المصادر الرومانية هذا المعبد بأنه لم يحتوِ على تمثال للإله على طريقة اليونان والرومان، وإنما على حجر أسود مخروطي الشكل يقولون إنه هبط من سماء زيوس. ويؤيد هذا الوصف قطعة عملة معدنية مسكوكة في حمص عليها مشهد يمثل واجهة المعبد والحجر الأسود المنصوب في قاعة قدس الأقداس.

الشكل 4

أكتفي بهذا القدر من الأمثلة على تجليات العبادات اللا أيقونية لدى الساميين الغربيين، وأنتقل إلى جزيرة العرب التي كانت امتداداً ثقافياً لمنطقة الهلال الخصيب.

عرب الجنوب:

في سياق الألف الأول قبل الميلاد ظهر في بلاد العرب الجنوبية (اليمن وحضرموت) حضارة راقية وممالك قوية أهمها سبأ ومعين وقتبان وحضرموت. وقد ترك لنا الجنوبيون مئات من النقوش الكتابية يعطينا بعضها معلومات عن ديانتهم، ولكننا لم نعرف منها سوى أسماء الآلهة التي زادت عن المئة دون مزيد من التفاصيل. ثم تبين للجيل الثاني من الباحثين أن معظم هذه الأسماء لم يكن سوى صفات وألقاب لثلاثة آلهة كوكبية رئيسية هي الشمس والقمر والزهرة، وما اختلاف الأسماء إلا من قبيل اختلاف الألقاب عبر الزمن واختلاف المكان. وما يهم من هذه الآلهة بالنسبة لموضوعنا هو أنها لم تصور في رسوم أو نقوش أو تماثيل مجسمة لا في داخل المعابد ولا في خارجها، وفي النقوش الكتابية رُمِزَ لكل منها بشارة مقدسة، فكانت شارة القمر قوسين مزدوجين يتجهان نحو الأعلى، وشارة الشمس دائرة، وشارة الزهرة نجمة، وقد يرسم الهلال وحوله دائرة في تكوين واحد يدل على الشمس والقمر.

عرب الشمال:

تشكو ديانة عرب الشمال من قلة المصادر الخارجية ومن انعدام الشواهد المحلية تقريباً لأن التنقيب الأثري في المملكة السعودية ما زال في بداياته المبشرة، ولذلك فإن الباحثين مضطرون إلى الاعتماد على المصادر العربية المتأخرة عن ظهور الإسلام بقرنين على الأقل وأربعة على الأكثر، ومن أهم هذه المصادر كتاب الأصنام لابن الكلبي المتوفى في عام 219 هـجرية.

يخبرنا ابن الكلبي أن اللا أيقونة هي السمة الأصلية والغالبة على عبادات عرب الشمال فيقول: “وكانت للعرب حجارة غُبرٌ منصوبة يطوفون بها ويذبحون عندها يسمونها الأنصاب ويسمون الطواف بها الدوار”. أما متى صار للعرب أصنام تمثل آلهتهم في هيئة بشرية فيقول: “إن سادناً للكعبة يدعى عمرو بن لحي سافر إلى الشام ووجد أهلها يعبدون الأصنام، فقال لهم: ما هذه؟ فقالوا نستسقي بها المطر ونستنصر على العدو. فسألهم أن يعطوه منها ففعلوا فقدم بها إلى مكة”. وبما أن الشهرستاني صاحب كتاب الملل والنّحل (المتوفى عام 587 هـ) يخبرنا بأن عمرو بن لحي عاش في زمن الملك الفارسي شابور الثاني، فإن زمن دخول الأصنام إلى بلاد العرب قد لا يتعدى أواسط القرن الرابع الميلادي (لأن شابور هذا توفي عام 379 للميلاد) أي قبل نحو قرنين من ميلاد نبي الإسلام.

ولكن الاصنام لم تلغ الأنصاب وإنما تعايشت معها دون أن نعرف مدى غَلبة هذه على تلك، لأن المشكلة فيما يرويه ابن الكلبي وغيره، أنه يستخدم كلمة الصنم المعبود سواء كان نصباً حجرياً أم صنما ذا هيئة بشرية، فيقول على سبيل المثال في الإله سعد إنه كان صنماً في غرب الحجاز… إلخ. ثم يقول بعد ذلك إنه لم يكن منحوتاً وإنما عبارة عن صخرة طويلة. والأمر نفسه نجده في حديثه عن آلهة أخرى منها المدعو ذو الكفين والمدعو ذو الرِجل. وفي الأخبار التي وردتنا عن العلامات التي ترسم حدود المنطقة الحرام حول الكعبة بعضها يقول إنها 360 صنماً وبعضها يقول إنها 360 حجراً. وفي الحقيقة فإنه لم يتوفر لدينا في جميع المصادر العربية وصفاً لصنم منحوت على هيئة بشرية إلا فيما يتعلق بصنم هبل الذي نصبه عمرو بن لحي في جوف الكعبة وصنم الإله وِد الذي كان بوادي القرى بدومة الجندل لبني عامر؛ وهذا ما يتركنا في حيرة بشأن مدى انتشار العبادات الأيقونية لدى عرب الشمال.

أما عن أقداس العرب فكان واحدها يدعى بيتاً أو كعبة، وهو الشكل العربي للمرتفعة الكنعانية يقوم مقام المعبد الذي لم يعرفه عرب الشمال. فكان للعرب كعبات إلى جانب كعبة مكة منها: كعبة نجران وكعبة شداد الآيادي وكعبة غطفان، وبيت اللات وبيت العزى وبيت مناة وبيت رضا، وغيرها. أما بخصوص تسمية هذه المقامات بالكعبات، فالرأي الشائع يرُجع ذلك إلى بنيتها المعمارية التي تتخذ شكل مكعب، ولكن المرجح أن التسمية مشتقة من معنى آخر للكعبة وهو المـُتَّجَهْ والمقصد، أي المحجة (راجع قاموس المعاني على الإنترنت) وكانت عبارة عن حيز مربع أو مستطيل بدون سقف وجدار يتباين ارتفاعه من كعبة لأخرى.

وفيما يتعلق بالأساس الطقسي في هذه البيوت أو الكعبات، فمن من المؤكد أن نصباً حجرياً كان يتصدر البيت، كما هو الحال في بيت اللات التي كانت تعبد في صخرة بيضاء، وكذلك الأمر في بيت العزّى وبيت مناة وبيت ذي الخلصة، وربما أضيف إليه الرمز الشجري كما هو الحال في بيت ذي الخلصة الذي احتوى على نصب وعلى شجرة، وكذلك بيت العزى الذي كان فيه ثلاث شجرات مقدسات. أما الصفا والمروة وهما الموضعان اللذان كان السعي بينهما من شعائر الحج قبل الإسلام، فلا شك في أن اسميهما مستمدان من حجرين مقدسين، لأن كلمة الصفا والصفوان تعني في القواميس العربية الحجر العريض الأملس، أما المروة فتعني الحجر الأبيض. وكان الفلس معبود طيء عبارة عن بروز صخري في جبلهم الذي يقال له جبل أجا. وفيما يتعلق بالمعبودين أساف ونائلة يقول ابن الكلبي إنهما حجران أحدهما بلصق الكعبة والآخر بموضع زمزم، بينما تقول أخبار أخرى إنهما صنمان. ولعل أشهر وأهم هذه الأنصاب الحجرية كان الحجر الأسود في كعبة مكة الذي يقال إنه نزل من السماء.

الله رب الكعبة:

على الرغم من تعدد آلهة العرب بتعدد قبائلها وبقاعها الجغرافية، إلا أنهم آمنوا جميعاً بإله أعلى فوق هذه الآلهة خالق للسماء وما فيها وللأرض وما عليها، وكان بيته في مكة محجة يؤمونها في كل سنة. ولقد أكد النص القرآني على هذه الحقيقة في آيات عديدة نذكر منها “ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض و سخّر الشمس و القمر ليقولُنَّ الله فأنى يؤفكون” العنكبوت 61. “ولئن سألتهم من نزَّل من السماء ماءً فأحيا به الأرض بعد موتها ليقولن الله” العنكبوت 63. ولكن عبادة الله ترافقت مع الشرك وعبادة آلهة أخرى، ولم تكن توحيدية: “وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون” –يوسف 106. كما نجد في الشعر الجاهلي جملة من البراهين على إيمان العرب بالله كإله أعلى ولكن لا كإله أوحد، أكتفي منها بهذا البيت لأوس بن حجر الذي يقسم فيه بالله وبغيره أيضاً: وباللات والعزى ومن دان دينها   وبالله إن الله منهن أكبر.

أما عن الأثاث الطقسي في الكعبة، فلا نستطيع التحدث بيقين سوى عن الحجر الأسود وصنم هبل، أما الأخبار التي تقول بوجود عدة أصنام لآلهة العرب وصورة لعيسى بن مريم وأمه فلا يعول عليها لسببين؛ الأول أن مساحة الكعبة الداخلية لا تزيد عن الخمسين متراً، وهذه المساحة الضيقة لم تكن تسمح بوجود هذا العدد الكبير من الأصنام، والسبب الثاني هو أن كل كعبة من كعبات العرب كانت بيتاً لإله بعينه لا بيتاً لعدة آلهة، وبالتالي لن نتوقع أن نجد فيها سوى رمزٍ واحدٍ وربما اثنين إذا كان له قرينة معبودة في المكان نفسه. وفي الكعبة التي كانت بيتاً لله من غير المتوقع أن نجد سوى الحجر الأسود الذي يرمز لحضور الله في المكان. وكما هو الحال في بقية مقامات العرب والساميين الغربيين فقط كان هذا الحجر منصوباً داخل الكعبة، وكان ارتفاعه نحو نصف متر بشهادة من رآه عندما أعاده القرامطة إلى مكة. أما متى تم إخراج الحجر الأسود من مكانه داخل البيت ووضعه في زاوية من الركن الشرقي، فمن المرجح أن ذلك جرى بعد عصر النبي الذي أكد على قداسة الحجر، وكثر الحجاج الذين كانوا يرغبون في لمس الحجر وربما تقبيله كما روي عن النبي أنه فعل وذلك في القول الشهير لعمر بن الخطاب: «لو لم أرَ رسول الله يقبلك لما فعلت».

ولكن إذا كانت الكعبة هي بيت الله والحجر الأسود هو رمزه المرئي، فما الذي يفعله هبل في المكان؟ إن مفتاح حلنا لهذه المشكلة هو تحليل كلمة هبل. فهذه الكلمة لا اشتقاق لها في اللغة العربية لأنها من كنعان المكان الذي أتى به عمرو بن لحي بصنم هبل ونصبه في الكعبة، وأصلها “بعل” ، وهو لقب لأقوى آلهة المجمع الكنعاني، ويعني السيد أو الرب أو المترئس، ويُسبق عادة بأداة التعريف في بعض اللهجات الكنعانية وهي الهاء ليغدو” هبعل / البعل” أو هبل بإسقاط حرف العين كما فعل التدمريون. وهذا يعني أن عمرو بن لحي عندما نصب صنم هبل في الكعبة لم يأت بإله جديد إلى المكان وإنما نصب رمزاً أيقونياً لإله الكعبة تحت لقب السيد أو الرب . وبذلك تعايشت العبادة اللا أيقونية المتمثلة بالحجر الأسود مع العبادة الأيقونية في صنم هبل، وعندما دخل النبي إلى مكة حطم الرمز الأيقوني وأبقى على الرمز غير الأيقوني.

وبهذا نكون قد توصلنا إلى فهم رمزية الحجر الأسود الكامنة وراء تقديسه.

الشكل رقم واحد .

الشكل رقم 2 .

الشكل رقم 3 .

الشكل رقم 4 .

مراجع ديانة العرب:

  • Adel Alloush. Arabian Religion, in: M.Eliade, edt, Encyclopedia Of Religion, Princeton, New Jersey, 1969, vol.1
  • ابن الكلبي: كتاب الأصنام، تحقيق أحمد زكي، الدار القومية للطباعة، القاهرة 1965.
  • عبد المعين خان: الأساطير والخرافات عند العرب، دار الحداثة، بيروت 1981.
  • محمد سليم الحوت: الميثولوجيا عند العرب، دار النهار، بيروت 1979.
  • ديتليف نيلسون، التاريخ العربي القديم، ترجمة: فؤاد حسنين علي، مكتبة النهضة، القاهرة 1958.

فراس السواح           

المنشورات ذات الصلة