هاني موعد – الناس نيوز :
لن تكون موائد إفطار رمضان هذا العام في لبنان ككل عام، إذ ستغيب عدة أطباق على موائد اللبنانيين والمقيمين في لبنان بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية وضعف القيمة الشرائية لليرة اللبنانية.
الحال هذا لن يكون مختلفاً على مائدة أم محمد الرمضانية، هذه المائدة التي ستجمع 11 فرداً من عائلتين سوريتين تسكنان في منزل صغير في مدينة صيدا جنوب لبنان.
يمر اليوم الأول من شهر رمضان على عائلة أم محمد مثقلاً بالوضع الاقتصادي والمعيشي الصعب في لبنان، فمائدتهم خلت من أي نوع من أنواع اللحوم، مقتصرة فقط على سلطة “الفتوش” وشوربة عدس و”صينية بطاطا” مع البصل.
الحديث عن “مينيو” رمضان بات نوعاً من الرفاهية غير المحبذ التطرق لها، فكل يوم سيأتي بـ”خيره” وفقاً لأم محمد، والتي لجأت هي وعائلتها من مدينة حمص وسط سوريا إلى مدينة صيدا جنوب لبنان قبل تسع سنوات.
أزمة لبنان الاقتصادية ولا المجهول في سوريا
أثناء عودتها من عملها كعاملة تنظيف بإحدى الشركات تشتري أم محمد الخضروات “البايتة” من أحد محال الخضروات بنصف سعرها، لتبدأ بتجيهز مائدة اليوم بالشراكة مع شريكة السكن، سلفتها، وتقول لجريدة “الناس نيوز” الأسترالية الإلكترونية: “طلبت من بائع الخضروات الذي اشتري من عنده أن يخبئ الخضروات البايتة لي بنصف السعر، ليس لدي المقدرة على شراء الخضروات الطازجة بأسعارها الحالية”.
تنظر أم محمد إلى أكياس الخضرة تلك بنظرة يملؤها النصر، فهي استطاعت تأمين صحن “الفتوش” لعائلتها وعائلة شقيق زوجها لأول يوم من أيام الشهر الفضيل، وتقول: “اللحوم والدجاج أصبحت من الوجبات النادرة في طعامنا حتى قبل رمضان، آخر مرة اشتريت فيها دجاج لـ11 شخصاً كانت عندما حصلت على مبلغ مساعدات الأمم المتحدة منذ أكثر من شهر”.
تستعد أم محمد للبدء بفرم السلطة في المطبخ وتستذكر أحوال رمضان في سوريا حيث وصفته بأنه 30 يومياً من الأعياد المتواصلة، مضيفة “تجتمع العائلة الكبيرة على مائدة تحتوي على كل ما لذّ وطاب من خضرة وفواكه من زراعتنا بالإضافة إلى اللحوم، الأزمة في لبنان ليست علينا فقط كسوريين إنما أيضا على كل من يسكن لبنان، الفرق أنه علينا التزامات كثيرة منها دفع إيجار السكن الذي يثقل كاهلنا بشكل كبير”.
وتروي لنا أن عائلتها الصغيرة، هي وزوجها وطفليهما، اضطروا للخروج من منزل خاص كانوا يسكنون فيه دون دفع الأجرة في مجمع سكني تم تخصصيه للسوريين في صيدا، كان يسكنه 162 أسرة، إلا أنه ومع بداية الأزمة الاقتصادية طلب صاحب المجمع إخلاءه من أجل استثماره.
نخرج من المطبخ المشترك إلى غرفة الجلوس التي هي نفسها غرفة نوم عائلتها، المساحة الوحيدة التي تحصل فيها هي وعائلتها على خصوصيتهم، تخفض صوتها حين الحديث عن العودة إلى سوريا، وتقول “سنتحمل هذا الوضع الصعب في لبنان مقابل عدم العودة إلى سوريا، سنعود حين يتم توفير الاستقرار والأمان لعودتنا، لقد عايشت بعض الأحداث في سوريا ولا أريد أن يعايشها أبنائي”.
تبدأ بملاعبة شعر ابنتها الصغيرة، 3 سنوات، وتشير إلى أنها لم تعد قادرة على شراء حليب الأطفال لها، لأنه من الصعوبة شراء الحليب المدعوم الذي توفره الدولة اللبنانية حيث أنه ينفد بسرعة من الأسواق، وتقول “لربما سيكون وضعنا أحسن إذا حصلنا على المساعدات الشهرية من قبل مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة ، هم يوزعون المساعدات على العائلات المكونة من خمسة أفراد وأكثر، عملي أنا وزوجي يكفي فقط لدفع إيجار السكن واشتراك الكهرباء وأكلنا بأقل الممكن منه”.
رمضان 2020 الأصعب على كل من يقيم في لبنان
يأتي شهر رمضان هذا العام على اللبنانيين في أصعب ظروف اقتصادية ومعيشية، حيث لن تكون العائلات قادرة على تأمين المكوّنات الأساسية لمائدة الإفطار، لا سيما أن الحدّ الأدنى للأجور تراجع بنسبة أكثر من 85% وتدنى إلى ما يقارب الـ65 دولارا (وفق سعر صرف الدولار في السوق) بعدما كان حوالي 450 دولارا (وفق سعر صرف الـ1500 ليرة)، نتيجة تدني قيمة الليرة لأدنى مستوياتها.
وفي هذا السياق، أظهرت دراسة لمرصد الأزمة في الجامعة الأميركية في بيروت أن كلفة إفطار أساسي لأسرة من 5 أفراد ستصل خلال شهر رمضان هذا العام توازي أكثر من مرتين ونصف الحد الأدنى للأجور.
ولفت المرصد إلى أنّ 42.5 في المئة من العائلات في لبنان والتي لا تتعدى مداخيلها مليونين ومئتي ألف ليرة شهرياً (نحو مئة دولار حاليًا) ستجد صعوبة في تأمين قوتها بالحد الأدنى المطلوب، وأنّ الوضع سيكون أصعب في محافظات الأطراف.
تنعكس هذه الأوضاع الاقتصادية المعيشية الصعبة على اللاجئين السوريين في لبنان المقدر عددهم بمليون لاجئ مسجل في المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.
الأزمة الاقتصادية لم توفر الجمعيات الخيرية في لبنان
لا يتوقف هاتفه عن الرنين من أجل ضمان توزيع وجبات إفطار رمضان على 1500 عائلة في جنوب لبنان، عائلات لبنانية وسورية وفلسطينية، تتكدس أكياس سلل “الخير”، المكونة من خضروات وفواكه وألبان وأجبان بالاضافة إلى وجبات الإفطار، في كل مكان من محل الشيف نعيم أبو ظهر، صاحب مبادرة سلة الخير، إذ يتجهز عدد من الشبان للبدء في توزيع تلك السلل قبل ساعات قليلة من آذان المغرب.
بدأ أبو ظهر العمل في هذه المبادرة منذ خمس سنوات، إلا أنه قال لجريدة “الناس نيوز” الأسترالية الإلكترونية: “كل عام تزداد الأمور سوءا، هذا العام هو الأسوأ، لدرجة أن أحد الأشخاص جاء وطلب مرقة لحمة لأن اللحمة لم تدخل منزله منذ 8 أشهر”.
وأشار الشيف أبو ظهر إلى أن الدعم المحلي للجمعيات الخيرية توقف، قائلا: “تمويلنا اليوم يقتصر فقط على المغتربين اللبنانين في الخارج، خاصة أن تغطيتنا للعائلات المحتاجة توسعت مع اتساع دائرة العائلات المحتاجة، فتكلفة صحن الفتوش اليوم هي سعر اللحمة قبل عامين”.
وأصبحت “سلة الخير” تتكون من الطحين والزيت والسكر والأرز والمعكرونة، ليست لأنها غير متوفرة في الأسواق إنما بسبب أسعارها “الخيالية” كما يقول أبو ظهر.
وفي المطبخ الذي يتم فيه إعداد وجبات الأفطار، تعمل سيدتان سوريتان لاجئتان في لبنان على طبخ تلك الوجبات، تتحدث لنا أم فهد عن أن صعوبة الاوضاع المعيشية على كل من يقطن لبنان، وتقول لجريدة “الناس نيوز” الأسترالية الإلكترونية: “مثلنا مثل كل لبناني يعاني من هذا الظرف، إلا أن أجورنا كسوريين تعتبر متدنية جدا مقارنة بأجور العامل اللبناني وذلك قبل الأزمة، فكيف الوضع الآن”.
تجهز أم فهد، من مدينة حمص، الوجبة المكونة من الأرز والدجاج بكل حرفية تحت إشراف الشيف نعيم أبو ظهر، مفتخرة بعملها هنا كونه يقدم مساعدة للعائلات المحتاجة، مشيرة إلى أن العودة إلى سوريا محفوفة بالمخاطر لعدم توفر الأمان فيها، مفضلة تحمل الأوضاع المعيشية في لبنان على الذهاب إلى المجهول.
الأزمة الاقتصادية ترفع نسب الاكتئاب
رفعت الأوضاع المعيشية الصعبة في لبنان نسب الاكتئاب خاصة بين أوساط اللاجئين السوريين في لبنان، كونها أزمة مركبة على أزمتهم الكبرى في الخروج من منازلهم ومستقبل بلادهم المجهول.
وتقول المعالجة النفسية دينا وهبي إن اللاجئين السوريين اليوم يعانون من ضغط نفسي كبير، مرجعة ذلك إلى أنه بالأصل أوضاعهم غير مستقرة بعد لجوئهم إلى لبنان، قائلة لجريدة “الناس نيوز” الأسترالية الإلكترونية: “السوريون في لبنان يعانون بالأصل من ضغوطات نفسية كبيرة، فهم عندما لجئوا إلى لبنان لم يلقوا الترحيب المناسب لهم ويواجهون خطابا معادياً ولم يتأقلموا كثيراً بسبب اختلاف العادات والتقاليد بين المجتمعين”.
وأضافت وهبي أن اللاجئ السوري يعاني من أيضا ضغط شخصي بسبب أن أغلب العائلات السورية تتشارك نفس المنزل دون أدنى خصوصية، ويعملون أعمال “المياومة” اليومية التي تتوقف أحيانا بسبب الإغلاق في البلاد خلال جائحة كورونا.
وتقول المعالجة النفسية إن على اللاجئين السوريين محاولة مواجهة تلك الضغوطات النفسية الكبيرة من خلال العودة إلى المصادر التي تكيف النفسية مع الواقع مثل الدعم الاجتماعي أي التواصل مع الأصدقاء وممارسة الهوايات وغير ذلك من أمور تنفس همومهم.