ميديا – الناس نيوز ::
ميديا – فراس السواح – اعتذار مسبق من كل الأصدقاء وخاصة من يعرفوني منذ طفولتي وهم بينكم وسيقرؤون وتفاجئهم تسمياتي الطائفية التي لم يعتد أحد على سماعها مني ولو قرأ المرحوم والدي ما سأكتب لأوسعني ضرباً وهو من ربّاني على وطن واحد اسمه سوريا ودين واحد اسمه دين الإنسان وتابع تربيتي على هذا الدين .
كعادة شعبنا الأبي في الاستنسابية والتمترس والاصطفافات الشعبوية ومع بزوغ ظاهرة المطالبين بالعلمانية بدأ المنتشون بما يعتبرونه واهمين من أن النصر على الطاغية يخصّهم دون سواهم بشتم العلمانيين بشتيمة موحّدة : (فلول النظام السابق ).
هل هذا يعني أنهم يعتقدون أن النظام السابق كان علمانياً ؟
كيف يكون علمانياً وبالأمس كنتم تصفونه بالنظام الطائفي ؟
الجواب بسيط لهؤلاء المضلَّلين والمضلِّلين :
يبدو أنكم لا تعرفون معنى كلمة علمانية وهذا ممكن تفهّمه ولكن الأكثر من ذلك أنّكم لا تعرفون معنى كلمة طائفية .
في عقلية حكم الدكتاتور الأب والإبن والطبقة الحاكمة التي اعتمد عليها ونوّابه وتوزيع تنمية الأقاليم والطبقة السياسية وكبار التجار وحتى المراكز الأمنية والجيش وتوزيع الظلم والاعتقال السياسي استخدم النظام كل الوسائل الوضيعة في دعس كل فئات الشعب بما فيها زرع الطائفية كي يصبح الصراع طائفياً أفقياً بدل أن يكون عمودياً طبقياً ونجح في بعض المواقع وفشل في أكثرها أما وصفه بالطائفي فهي حجّة لك للمطالبة بتداول الحكم الطائفي لتصبح حجةً عليك فتغدو مثله .
ملاحظة : الطغاة لا يمكن أن يكونوا طائفيين لأنهم يعتقدون أنهم آلهة فلا دين لهم ولا مذهب
نكتة سمجة : صدّام حسين كان سنّياً قتل الشيعة وهتلر كان مسيحياً قتل اليهود !
و الطغاة لا يمكن أن يكونوا علمانيين كذلك لأن ركوب الشعوب الغبية يلزمه دعم العقائد وتشجيع الناس على التعلق بأهداب الدين فلهم الدنيا وللفقراء الآخرة وقد ألغى هذا النظام علمانية الدولة التي كانت قبله وامتطى حشداً هائلاً من رجال الدين ودعم التعليم الديني وملأ البلد بعدد مهول من الجوامع ومعاهد تحفيظ القرآن ونشر الكتب الدينية ويكفي استعراض صور طالبات المدارس والجامعات في الستينات وما قبلها وتشاهد أزياء وهيئات النساء لتعرف الفرق وقد قام النظام المعتوه والخبيث في آن معاً بزرع التنظيمات الجهادية في العراق ثم سوريا ليكونوا نواة لداعش ثم النصرة والتنظيمات الجهادية الأخرى التي لعبت فيها لاحقاً كل أجهزة مخابرات الإقليم والكوكب معتقداً أنه سيربك الأمريكان فانتهوا بخلعه كما انتهوا في مصر بقتل السادات بعد أن قوّاهم للتصدي للحراك اليساري وهذا اختصار سريع لتوثيق من أهم مراكز البحث ومتابعة هذه التنظيمات في العالم .
أما الجيش فقد نجح بعقليته الشيطانيّة في تحويله لحماية النظام بخنقه أمنيّاً وبالاستفادة من فقر أبناء ريف الساحل العلوي وتكريس هذا الفقر بخنقٍ آخر لفرص العمل لدفع السواد الأعظم من شبابهم للالتحاق بالجيش بعد انسداد سبل العيش أمامهم ويعلم الكثيرون رفضه الدائم لإقامة مصانع مهمة تشغل اليد العاملة في الساحل والقصة الشهيرة عندما حاول أحد حيتان المال في الساحل بناء مصانع لعصر وتسويق المحصول الهائل لحمضيات الساحل زمن حافظ الأسد فمنعه وقال له : تريد حرمان (جيشي) من شباب الساحل ؟ وخاصة أنه يعرف أن تجار حلب والشام لا يطيقون العسكرة ولن يشبعوا غروره المشبوه لجيش لاعمل له إلا حماية نظامه ومغامراته المريبة في لبنان ولاعلاقة له بعد 1973 بالجولان ومن قبلها باللواء السليب وعندما تكررت المحاولات زمن ابنه سمح بمصنع هزيل للمياه الغازية وترك محاصيل الحمضيات تتكدس تحت الأشجار لأن تكاليف تسويقها تفوق أسعارها وخاصة أنه سمح لنفس الشخص المعروف من أصدقائي أهل اللاذقية بإغراق البلد بالموز في موسم الحمضيات وكذلك منع تأسيس مصانع لعصر وتعبئة زيت الزيتون لاستيعاب محصول الزيت ونفس المنهج على كل محاصيل الساحل المتنوعة ولم يترك لأبناء المنطقة الفقراء من خيار إلا الجيش وهم لا باع لهم لا في التجارة ولا في القناعة كأهل الداخل وانتقى زبانيته لبعضهم المؤسسات الأمنية التي أسسها بطريقة شيطانية بلغت أعدادها العشرات وكلّها تتسابق بالتجسّس على بعضها وتتنافس في نيل ودّه حتى حوّلها لآلة خنق وقتل وتنكيل لكل من لا يركع له ومن كل الطوائف فامتلأت سجونه أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات بالإخوان وهم سنّة باختيارهم لا بتوجيهاته الحكيمة أما في نهاية الثمانينات والتسعينات وبداية الألفية الثانية فاختنقت سجونه بالعلويين عندما ثار اليسار عليه وكان معظمه علوياً لأسباب كثيرة منها نجاحه مع جيشه الأوقافي في إبعاد السواد الأعظم من السنّة عن اليسار (الملحد) وكالعادة تنقلب عليه الطاولة من اليمين في بداية الثورة السورية الأخيرة التي فعل المستحيل لتطييفها بما فيه بث عناصر بين الخارجين من الجوامع بالإضافة لبعض الزعران الطائفيين فعلاً لاستعمال الشتائم الطائفية وتبدأ العدوى الغريزية بالصراخ اللاواعي الذي شرحه غوستاف لوبون ومختصره أن منسوب الوعي الجمعي لمجموعة من الناس في الشارع أقل من منسوب الوعي لدى أقل فردٍ فيها وعياً وبدأت ردود الأفعال وأولها ابتعاد الكثيرين من كارهي الطائفية بعد أول مظاهرة وهذا خبرته بنفسي في اللاذقية وربما كان الساحل نقطة بداية التطييف الخطير لوجود المسرح ببساطة . ثم تابع جهنميته بتسهيل حدوث المذابح المتبادلة (يختار مناطق تماس من قرى العلويين فيسحب السلاح والعسكر وقوى الدفاع الذاتي وهو يعلم مالدى الجهة الأخرى من حشود ونوايا وتحدث الكارثة كما حصل على سبيل المثال في بانياس ،الزارة، وريف اللاذقية الشمالي وتمتلئ المجالس وصفحات التواصل بالصور والمقاطع المرعبة ويتبعها مجزرة البيضا وحي التضامن ومقابله مجزرة عدرا العمالية ومجزرة سجن التوبة التي صمت فيها عن ذبح ستة عشر ألف سجين وسجينة مازالت مقابرهم الجماعية المصورة بالأقمار الصناعية والموثقة في سجلات المفوضية الأوروبية لحقوق الإنسان وغيرها الكثير من الأمثلة المتبادلة ليتحول الصراع من عمودي بينه وبين الشعب إلى أفقي بين طوائف ومكونات الشعب وعندما لم يجد في بعض المناطق كحلب وضعاً طائفياً يستند عليه كان البديل غزو الريف والمدينة كصراع طبقي تم تطعيمه بنكهة طائفية بحرصه أن يكون فصيلاً من لون ملغوم في طليعة الصدام وهو ذلك الفيلق الذي تعرفون والذي يسيل له لعاب من يتقن لعبة الطوائف لأن الجيش النظامي وخاصة في البدايات كان من كل المكونات ويعلم الجميع بما فيه أطباء المشافي ذلك وفي المقلب الآخر كان الجواب من نفس اللون والطعم والرائحة الطائفية لأن أمراء الحروب في الطرفين يديرون قواعد الاشتباك عادة بالمنافسة على نوعية الأسلحة فكان التطييف وكان الافتراق الخطير في الخطاب المتبادل ولكن الشعب لم يفارق فطرته ويعلم كل سكان الساحل أن الحرب عندما اشتدت في حلب وادلب كان النزوح إلى الساحل وامتلأت قرى العلويين بنازحي حلب وادلب حتى تضاعف عدد سكان الساحل بل وكانت عائلات وزوجات محاربي الفصائل جلّها في مناطق العلويين ولم تسجّل حالة اعتداء واحدة ذات طابع طائفي على أحد منهم أو جماعة بينما كان فكرة أن يذهب علوي إلى إدلب في أعوام الفرز التي تعرفونها مزاحاً سمجاً وثقيلاً فلم لم ينتبه أبطال الاتهامات الطائفية لهذه الحقيقة ؟.
هذه سوريا التي وُجدت قبل كل حضارات الكوكب وقبل كل أديانه فاخجلوا من تاريخها قليلاً ولا تأخذكم عصبية القبيلة إلى مالا يشبهها لأن ابن خلدون لكم بالمرصاد وسيسخر منكم كثيراً وأنتم تتبادلون الاتهامات والثارات والانتقامات وربما المذابح بينما ضباع الإقليم تنهشكم من الجنوب ومن الشمال وسباع الكوكب تراقب المعركة كي توزع أوصالكم وأخشاءكم على موائدها .
أكثريات وأقليات !!
أين حمرة الخجل ؟
نظام طائفي ودعاة العلمانية من فلوله !؟
ما أوضع وأغبى ما وصلتم إليه يا أحفاد بيلتي وميلاغرو وأبولودور الدمشقي وحنانيا ويمليخو ونقمد الثاني وبابنيان وزينون الرواقي وزنوبيا ولقيان السميساطي وجوليا دومنا وفيليبو.
سوريا هي من اخترع علمانية الدولة من آلاف السنين وهي من أجلس الكهنة في المعابد وترك السياسة لأهلها وحتى في حروبها لم ترفع الدين شعاراً بل رفعه الآخرون على أرضها بعد أن جاؤوا إليها من صحاريهم الحافلة بعصبيات القبائل والبطون والأفخاذ والرايات البيض والسود.
تحيا سوريا وتحيا علمانيتها وستحيا غصباً عن كل من أراد بها شراً من كل عفاريت وشياطين الأرض والسماء.