هاني نديم – الناس نيوز :
في ظاهرةٍ بشريةٍ لا تحدث إلا مرة في كل مجرّة؛ يُجمع النساء والرجال وما بينهما على حب امرأة إيطالية والإقرار لها بالجمال المطلق!
هذا لا يحدث حسب ما عودتنا عليه السلسلة الجينية والشريط الهرمي للكروموزومات البشرية في العموم، لا أعرف ما هو الشريط الهرمي، إلا
أنني سمعته من صديق دكتور وأحببت المصطلح الصحفي بامتياز، المهم.. هذا لا يحدث بتاتاً البتة.
هل لك أن تتخيل أن أي امرأة سوف تقفز فوق اندهاشك بهذا الكائن ولن تناقشك بأي تفصيل أو ملاحظة أو مقياس أو علامة؟ هل تتفهم هذه
المعجزة؟ إن تفهمتها، انتقل إلى المرحلة الثانية.
حسنٌ، بقليل من التدبر اللغوي والفلسفي، يصبح هذا الأمر بديهياً ومفهوماً إن عملنا على تفكيك لغم ولغز هذا الكائن الخرافي، والمسمى مجازاً مونيكا
بيلوتشي، سأخبرك لماذا يحبها الرجال والنساء والأرض والسماء والشمس وعطارد والزهرة وبقية الأسماء..
إن هذه المرأة تمتلك جمالاً لا تفرضه على أحد إلا أنه ليس حيادياً، تمتلك جمالاً مرعباً إلا أنه غير متوحش، كما أنه ليس بخيلاً مانعا ولا مسرفاً مانحا،
هو جمالٌ بليغٌ بلاغة الشعر يعني كل ما يقوله أو يصمت عنه، مكثف مثل ركحٍ مسرحي إلا أنه دون مبالغة أو ضجيج، كما أنه دقيق جداً وكأنه عملية جراحية في أعصاب المخ.
وعكس الطبيعة والحياة، فإن هذا الجمال ليس تافها ولا “أزعر” ولا قاطع طريق كما هي العادة مع أغلب الجميلات المدهشات ممن يفرض عليهن
جمالهن الصارخ السخافة والتفاهة والمكر والخفة والخسة، إنه جمالٌ لا يسمح بأن تتراجع بقية الممتلكات والمكتسبات والظروف وراءه، إنه نبيل وحصيف ورزين.
أيضاً هو جمال:
فعولٌ غير قؤول، لا يهدّد ولا يقرّع لك بالعصا، يخبرك بذنبك (الذي لا بد أن يكون جسيماً حتى وإن لم تفعل شيئاً) ويشدك بحنان الأمهات من أذنك على الفور ويتركك للأغاني واليمام بقية العمر…
شهمٌ، لا يلوي ذراع بشاعتك أو يدعس على طرف نقصك.
موثوقٌ وشريف، فلا يحمل خنجر الغدر تحت قسماته ولا يلوّح بثيابه الداخلية عند كل التفاتة!
كما أنه – رحمه الله – اتخذ الوسط من الطبقية والانتماء، فلا هو بالجمال الفجّ الشعبي الذي يخبيء هراوةً تحت مقعد السائق ويرفع صوت حسين
الديك عالياً ولا بالجمال الملكي أو الكنسي الطاهر حد الاعتقاد أنك مقدم على علاقة مع لوح صابون. إنه الجمال العادي الذي قد تصادفه في البقال
أو الباص أو الرصيف إلا أنه بالصدفة، بالصدفة البحتة؛ جاء كاملاً مرتباً وكأنه معجزة أو كرامة للخلق أجمعين.
جمالٌ غير مؤذٍ ولا ساذج، جمالٌ غير متعال ولا وضيع، لا يريد لنفسه أن يمر فتتكسر رقاب المارة والجالسين على الرصيف ويصنع الحوادث بين
السيارات.. إنه حقاً لا يريد هذا كما يريده الجمال الصارخ السيليكون، والمكوّر التضاريس، جمال الأرداف المنفوخة والشفاه المزمومة والخصر
الكيرفي بحزام ناسف من الشهوات والشهقات، نساء الكاديلاك السريعة الفارهة والتي سرعان ما تنقلب إلى سوزوكي مهرهرة وضئيلة في سوق الهال.
إن جمال هذه المرأة لا يريد أن يحدث أية ضجة بل يريد أن يحتل الصمت… كل الصمت..
لهذا، جميعنا، أنا وأبي وابني وحفيدي وزوجتي وابنتي وجارتنا وأنت وسلالتك.. جميعنا، نصمت حين يمر اسمها أو نبتسم ونقول: سبحان الله دون
أن نقول: يبعتلك حمّى كما نفعل مع غيرها من المنفوخين عند أبي عبدو البنشرجي في راس الحارة.
في Boulevard de Clichy بباريس وفي مبنى “الإيروتيك ميوزيم” حضرت معرضاً أقامه النحات الفرنسي “….” نسيت اسمه بسبب ذاكرتي اللعينة التي
لا أعرف أبداً لماذا تحفظ اسم فراس إبراهيم وتنسى هذا النحات العبقري..
المهم “سأجلبه لاحقاً” كان المعرض يقوم على تجميع لدنات وبقايا وأشياء
وملابس نساء مررن بحياة هذا النحات خلال 50 عاماً.. فيصنع منها تارةً يمامةً ومرةً امرأة نائمة تدخن.. أو كلباً عند المدخل..
عند أحد الأعمال المسمى باسم “أجمل نساء الأرض” ذكر النحات على اللافتة أن فيه بقايا تالفة تخصّ مارلين مونرو وداليدا واديث بياف الخ الخ
الخ.. بينما تعود الأزرار لكات موس و”ما بعرف مين” ومونيكا بيلوتشي أثناء عملها بدولتشي اند غابانا…..
العمل كان فيه ثلاثة أزرار.
أحمر مدورٌ كبير، وأبيض مربعٌ متوسط، وسماوي بيضاوي صغير..
وقفت أمام هذه الأزرار الثلاثة أكثر من ¾ الساعة لأتوقع أي منهم زر مونيكا..
في الأخير.. وعلى مرأى كاميرات المراقبة.. “شلعتها” كلها من بدن العمل المفاهيمي غير آبه بالجريمة الجنائية التي ارتكبتها، إذ أنني فعلت تماماً ما
فعله النحات الذي سيسامحني ويفهمني إن تناهى إليه الأمر. وخلصت لاحقاً إلى أن الزر السماوي البيضاوي الصغير هو لمونيكا وذلك لأسباب يطول شرحها.
المهم…
أنا أكتب مقالي الأسبوعي هذا وفي محفظتي الزر الأزرق البيضاوي الصغير وذاكرتي ممتلئة بكل تلك المحاولات الفاشلة لرؤية مونيكا خلال 15 عاماً
سافرت فيها إلى نيس وباريس وكان وروما وميلانو الخ الخ وفي كل مرة كنت لا أراها وهذا أجمل ما في الأمر.
شون كونري في بهو الـ Majestic Barriere، ذات “كان”.. كان بمزاج سيء ويطرد الصحافيين الذين يفسدون عليه قهوته، اقتربت منه وقلت له: هل
ترى هذا السموكن Gianfranco Ferré الذي ألبسه؟ هل ترى ساعتي الـ ROLEX هذه؟ إنهما بالآجار! إن لم تحاورني سأضطر إلى سرقتها برمتها
والهروب من المدينة.. ضحك بابتسامته الساحرة وقال لي: اجلس ربع ساعة.. إلا أنني حالما جلست أشعلت سيجارة بهدوء شديد كما يفعل هو بالأفلام ونظرت له وسألته بحسرة منتحر: هل رأيت مونيكا؟
- من كتابي “بروتريهات حزينة من استوديو الأفراح”