الناس نيوز – فواز خيو
قضيت ثلاثة عقود في محرقة الصحافة .الصحفي يؤرخ اللحظة ليوم كامل أو يومين ، كوردة مؤقتة ، تنشر رسالتها وتنطفئ .لكنها في هذا التوهج القصير ، قد تقرر مصائر .ليس هناك أجمل من الوقوف جانب المطبعة وأنت ترى الجريدة تخرج من التنور طازجة ، ساخنة ، تتناولها كرغيف شهي ، ما أجمل تلك الطقوس وأحزنها .لكن العالم يتحول اكثر إلى فضاءات الإنترنت … ما أجمل أن تكتب مقالة فتتكاثر ، لتدخل الكثيرين إلى دماغك وروحك ليتشاركوا أفكارك وهواجسك .
أي مجتمع ينتصب على عامودين أساسيين ، القضاء والصحافة ، يتشاركون مع التعليم والتنمية ، الصحافة تكشف الحقائق ، والقضاء يحق الحقوق ويحفظ سيادة القانون ، والمجتمعات تستمر بالتنمية والتعليم ، لان القانون والإعلام حماية لهمالكن مأساة الصحفي والصحافة هي المخافر ، داخل أي دولة يعمل فيها ، فبمجرد أن يعرف طبيعة المخافر وحدودها ؛ تنطبع نسخة كاملة من هذه المخافر في دماغه ، ولا يعود بحاجة لمخافر الدولة ، فقد اصبحت مخافره تكبله وتسيره في زواريب العمل ،إضافة لمخافر المجتمع التي عادة لا تقل قيودها قسوة عن قيود الدولة .هكذا حقل ألغام هي البيئة التي عليك أن تعمل فيها ، حين تقرر أن يكون عملك رسالة ، وليست مهنة ، وأن يكون ضميرك الإنساني والوطني هو إمامك في هذه الصلاة … مع هذا ، ليس هناك من صحافة حرة ، بمعنى الحرية الكاملة .
كل وسيلة لها خط تسير عليه ، ومن أجله وجدت ، ولديها أفكار وقيم تتبناها ، وسياسات تعمل من أجل تهيئة الناس لها وإقناعهم بها .لكن ثمة درجات ونسبا في الحرية والمصداقية ، أي ثمة وسيلةاعلامية لديها درجة مهنية ومصداقية أكثر من غيرها .وعلى الصعيد الفردي ؛ فالصحفي الحر الذي يحمل قلمه كرسالة لنقل الحقيقة ، عليه أن يكون باللباس الميداني الكامل ، كجندي في معركة ، معرض في أي لحظة لرصاصة موجهة هنا ، أو رصاصة طائشة هناك ، أو شظية .لأن الحقيقة عدوة للكثيرين ، وخاصة للذين يبنون أمجادهم على طمس الحقائق أو تزويرها ، وخاصة في الحروب ، حيث الحقيقة هي أولى الضحايا التي تسقط مضرجة بدماء من يعتنقها ، أما في السلم أيضا تخمد درجة التحديات فقط ،فالقابض على ضميره المهني والصحفي كالقابض على الجمر ،عليه مقاومة الإغراءات بكل أنواعها ، لتبقى الحقيقة كامرأة جميلة ، وحدها من يثير شغفه .
كم من الصحفيين دفعوا أعمارهم لينقلوا الحقيقة أثناء تغطيتهم للحروب ،وكم من اعتقلوا ودخلوا السجون لأنهم أطلقوا سراح حقيقة كانت مغيبة ، أو يراد لها التغييب .في يوم حرية الصحافة ؛ باقة حب و ورد لكل الجميلين الشرفاء ، الذين رفعوا راية الكلمة الحرة كبيرق من بيارق الثورات الخالدة .ولتكن مناسبة للمطالبة بإطلاق سراح كل الصحفيين المعتقلين في كل مكان ، واحترام حرية الكلمة لأنها شرط أساس لبناء حياة جديرة بالحياة …