بيروت – دمشق – عمان – الناس نيوز :
مع الارتفاع الهائل في أسعار جميع المواد الاستهلاكية بعد انخفاض سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار في الفترة الأخيرة، ابتداءً من تفشي فيروس كورونا وما نجم عنه تدابير من وقائية كحظر التجول وإغلاق المحال التجارية، وانتهاءً بدخول قانون قيصر حيز التنفيذ منتصف شهر حزيران، الذي طال الجميع .
ولعل الزائر لسوق مدحت باشا التجاري الشعبي ، في قلب دمشق القديمة والمعروف بنشاطه التجاري العريق المستمر منذ قرون , يعرف تماما نبض الحرام الاقتصادي والاجتماعي لاقدمعاصمة مأهولة في التاريخ ، حيث يعود بناؤه إلى العصر الروماني و جُدد في زمن والي دمشق مدحت باشا عام 1878, وسمي على اسمه.
هنا تصطف المحلات التجارية شبه المتماثلة بالهندسة على جانبيه بعدد يصل إلى 700 محل , مغطاة بسقف من التوتياء والحديد يخترقها الضوء بجمالية عالية.
يشتهر السوق الذي يوصف انه احد ابرز معالم الشام بمحال الأقمشة والبروكار والكوفيات والموزاييك ومحلات العطارة والتوابل وتركيب العطور، هذا التنوع في المنتجات المتوفرة في هذا السوق جعل منه الأكثر ازدحاماً بين أسواق دمشق جريحة الفؤاد ولا تزال .
فمن النظرة الأولى إلى السوق تلحظ الانخفاض الكبير بعدد الزبائن والمارّة بعد أن كان الازدحام يحجب وصول البصر الى حجارة الشارع المرصوفة بدقة هندسية لافتة .
و أمام أحد بائعي التوابل بادرت الى السؤال العفوي شايف مافي حدا بالمحل ؟
الجواب من البائع اتخد ابعاد حسية مشوبة بالقلق : مين أنتو بلا صغرة ؟ مستفهما بلهجة شامية محببة ..
(يلعن أبو هالعيشة على أبو الدولار من يومين مافات على جيبتي غير 9 آلاف ليرة) وأكمل لا أعلم كيف سنطعم أولادنا وكيف سنكمل هذه الحياة ومن الواضح أن الأيام القادمة ستكون أسوأ بكثير.
وأكملت وما هو الحل برأيك؟ أجاب أبو عبدو الحل أن تستقيل الحكومة أو على الأقل يطلع أي مسؤول يشرح للمواطن ما الذي يحدث أو (يقتلونا ويخلصونا)…
مشيت قليلاً ولا حظت أن أكثر من 17 محلا مغلقا، توقفت أمام أحد المحال المغلقة وسألت أحد المارّة لماذا هذا المحل مغلق ؟
قال معظم هذه المحلات مغلقة لأنهم يحققون الربح أكثر من حال فتحهم المحلات للعمل, كما أن السلعة التي تباع لا يستطيع التاجر شراءها بسعر يحقق الربح فيها.
كيف؟ قال لأن سعر البضائع يرتفع من تلقاء نفسه دون بيع، و ليس من صالح صاحب المحل البيع في هذه الأيام.
في طريقي لا أسمع غير همس بعض الزبائن يتمتمون ( شوهاد!! شو هالغلا)..
انتظرت خروج بعض النسوة من محل للأقمشة الحريرية الذي يملكه أبو محمود خلفاً لوالده وجده , .سألته كيف هي حركة بيع الأقمشة هذه الأيام أجاب: ليكن الله في عون المواطن لم يعد بمقدوره شراء الطعام , من سيشتري قماشا أو ملابس بعد أن أصبحت رفاهية للمواطن.وهذه الحكومة لا تسأل نفسها ماذا يأكل الشعب الفقير الذي لا يصل مرتب الموظف أكثر من 20 دولار أميركي.
وأردف نحن كتجار من الطبيعي أن نرفع الأسعار فالمواد الأولية ارتفع سعرها أربعة أضعاف سواء المصنعة في سورية أو المستوردة.
اتجهنا إلى أحد الأسواق المتفرعة من مدحت باشا سوق البزورية، وهو عبارة عن محلات فيها تلال من التوابر والبهارات والحلويات والفواكه المجففة ، لم يكن حال هذا السوق أيضاً أفضل بكثير من سوق مدحت باشا, فلم نلحظ الازدحام المعتاد إلا القليل من الزبائن الذين يتفاوضون مع أصحاب المحلات على سعر بضع غرامات من التوابل أو المكسرات.
لم نستطع التحدث مباشرة مع التجار لخوف بعضعهم وغضب بعضهم الآخر، ورغم ذلك قال بعضهم ان قانون” قيصر ” ليس هو سبب مأساتنا ، قد يساهم في زيادة الحصار لان هناك من يستغله كشماعة ويعلق عليها كل مصائب ارتكبتها ولا تزال جهات داخلية وخارجية …
بدى الوضع المأساوي واضحاً على وجوههم المتهكمة وتنهداتهم.
حديثهم بين بعض كان مسموعاً لنا , جلّ حديثهم يدور حول ضعف القوة الشرائية في الآونة الأخيرة وارتفاع الأسعار بشكل مهول وصعوبة العيش على جميع المستويات ، ويضيفون إلى متى سنصمد مع هذا الوضع كيف سندفع إيجار ات المحال وفواتير الكهرباء وضرائب المالية ..
أكملنا الجولة على باقي تفرعات السوق من سوق العرائس إلى سوق الخياطين و سوق الصوف وتقريباً كلها بنفس الحال، مع تفاوت بسيط يكاد لا يذكر, وعامل مشترك واحد هو الغضب على الوجوه, وجوه التجار والزبائن غير قادرين إلا على التجول بين المحال بحثاً عن السعر الأرخص ولو بمبلغ 10 ليرات سورية فقط.
مع كم الأجوبة التي تلقيناها دون كلام لم يعد لدينا أي أسئلة, فكل الأسئلة جوابها واحد (بدنا نعيش).
ويشير احد الباعة الى شخص يبدو من مظهره انه زائرا فيقول هذا الضيف اشترى مني بحوالي مئة دولار ،شعرت انني اعمل كأيام زمان عندما كان السياح يملؤون الاسواق … اسواق الشام عاصمة القلوب كما كان يسميها احد الشعراء .