fbpx

الناس نيوز

جريدة إلكترونية أسترالية مستقلة

رئيس التحرير - جوني عبو

Edit Content
Generic selectors
Exact matches only
Search in title
Search in content
Post Type Selectors
Filter by Categories
آراء
أخبار
أستراليا
إدارة وتكنولوجيا
إعلان
اقتصاد
اقتصاد أستراليا
اقتصاد عالمي
اقتصاد عربي
تقارير وتحقيقات
ثقافة وفنون
حكايا
خبر رئيس
رياضة
رياضة أستراليا
رياضة عالمية
رياضة عربية
سياحة وسفر
سياسة أسترالية
سياسة عالمية
سياسة عربية
صحة
صور
عدسة
فن الناس
في الوطن الجديد
فيديو
كاريكاتير
لايف ستايل
متفرقات
مجتمع
مجتمع الناس
موضه
Generic selectors
Exact matches only
Search in title
Search in content
Post Type Selectors
Filter by Categories
آراء
أخبار
أستراليا
إدارة وتكنولوجيا
إعلان
اقتصاد
اقتصاد أستراليا
اقتصاد عالمي
اقتصاد عربي
تقارير وتحقيقات
ثقافة وفنون
حكايا
خبر رئيس
رياضة
رياضة أستراليا
رياضة عالمية
رياضة عربية
سياحة وسفر
سياسة أسترالية
سياسة عالمية
سياسة عربية
صحة
صور
عدسة
فن الناس
في الوطن الجديد
فيديو
كاريكاتير
لايف ستايل
متفرقات
مجتمع
مجتمع الناس
موضه
Edit Content
Generic selectors
Exact matches only
Search in title
Search in content
Post Type Selectors
Filter by Categories
آراء
أخبار
أستراليا
إدارة وتكنولوجيا
إعلان
اقتصاد
اقتصاد أستراليا
اقتصاد عالمي
اقتصاد عربي
تقارير وتحقيقات
ثقافة وفنون
حكايا
خبر رئيس
رياضة
رياضة أستراليا
رياضة عالمية
رياضة عربية
سياحة وسفر
سياسة أسترالية
سياسة عالمية
سياسة عربية
صحة
صور
عدسة
فن الناس
في الوطن الجديد
فيديو
كاريكاتير
لايف ستايل
متفرقات
مجتمع
مجتمع الناس
موضه

جريدة إلكترونية أسترالية مستقلة

رئيس التحرير - جوني عبو

(قُومِـي يامريـمُ) لـ (ربـاب هــلال)..بلاغـةُ السّـرْدِ وتشْفِيـرُ الدَّلالـة

أحمد عزيز الحسين – الناس نيوز :

تشكِّلُ مجموعة (قومي يامريم) للقاصّة السّوريّة (رباب هلال) نقلةً نوعيةً في تجربتها القصصيّة، وإضافةً خلاقةً إلى المشهدِ القصصيّ السّوريّ، كما أنّها، في الوقت نفسه، شهادةٌ جماليّةٌ فاتنةٌ على زمنٍ صعبٍ نعيشهُ، وواقعٍ مَوّارٍ يفورُ، ويُرغِي، ويُزبِدُ منْ حولنا، ويُلقِي علينا بحممِهِ، ويكوِينا بحرائقهِ.

ولاتنبثق أهميّة هذه المجموعة من المتْنِ الحِكائيّ الكاوِي الذي صِيْغَتْ منه نصوصُها، بل تنبثق من آليّة تشكيل هذا المتْنِ، والوعْيِ النّقديّ الذي صاغه، وجعل منه مبنًى حكائيّاً متميّزاً أهّل صاحبته لأنْ تتبوّأ موقعَ الصّدارة بين الكتّاب السّوريّين الذين جعلوا (ثيمة الحرب)متنَهُمُ الأثيرَ، واستطاعوا تشكيله بوعيٍ ورهافة.

وفي ظنّي أنّ شُغل رباب في هذه المجموعة تجلّى في آليّة اشتغال العنوان، وصياغة الاستهلال والخاتمة، وبناء الحيِّز السّرديّ، واستثمار الطّبيعة والألوان والإضاءة، وتقديم شخصيّاتٍ ذواتِ طبيعةٍ محدَّدة، وسوف أقوم بعرض أهمّ ما قدّمته رباب من اجتراحات فنيّة في مجموعتها التي حصدتْ جائزة الصُّندوق العربيّ للثّقافة والفنون (آفاق) بجدارة، ونُشِرتْ عن دار التّكوين بدمشق في عام 2021.

عتبة الغلاف والعنوان

يرشح عنوانُ المجموعة برغبة الكاتبة في نهوضِ المرأة، وسعْيِها إلى تحقيق ذاتها، ويدلّ على أنّ المرأة، في معظم القصص، تعيش حالة سُباتٍ ومواتٍ، ورِضى بالواقع، وهي بحاجة إلى استيعابِ ما هي فيه لكي تستطيع رفضه وتجاوزه، وقد تكون قصّة (سكّر بنات) مغايرة لأغلب القصص، لأنّها قدّمت نموذجاً للمرأة السُّوريّة الجديدة التي استطاعت التّملُّص من الفخاخ المصنوعة لها، وامتلكت القدرة على تشكيل ذاتها، وبناء هُويّتها متحدِّيةً أهلها وزوجها، ومجتمعها وظروف الحرب معاً.

واللّافت للنّظر أنّ عنوان المجموعة تضمّنَ صيغة الأمر “قومي”، لتأكيدِ وجودِ قوّةٍ عاتيةٍ تقف ضدّ المرأة وتتحكّم بها، وتُملِي عليها ما تفعله، كما أنّ الصّيغة نفسها رشحتْ بوجود مسافة بين ما تحياه المرأة في حاضرها، وما تتشوّف إليه في مستقبلها. أمّا صورة الغلاف فتتكوّن من امرأةٍ رُسِمتْ بألوانٍ ترابيّةٍ داكنةٍ تنضَح بالقوّة، وقد حرص مصمِّمُ الغلاف على إظهار ذقنِها وجانبٍ من وجهِها وعنُقِها، وأبقى فمَها وملامحَ وجهها مختفيةً للإشارةِ إلى عجْزِها عن النُّطق والتّعبير، وعدمِ اكتمال شخصيّتها وهُويَّتها، غير أنّه، في الوقت نفسه، أظهر عُرْيَ جانبٍ من جسدِها وعنقِها لتأكيد أنّها امرأةٌ رومانتيكيّةٌ وحالمةٌ تفتقر إلى الأمان والطّمأنينة، وتحلم بحياةٍ بازغةٍ وهنيّةٍ، وتعيش في حالةِ نشوةٍ، غير أنّ ما يعكِّر عليها صفوَ حياتها هو أنّها مضطَّرة إلى العيش في حيّزٍ مكتظٍّ بالرُّعب والعنف والمحظورات، ولذلك رفعتْ غصن الزّيتون آملةً  في الوصول إلى الأمان والسّلام الدّاخليّ اللَّذين تفتقر إليهما، غير أنّ أصابع اليد في الصُّورة تتوجّه بالغصن إلى الأسفل لا إلى الأعلى، وهذا يرشح بعدم وجود طرفٍ (آخـرَ) مستعدّ للإمساك به ورفْعِه، وهذا يعني أنّه من الممكن للغصن أنْ يسقُط، فيُجهِضَ أحلامَ المرأة، ويئِدَ ما تتشوّف إليه من سلامٍ وأمنٍ وطمأنينة.

وقد نحا عنوانُ القصّة الأولى ( إنّهم هنا) هذا المنحى من التّأويل من خلال المزْج بين الواقع والحلم، واستثمار الكوابيس في تشكيل واقعٍ حلميٍّ يقترب من الأسْطَرة، إذ أكّد المتنُ الحكائيُّ في القصّة وجود قوى عاتية دخيلة أمسَتْ هي المتحكِّمةَ بحركة الفتاةِ وأمِّها في الحيّز السّرديّ للقصّة، وقد قامت الكاتبةُ بإخفاء هُويّة هذه القوّة من خلال الإشارة إليها بالضّمير(هُـمْ) الذي يدلُّ على (غائبٍ/ حاضرٍ) في الوقت نفسه، وإنْ كانت قد قدّمتْ مفاتيحَ لمَّاحة للقبض على هذه القوّة، والكشْفِ عن طبيعتها في النّسيج السّرديّ للقصّة.

أمّا في قصّة (غاردينيا بين الأصابع) فيدلّ العنوانُ على حياةٍ بازغةٍ على وشك أنْ تتشكّل، إذْ ينفتح المتْنُ الحكائيّ على (الغاردينيا) وهي تعبقُ بالتّوق والأمل، وينغلقُ عليها وهي تُطمَر تحت الأنقاض، هكذا تغتالُ الحربُ، في المتْنِ الحكائيّ للقصّة، إمكانيّة انبثاق الحياة من بين الرّماد، إذْ تصارع زهرةُ الغاردينيا البيضاء كي تبقى نديّةً وناضِحةً بالأمل والألق، لكنّ الحرب تحُوْل بينها وبين ذلك، ولاتلبث أنْ تختفي بين الأنقاض مُؤذِنةً بتدمير الحياة البهيّة التي صارعت السّاردة في القصّة كي تعيشها. أمّا في قصّة (عند الفجر) فيشِي العنوان ببداية استيقاظ الطّبيعة منْ غفوتها، كما يدلُّ على حياةٍ متجدِّدة لكلِّ الكائنات على الأرض، إلّا أنّ متْنَ القصّة يتنازع مع العنوان، ويقدِّم دلالةً مغايرة لما يرشحُ به، إذْ يتمّ في الحيّز السّرديّ للقصّة فعلٌ ينتهي بالذّبح والموت، وتقوم القصّة بتأكيد أنّ (العتمة) تهيمِنُ على الحيّز الذي يتمّ فيه فعلُ القتل، ممّا يتضادّ مع (الفجْـر) الذي يختزنه العنوانُ، ويوحي بالانبعاث والتّجدُّد والنّضارة.

كذلك تهجو الكاتبةُ في قصّة (الضّيوف) الحربَ، وتتحدّث عن تحوُّل شخصيّاتها إلى “ضيوف” في بيوتهم، ويغدو المتنُ الحكائيّ لديها برهاناً على ما رشح به العنوانُ من دلالة شفيفةٍ، كما تغدو البيوتُ، التي كانتْ رمزاً للأمان والطُّمأنينة، ممرّاً للعبور وحسب، فتفقد الشّخصيّاتُ قدرتها على التّوازُن، وتغوص في رمال الهجر والفقدان، ويندثر المكانُ ويموت، ويحيا الزّمانُ مُشوَّهاً، ومقتلَعَ العينين، “وبرعونة يخلط النّهارات بالليالي، ويخنق السّاعات والأنفاس” (ص100)، هكذا تفقد الشّخصيّاتُ قدرتها على امتلاك هُويّاتها، وتُخفِق في امتلاك العدّة والسّلاح لاجتياز الحاضر إلى رحابِ مستقبلٍ أكثرَ أماناً واطمئناناً. وفي قصّة (قومي يا مريم) تستمرّ الكاتبة بالعزف على ثيمة (المكان) مؤكّدةً أنّ تدميره بفعل الحرب كان سبباً في تشظّي الشّخصيّات ومعاناتها،

إذْ تعرِض ما أصاب زوجَيْن عجوزَيْن من تهجير، وكيف اضطّرا إلى استئجار غرفٍة بدلا من بيتهما الواسع، ثمّ كيف ماتت الزّوجة بسبب البرْدِ وهيمنةِ الفساد على وطنها. وفي قصّة (الحاجز)، التي يرشح عنوانُها بالقلق وعدم الاستقرار، ويشِي بالحظر والتّوتُّر، ويرمز إلى قوّةٍ (قاهرةٍ) تحُول بين الشّخصيّة وبين الوصول إلى المكان الحميم الذي تتشوّف إليه، نحن أمام متْنٍ حكائيٍّ حارقٍ يقدِّم شخصيّات مأزومةً ومسكونة بالرُّعب، تبحث عن ذواتها وهُويّاتها فتخفق، ولا يُتاح لها الحِوارُ مع (آخَـر) بسبب خوفها من الوقوع في المحظور، وحين تتحاور معه تلجأ إلى (الهمْسِ) كي لا يسمع حوارَهما أحدٌ: ” أعدْتُ السّمّاعاتِ  إلى أذنيّ، وارتحْتُ لتهذيب جاري، وإلى عودته إلى الصّمت” (ص27).

 شعريّة التّخييل السّرديّ

وفي ظنّي أنّ رباب أفلحتْ في رسمِ حيٍّزٍ سرديٍّ مأزومٍ أفضى إلى تمزُّق شخصيّاتها، وإظهار ما أصابَها من تشظٍّ، وافتقارٍ إلى التّوازُنِ، بحيث أصبحتْ هذه الشّخصيّاتُ أشباحاً وظلالا، أو أشباهَ شخصيّاتٍ، وأمستْ عاجزةً عنْ ضبْطِ واقعها، والتّحكُّم بحياتها، والسّيطرة عليها، وقد قامت الكاتبةُ باستثمار الوصف الوظيفيّ في الكشف عن أعماق شخصيّاتها، واستبْطانِ مشاعرها، ووضعتْ يديها على ما أصابها من اضطّرابٍ وهلعٍ، ولهذا لم تستطع الفتاة في قصّة (إنّهُـمْ هُـنا) إقناع أمِّها بأنّها مُصابةٌ بالهلوسة، بعد أن أضاعتِ البوصلة هي الأخرى، وغدَتْ تتخيّل وجود طفلٍ ميْتٍ في غرفتها، ثم ما لبثتْ أنْ رأتْ رجلا جامداً كتمثال، تبعه دخولُ رجال آخرين إلى الغرفة، وهكذا اختلط الواقعُ لديها بالحلم، وجثم فوق صدرها كابوسٌ مُمْرِضٌ، وما عاد بوسعها أنْ تقبضَ على الحقيقة، وقد حوّل ذلك بيتَها إلى حيِّزٍ سرديٍّ مسكون بالرُّعب والخوف. كما لاحقت الكاتبةُ، في نصوصها السّرديّةِ، ما آلَ إليهُ مرجعُها النّصيُّ من دمارٍ وتعفُّنٍ، أو نكوصٍ وتراجُعٍ، أو نشدانٍ للحريّة والكرامة، وتقصّتِ التّغيُّراتِ التي أصابتْ شخصيّاتها في زمنِ الحربِ، ووضعتْ يدَي قارئها على هذه التّغيُّراتِ بذكاءٍ وحرفيّةٍ، وحرصتْ، خلال ذلك كلّه، على بثّ دلالاتها في النّسيجِ السّرديِّ لمتونها الحكائيّةِ من دون أنْ تطلَّ برأسها بين السُّطور، أو تكشف عن المستوى الدلاليّ الذي شكّلته في هذه النُّصوص.

وقد اختلط الحلمُ بالواقعِ في نصوصها، وهيمنت الكوابيسُ على الكثير من الشّخصيّاتِ، وتوازى الصِّراعُ في هذه النُّصوصِ بين النُّورِ والعتمةِ، أوبينَ الحريَّةِ والاستبدادِ، وأفضى الصّراعُ بينهما إلى أفولِ النُّورِ، وتسيُّد العتمةِ الحالكة.

كما حرصت الكاتبةُ على استثمارِ الألوانِ في تشكيلِ نصوصها، وصياغةِ دلالاتها، وهيمن اللونُ الرّماديُّ والأسودُ على الفضاءِ الدّلاليِّ للقصصِ، ورشح في قصّة (سكّر بنات) بالهزيمة والإحباط، وآذَن بالوصول إلى القنوط والفشل، وتراجع اللّونُ الأبيضُ مُفسِحاً المجالَ لتقدُّمِ الخرابِ والدّمارِ وطغيانِ التّشاؤم، كما في قصّة (الضّيوف)، كما قامت الكاتبةُ باستثمارِ الطّبيعة وتحويلها من ديكور وخلفيّة تزيينيّة إلى عنصرٍ سرديٍّ مشاركٍ في صناعة الحدث، وجعلتْها جزءاً من الحربِ الضّاريةِ التي واجهتْ شخصيّاتِها، وتمّ توظيفُ العواصفِ المطريةِ والبروقِ وحبّات البردِ في قصّة (إنّهُـم هُنـا) لتأكيد افتقار المكانِ إلى الحمايةِ والأمانِ، وتحوَّلَ المطرُ في القصّة من رمزٍ للخصب والحياة إلى رمزٍ للعنفِ والرُّعبِ والموت. كذلك جُعِلتِ الطّبيعةُ عنصراً مندغماً بالحدث في قصّة (عنـدَ الفجْـر)، وجرى توظيفُها في إدانة فِعْـل القتْـل الذي تمّ في الحيّز السّرديّ للقصّة، إذ تناقض اللّونُ الأخضر الذي صبغ فضاء الحيّز مع فِعْـل القتْـل الذي اخترقه، وتوازى مع تقدُّم ضوء الفجر الذي كشف مدى ربيعيّاً وروائح فوّاحة ترشح بالإقبال على الحياة، وتهجو ديب) وما يمثِّله من توحُّش، لأنّه قام بالقتل، ولم يستجب لنداء الطّبيعة (الغوطة) التي أرسلتْ من خلال نورها وخضرتها الزّاهية وتألًّقِها رسالةَ مبارَكةٍ  إلى الحياة النّديّة المفعمَة بالبهجة التي ترمز إليها ( ندى)، وهجتْ منْ يتعمّد إنهاءها، ويقف ضدّ ندائها النّاضح بالتّألُّق والبهاء. كما استثمرت الكاتبة الإضاءةَ في تشكيل المكان، وزيادة حدّة الصِّراع وتنامِي الحدث، ودفْعِ الفعل الصّاعد إلى الأمام، كما في قصّتي ( إنّهُـم هُنـا) و(غاردينيـا بيـن الأصابـع)، وحرصتْ أيضاً على استثمارِ (الأسماءِ) في رسْمِ شخصيّاتِها، وصياغةِ دلالاتها، فجعلتْها دالّةً على التّوحُّش والافتراسِ أحياناً، كـ(ديب)، أو على الرُّقيّ والسُّموّ كـ(سامية)، أو على الخصب والنّداوة كـ(ندى)، أو على التّشظّي وضياع الهُويّة كـ (أمّ فارس)، ففي قصّة (عند الفجر) تُقدَّمُ الفتاةُ (ندى) في القصّة بصفتها شخصيّةً منطلقةً، وشغوفةً بالغناء وراغبة في التّحرُّر والانطلاق، إلّا أنّ القصّة تغتال براءتها ونداوتها وحبَّها للحياة، كما تبقى (نجاةُ)، في قصّة (صباح يختلف قليلا)، محتفظةً باسمها الدّالّ على هُويّتها حتّى بعد أن تزوّجتْ، ورُزِقتْ بأولاد ذكور، واستطاعت تأكيدَ شخصيّتها المستقلّة في المجتمع الذُّكوريّ الذي تعيش فيه، وجعلتْهُم ينادونها باسمها، وما ساعدها على امتلاك هُويّة خاصّة بها أنّها مثقّفة، وتقرأ كتباً حتى إنّ “أكثر ما توجّعتْ لفقدانه في بيتها عندما نزحتْ من الغوطة الشّرقيّة هو المكتبةُ والكتبُ” (ص 39). لقد ساعدتْها الكتبُ على امتلاك هُويّة ووعي يُميِّزها من (حريـم) بلدها، لكنّ اسمها وحرصها لم يُمكِّناها من تفادي أهوال الحرب وعقابيلها، وإنْ كانا قد جنّباها الغرق في المشاكل اليوميّة التي تُمسِك بمن حولها، ومع ذلك ظلّتْ خلالَ القصّة مهدّدةً بفقدانِ ذاتها، وخسارة الهُويّةِ التي شكَلتْها، هكذا أصبح الاسمُ الذي حملتْهُ فاقداً للدّلالة التي رشح بها، بل إنّه فقدها في خاتمة القصّة، ولم يمكّن صاحبته من النّجاة من الحرب الضّروس التي عاشتْها، فتساوى بذلك مع أسماء النّساء اللواتي أفقدهنّ المجتمعُ البطركيُّ ذواتهنّ، فغدَوْنَ من دون أسماء، وأصبحْنَ يُنادَيْنَ بـ(أمّ فلان) و(زوجة علان).

وقد أكثرت رباب في قصصها من استخدام اسم (أمّ فارس) للإشارة إلى المرأة التي لا تملك هُويّة خاصّة بها، أو للإشارة إلى المرأة التي ترضى بما هو مرسومٌ لها، ولا تبذل جهداً كبيراً لتغيير واقعها، بل إنّ (أمّ سعد) في قصّة (دعاء سعد) رضيتْ باسمها الذي عُرِفتْ به بين النّاس، ولم تبذل جهداً لتصحيحه، وكانت تقول لهم غير مكترثة: ” أمّ سعد!! أمّ سعد!! فليكنْ! وإلى أسفل رجلي جميعكم” (ص71)، و(أمّ سعد) نموذج للمرأة السّوريّة التي تحكّمَ زوجُها بها، وجرّدها من ثروتها، ورمى بها في الشّارع، فاضطّرت إلى بيع جسدها كي تعيش، وقد جعلها المتنُ الحكائيّ (أمّاً) بديلة لحفيدها في قصّة موجعة تتحدّث عن تشظّي الشّخصيّة وتبدُّدها بسبب الحرب.

قصّة نموذجيّة 

وفي ظنّي أنّ قصّة (قرصة برد) قد تكون من أكثر قصص المجموعة تميّزاً، ولذلك سوف أتناولها بصفتها تمثِّل نموذجاً لآليّة شغل رباب في كتابة نصوص هذه المجموعة.

وفي البداية لا بدّ منْ أنْ نلاحظ أنّ عنوان القصّة يرشح بضرورة إيقاظ الشّخصيّة الغافلة من حالة السُّبات التي تستنيم إليها حتّى لو أدّى ذلك إلى قرصها كي تتنبّه ممّا هي فيه، وتستيقظ وتصحو، وتنتهي القصّة بالشّخصيّة نفسها وقد استيقظتْ وصحَتْ، ولم تكتفِ بالتّنبُّه لما هي فيه بل تجاوزتْهُ، وتمرّدتْ عليه، وتحدّتْ أسرتها، وأمستْ شخصيّة جديدة بكلّ ما تحمله هذه الكلمة من معنى.

تنهض القصّة عل بنية التّوازي بين ما يجري داخل (وفـا) وما يجري خارجها، ويتوازى بحثُ (وفـا) عنْ (ذاتها) وسعيُها لتحقيق (هُويّتها) مع بحثِ المتظاهرين في الخارج عن (ذواتهم) التي لا تكتمل إلّا بتحقيق الحريّة.

ترصد القصّة تمرُّد (وفـا) على قيم الطّبقة التي تتحدّر منها وإدراكها لتفاهة الحياة التي تعيشها، وسعيها الحثيث للخلاص من الشّرنقة التي حبست نفسها فيها، وتنتهي القصّة بخلعها للحجاب والمانطو اللّذين يشكلان حجاباً بينها وبين الحياة التي تنشدها، ويعلو صوتها مع تمرُّدها على شريحتها، ونشدانها لحياة أخرى لها طعمٌ مغايرٌ لما عاشتْهُ في أسرتها.

تستخدم الكاتبة الملابس بصفتها عناصر سرديّة تدلُّ في القصّة على الانتماء لشريحة محدّدة، ولا يكتمل سعي الشّخصيّة للحريّة إلا بتخلّصها من المانطو والحجاب اللذين يرمزان في القصّة إلى الانضواء تحت قيم المجتمع الذُّكوريّ، والرّضى بما يفرضه من نظام استهلاكيّ معيّن. ولا تلبث (وفـا) أن تكتشف ضآلة أمنياتها وهشاشة روحها، إزاء ما تطلقه الحناجر المقهورة المتعبة في الشّوارع من رغبات دفينة، وتتوازى رغبتها في خلع الحجاب والمانطو مع رغبتها في أن تتزوّج من شابٍّ تحبّه، بعد أن تختاره بعيداً عن عائلتها وتعليقاتها السّخيفة وحساباتها الشّكليّة والمصرفيّة، وما تلبث أن تتمرّد على انهماك عائلتها في حياتها التّافهة والمملّة واليوميّة، وترفض نمط الحياة الذي يعيشه إخوتها النّرجسيّون المهووسون بالأرباح والمكاسب، والذين “لا يفكِّرون بغيرهم أبداً” (ص90). وتقرّر أن تهتمّ بالآخرين، وتتمرّد على عائلتها، وتنضمّ إلى المقهورين الذين يملؤون الشّوارع، وما تلبث أن تتخيّل بأنّها انضمّت إليهم فعلا، وأنّهم خرجوا من الشّاشة، وحملوها على الأكتاف، وهي حاسرة الرّأس ومحلولة الشَّعر، وأمستْ مثلهم تنادي مطالبة بالحريّة.

وقد استثمرت الكاتبة التّقاطب المكانيّ للإشارة إلى النّقلة المكانيّة التي قامت بها (وفـا) من حيّها الأرستقراطيّ في أبو رمّانة إلى حيّ ساروجة الشّعبيّ في دمشق القديمة، ولم تكتف برصد تمرُّدها على أسرتها وشريحتها، وانضمامها إلى النّاس البسطاء و(الغلابة)، بل أكّدت أنّها قرّرت الإفراج عن مخزونها الحبيس، والتّخلُّص من حالة (اللّجْم) التي عاشتها طويلاً، وحين أدركت أنّ جسدها يستعصي على الكلام، ويعاني من حالة الحُبسة التي عاشها بسبب الخوف قرّرت الإفراج عمّا كتمتْهُ طويلا، فهتفتْ ضدّ أبيها الفاسد، وضدّ تفاهة إخوتها اللامبالين، وضدّ انصياع أمّها وخنوعها، وضدّ حصارها وجبْنها هي، وما لبث صوتُها أن ارتفع قليلاً ممزِّقاً المناظرَ والحجب والخوف، وعندها لمحتْ ضوءاً ينبثق أمامها، تبعه صوت دويٍّ رهيب، وما لبثت أن تهاوت، وغابت.

هكذا لم يتحْ لـ (وفـا) أن تنعم بالحريّة المشتهاة، إلا أنّها تذوّقت طعمها للحظات، قبل أن يتمّ تغييبها بفعل فاعل. ومن الجميل أنّ المتن الحكائيّ لم يُمِتْها في نهاية القصة بل غيّبها فقط، وهذا يعني أنّ حلمها بتحقيق الحريّة يمكن أن يتحقق، وهكذا بقيت القصّة موشَّحة بالتّفاؤل الفنّي المسوّغ، ولم تقع في شرك الخطابة أو المباشرة، إذ ظلّت تستشرف مستقبلا قادماً يُؤذِن بالتّحقُّق، وبقيتْ (وفـا) رمزاً يمكن أن ينبعث من بين الرّماد في أيّ وقت لمواجهة التّافهين والطّغاة والقتلة.

* ناقد سوريّ