ميشيل سيروب – الناس نيوز :
يتحدث كتاب“الإسلاموية المتطرفة في أوروبا، كدراسة لحالة الجهاديين الفرنسيين في الشرق الأوسط“* ويستعرض الباحث والكاتب وليد كاصد الزيدي تأثير الحركات الجهادية على مُسلمي أوروبا،حيثُ أصبح الإسلام الديانة الثانية في دول كفرنسا و بريطانيا.
الشرق الأوسط مهد الحضارات القديمة والديانات الإبراهيمية الثلاثة وهو أيضاً خزان 60 في المئة من احتياطات النفط العالمية، فاستقرار الشرق الأوسط يعني استقرار العالم. إنه بؤرة الصراع السياسي منذ روما القديمة حتى اليوم.
فشل مشروع النهضة في العالم العربي وعدم قدرة الأنظمة على بناء الدول المستقلة الحديثة جعلت مفهوم الوحدة الوطنية مُهددَاً بل وباتت تُثير علامات استفهام ( العراق، سوريا، لبنان وليبيا ، اليمن ) وعادتْ الاحتلالات لتتصدر المشهد بعد أن أصبح مفهوم الوطنية بين قوسين وحلت مفاهيم عصبية ومذهبية غريبة تكرس الانقسام الطائفي والجهوي والعشائري.
ويتطرق الكتاب إلى القول إن “الربيع العربي” كان نتيجة حتمية لتراكم السياسات القمعية والفاسدة طوال عقود من الزمن، وفشل التنمية كان العنوان الأبرز لتلك الأنظمة. لذا فتنامي ظاهرة الإرهاب ارتكز على: التدخل الأجنبي المباشر واِنسداد الأفق السياسي لشعوب الشرق الأوسط.
نظراً لقرب أوروبا من الشرق الأوسط، فإنَّ انتقال الجماعات الإرهابية من باريس وبروكسل وأمستردام إلى سوريا والعراق يُعدُ أمراً سهلاً،عبر تركيا والخطرالذي أقلق الأجهزة الأمنية الأوروبية هو عودة هؤلاء إلى أوروبا، أسوة بالمجاهدين الذين عادوا من أفغانستان إلى الدول العربية وعُرفت تلك الموجة بالأفغان العرب في تسعينيات القرن الماضي.
هجرة المسلمين لأوروبا:
في ذروة الحرب العالمية الأولى جندت فرنسا مُسلمين من مستعمراتها، وبعد انتهاء الحرب، كافأتْ فرنسا أولئك الجنود بمنحهم الجنسية اعترافاً بتضحياتهم بالدفاع عن الجمهورية وقيمها!. بعد الحرب العالمية الثانية تزايد عدد المسلمين الذين جلبتهم السلطات الفرنسية للمساهمة بإعادة إعمار المدن وتطوير القطاع الصناعي. وبتدفق الموجة الثالثة من المهاجرين، بات المسلمون يشكلون واقعاً اجتماعياً وسياسياً مؤثراً، وشهِدَ المسلمون نكسات العالمين العربي والإسلامي في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، مما دفع الخلاف بين الثقافتين المُتباينتين من الهدنة إلى الصراع المُعلن.
لاحقاً تبلورَ رأيٌ لدى الأوروبيين(الفرنسيين خصوصاً) مفاده بأنَّ المهاجرين وبالأخص القادمين من شمال أفريقيا هم السبب الرئيسي في البطالة والكساد والركود الإقتصادي. وساد مفهوم بأن الإسلام ليس ديناً فقط ، بل إيديولوجيا.(هذا الرأي يُجمع عليه أغلب تيارات اليمين الأوروبي).
يُسلط وليد كاصد الزيدي الضوء على اعتناق الشباب الأوروبي للإسلام في سعيهم للبحث عن القيم الروحية، وتحولهم للإرهاب بعد سفرهم لكابول وبعض المدن العربية وإسلام أباد وبيشاور.
يمكن القول إن العلمانية لم تنجح كثيرا بإدماج المسلمين في برامج تتماشى مع الخصوصية الثقافية للشعوب المسلمة، ففي فرنسا تبنت الدولة مفهوم الانصهار في ثقافة واحدة : Assimilation.
أي التعددية الثقافية Multiculturalisme أما في بريطانيا فقد تم تطبيق برنامج وتم رمي الكرة بملعب الجاليات الإسلامية والقول بأنهم غير قابلين للاندماج ثقافياً في المجتمعات الأوروبية. يتحمَّل بعض الدُعاة المسؤولية الأخلاقية والقانونية عن بعض التفاسير والدعوة للتطرف بدواعي نشر الإسلام الحنيف ، يقول الكتاب بين دفتيه .
يُصنفُ بعض الباحثين الأجيال الإسلامية في أوروبا بتراتبية كما يلي:
1 جيل الآباء الوديعين
2-جيل الإخوان المسلمين المؤسسين للإسلام السياسي.
3-جيل “الإسلام العنيف” الذي آثر الانعزال عن قيم الغرب، والذي تبلور قبل أحداث11/9 وهو ما زال ينشط لغاية اليوم على إثر الممارسات الإقصائية في أوروبا وسياسات التهميش وإهمال الأحياء وازدراء الثقافات.
فشلتْ الحكومات الفرنسية في بعض الجوانب بمعالجة البطالة والتسرب المدرسي وتجارة المخدرات في الأحياء الفقيرة، على ما يقول الكتاب والتي كانت سبباً لبعض الشباب للبحث عن هوية مُناقضة للهوية الفرنسية، هؤلاء الشباب أصبحوا صيداً ثميناً للتطرف والعنف. كما أن نشأة الكثيرين في أحزمة البؤس المحيطة بالمدن الكُبرى دفعتهم للجريمة والدعارة والتطرف الديني. إنَّ مشاهد الخيبة لدى بعض الشباب المُسلم يتحول إلى مشاعر قوة وانتقام عندما يتحول إلى الجهاد.
حسب بعض الدراسات، الجهاديون في الغرب ثلاث فئات:1-الجيل الذي انتقل من أفغانستان والجزائر والشيشان.2- جهاديو القاعدة، ومركزهم وهدفهم الرئيسي أمريكا.3- منفذو هجمات باريس وكوبنهاغن ولندن، وهو الجيل الذي أصبح السند والداعم لدولة الخلافة لاحقاً.
الأنترنت والتجنيد:
لقد تم استقطاب المُهمشين من الشباب ذوي الأصول العربية والأفريقية وتجنيدهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهم مُهاجرون يتشربون العقيدة ويصبحون أكثر تطرفاً حتى في السجون.
إنَّ سلوك أغلب الإسلامويين المتطرفين، هو ردة فعل على بؤسهم ومعاناتهم ومن بينهم من لديه سجل جنائي وإجرامي، لقد تمَّ تجنيدهم بغطاء ديني من قبل تجار الدين، ويُقادون إلى مصير مجهول تحت يافطة الجهاد.
*يعتمدُ الكاتب تعبير: إسلاموي، لأنه يتضمن معنى سياسيا سلبيا، ويتجنب استخدام: إسلامي كصفة من الإسلام.
**الكتاب صادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في عام 2017. وليد كاصد الزيدي: كاتب وباحث عراقي له مساهمات وأبحاث قيمة في دوريات عربية وعراقية. للكاتب أيضاً” الإسلام والاستشراق:دراسة في أدب غوته” 2002. و”القرصنة على الحاسوب والإنترنت، التشريعات القانونية”2003.