– الناس نيوز – أحمد الدرع .
يبدو أن شماعة الحرب ” منفردة ” وما تعانيه سوريا من أزمات اليوم لم تعد كافية لتعليق بعض نواحي الخلل الذي تشهده الدراما السورية مؤخرا ، على الأقل هذه لم تعد فقط وجهة نظر العديد من نجوم سوريا الذين بدؤوا يعلنون مواقفهم الرافضة لتغول بعض شركات الإنتاج وما تقوم به من محاولات لحرف تاريخ الدراما السورية وتحويل مسارها من صناعة الدراما إلى مجرد تجارة للدراما تخضع لحسابات المنتجين الدولارية بعيدا عن نوعية وقيمة هذه الأعمال وفق السجال المعلن في هذه الأوساط .
وصوّت العديد من نجوم الفن في سوريا الرافضين لهذا التغول وامتزج صوتهم بصوت مجموعة بارزة من كتاب الدراما السورية الذين وقعوا مجتمعين على ميثاق شرف التعامل المهني فيما بينهم لحماية أعمالهم ، هو الأول من نوعه …
وحمل الميثاق على ممارسة بعض شركات الإنتاج والدخلاء عليها من مصادرة حقوق الكتاب ومحاولة خلق شرخ وعداوة بين هؤلاء الكتاب ربما في محاولة منهم لتطبيق مفهوم ” لا يفل الحديد إلا الحديد ” بشكل يسيء إلى آداب وأخلاق هذه المهنة ، كما يقال ، إلا أن شركات الإنتاج تقول عادة إنها ليست مؤسسات خيرية ، فهي تصرف أموالا طائلة من أجل التأثير في قناعات الرأي العام ولها هدف من أعمالها ومصالحها فضلا عن اعتبارات سياسية مبطنة كونها تستخدم الفن كإحدى القوى الناعمة لاكتساب جمهور إلى خطها السياسي والاجتماعي .
وصدر البيان الخميس ووقع عليه كل من الكتاب د. ممدوح حمادة، مازن طه، نور شيشكلي , خلدون قتلان ، علي وجيه ، فؤاد حميرة، خالد خليفة، رافي وهبي، سامر رضوان، إياد أبو الشامات، إيمان سعيد، كوليت بهنا، سلام كسيري، رانيا بيطار، عثمان جحا، عدنان العودة ، بلال شحادات… فيما يعتقد أن آخرين سينضمون لهم لاحقا
وجاء نص البيان في مقدمته “انطلاقا من أن الدراما السورية لم تكن مجرَّد عملٍ ربحيٍ يتوسل التواجدَ على مِنصاتِ العرضِ التلفزيونيةِ فحسبْ ، بل كانت وستبقى جزءاً من هويةٍ ثقافيةٍ وفكريةٍ من وجهةِ نَظَرِ صُنّاعِ المحتوى الدرامي على أقلِّ تقديرٍ وتوصيف ونتيجةَ إحساسِ الجمهورِ بشيءٍ من الخذلان ، بعد خروجها من ساحة المنافسة ، وَجَبَ علينا ككتاب دراما مستقلين التنادي من أجل محاولة وضع ضوابطَ أوليةٍ قد تشكّلُ الخطوةَ الأولى لمرحلةِ التعافي ، ولو بصيغةِ اتفاقِ الكتابِ فيما بينهم ، وبيان آمالهم وتطلعاتهم وقد صار النفق واضحَ المعالم ، وبائنَ المخاطر .
هل هذا يعني أن المسألة بيدنا وحدنا؟! بالتأكيد لا، لكنَّ كتابَ الدراما السوريةِ هُمُ العمودُ الفِقْرِيُ للصناعة، واللبنةُ الأولى في تأسيس الهويةِ الفكريةِ لهذا المنتج، لأنهم ساهموا عبر أعمالهم التي غَزَتِ المحطاتِ العربيةَ، في تعريف الآخر ببلدنا وطبيعتِها وثقافتِها ولهجتِها، وخصوصيةِ تَشَكُّلِ حوامِلِها الاجتماعيةِ والسياسيةِ والدينية.
وعليه : فإننا نرى أنَّ الخطوةَ الأولى للدخول مجدداً إلى ساحة الحضور ، تنطلق من منع الاعتداء على نصِّ الكاتب ، وعدمِ العبثِ بشخصياته التي كتبها وفق تصوُّرٍ صارمٍ يُحيلُ إلى موقفٍ ودلالةٍ لا يجوزُ المساسُ بها .
وانطلق هذا الموقف بعد عدد من الحوادث التي تتلخص باستقدام كتّابٍ وتكليفهم لتبديلِ أو تعديلِ الناتجِ الأصيل ، وخروجِ نتاجٍ لا يشبه المحتوى المتفقَ عليه ، والذي قد يخالفُ موقفَ كاتِبِهِ الأصليِّ بزج كلام الآخرين وأفكارِهم فيه.
وتضمن البيان في بنوده التالية تعهدا واضحا من كل الموقعين بالالتزام وبعدد من النقاط هي :
أنا الكاتب ( ة ) السوري ( ة ) المستقل ( ة ) بمجرد إعلان هذه الوثيقة ، أتعهد باحترام منجز زملائي ، وعدم التدخل في نصوصهم ، أو تعديل أيِّ بناءٍ دراميٍ لهم، أو إعادةِ كتابته، أو استكمالِه نيابةً عن صاحبِه المتعاقدِ عليه أصولاً ، إلا في حالِ الحصولِ على موافقةٍ خطّيةٍ مُسْبَقَةٍ منه، وبما يضمنُ كافّةَ حقوقِهِ الماديةِ والمعنوية.
أنا الكاتب السوري المستقل : آمل من شركائي المِهْنِيينَ من منتجين ومخرجين وممثلين وفنيين، تأييدَ هذه الوثيقة بإعلانها، متطلعاً إلى دعمهم من أجل إعادة الاعتبار للضوابط المتعارف عليها في كل دول العالم.
أنا الكاتب السوري المستقل:أعتبر أن الأوانَ قد حانَ لتغييرِ صيغةِ العقدِ الذي تُبْرِمُهُ شركاتُ الإنتاجِ مع الكاتب، من صيغة عقدِ (إذعان) إلى صيغةِ عقدٍ يضمنُ حقوقَه وحقوقَ جميع الأطراف الأخرى ، وأدعو المؤسساتِ الرسميةَ والخاصةَ المعنيةَ بالإنتاجِ الدرامي ، للمشاركة في وضع صياغةٍ قانونيةٍ موحَّدةٍ لعقود كتاب الدراما ، تضمن حقوقَهمْ في الملكيةِ الفكريةِ والأدبيةِ لنصوصهم ، وتمنعُ أيَّ شكلٍ من أشكالِ الاعتداءِ عليها ، وتراعي عدمَ سلبِهم ثمراتِ جهدِهم في تأليفِها ، وتكفلُ عدمَ تعديلِ أو تحريفِ كتاباتِهمْ شكلاً أو مضموناً ، وتضمن حقَّ الكاتب في استخدام مقاطع من عمله ، ليبثَّها على قنواتِه الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي ، كحقٍّ قانوني لا ينتقِّصُ من حقِّ المُنْتِجِ في عرضِ كاملِ الحلقات ، وأن يُنظر إلى هذا المطلبِ – من جميع الزملاء – كَنَقّلَةٍ حضاريةٍ جديرةٍ بالاحترام ، وليس كمطالبةٍ بتقاسمِ الغنائم، سعياً لبناءِ وإرساءِ علاقةٍ قائمةٍ على احترام الرأي والرأي الآخر ، وعلى الأسسِ المِهْنِيَةِ الموضوعيةِ التي تحفظُ لكلِّ مختصٍّ حقوقَ ممارسةِ اختصاصه ، وعلى القواعدِ الأخلاقيةِ المتعارفِ عليها.
أنا الكاتب السوري المستقل:أدركُ أنني جزءٌ من الحَراكِ الفكري للهوية الوطنيةِ بشتى تفرعاتِها وتقسيماتِها ، وأن سوريا هي أولاً وقبلَ أيِّ شيء آخر ، وأعي أن تراجع دراماها إنما هو انعكاسٌ طبيعيٌ لحالة الصراع الذي تعيشه يومياتُها ، وأنه من غير الممكنِ بأيِّ حالٍ من الاحوال ، تحسينُ المُنتَجِ الدراميِّ بواقعِ الأوضاعِ الراهنةِ أو بمعزِلٍ عنها ، وخصوصا في ظلِّ افتقاد الدراما الواقعيةِ لمصادرِ التمويلِ المستقلَّةِ ، ولمِنَصَّاتِ العرضِ المهتمة فإن كان من الطبيعيِّ أن أهاجر وغيري من زملاء المهنة مؤقتاً للعمل في الإنتاجات المشتركة ، ريثما يستيقظُ رأسُ المالِ المحلي ، لأخذِ دوره في رحلة البناء القادمة رغم شقائها ، فإنني آمل أن لا يتم استهدافي بسبب ما أطرحه في عملي الدرامي من مواقف فكريةٍ أو سياسيةٍ، أو تقييدِ حريةِ تفكيري مما يؤثر سلباً على نوعية الدراما التي أقدِّمُها.
أنا الكاتب السوري المستقل:أعي أن العالمَ العربيَّ يعيشُ تحولاتٍ جذريةً وعميقةً في كلِّ الميادين، وعلى كافة الأصعدة ، وأن الصراعَ المحتدمَ بمختَلِفِ أشكاله وتجلياتِه و مواقفِ أقطابه ومصالِحِهم، يعيدُ تشكيلَ الهوياتِ وتعريفَ مفاهيمِها وصياغةَ عقودِها الاجتماعيةِ، مستخدماً – فيما يستخدم- الأعمالَ الدراميةَ كقوةِ تغييرٍ ناعمة ، لما تمتَلِكُهُ من جاذبيةٍ بصريةٍ و حكائيةٍ، وتأثيرٍ عميقٍ لنجومِها على جمهور المشاهدين .
لهذا أرى أن الخطرَ لا يَكمنُ فقط ، بتحميلها أجنداتِ مموليها السياسيةِ ، ولا حساباتِ مُنْتِجِيَها الربحيةِ، ولا مجموعةِ القِيَمِ التي تَهدُفُ مِنصاتُ عرضِها لتكريسِها ، بل تكمنُ الخطورةُ أيضاً ، بإبعاد الإنتاجاتِ الدراميةِ عن واقِعِهَا ، ومحاولةِ تعقيمِها ، ونزعِها من شرطها التاريخيِّ وعزلِها عن محيطها ، أملاً في خفضِ قوةِ تأثيرِها على مجتمعاتها ، وإظهارِها كَمُنْتَجٍ كسيحٍ ، يسيرُ في وادٍ ، وواقِعُهُ يسير في وادٍ آخر وهذا يعني بدايةَ فَكِّ الارتباطِ مع الجمهورِ المستهدف ، الذي تابعنا ردودَ أفعالهِ الغاضبةَ من دراما تتحدث لهجةَ بَلَدِهِ ، إلا أنه لا يرى نفسَهُ بها ، ولا مشكلاتِه فيها .
أنا الكاتب السوري المستقل :أتحملُ كاملَ المسؤوليةِ عن أعمالي الدراميةِ التي ساهمت في رسمِ صورةِ الدراما السوريةِ الحالية ، مدركاً أن دوري في ما آلت إليه ، هو دورٌ مركزيٌ ورئيسيٌ وجوهريٌ ، وأن مهمتي كمحترفٍ يتقنُ الكتابةَ الدراميةَ ، أو كمثقفٍ يعي خطورةَ المُنْتَجِ الدراميِّ وحساسيةِ توظيفِه ، لا تستقيمُ موضوعياً من دون الشراكةِ الإيجابيةِ مع زملائي . لهذا آمل منهمُ المساهمةَ في مناقشةِ وتطويرِ هذه الوثيقة ، على قاعدةِ المصلحةِ المشتركةِ في تحسين الأداء الدرامي ، وتقديمِ إنتاجات دراميةٍ تحترمُ عقل المشاهد، وترتقي لمستوى التغييرات الهائلةِ التي تصيب مجتمعاتِنا العربية. داعياً إلى مشاركةِ جميع الشركاء من أصحابِ القراراتِ الإنتاجيةِ الدراميةِ في المؤسسات الرسمية ، والشركاتِ الخاصة ، ومحطاتِ التلفزة ، والبثِّ عبر الإنترنت ، إضافة إلى الزملاء المخرجين والممثلين والفنيين ، ومن يعنيهم الأمر من صحفيين ونقادٍ ومتابعين ، أدعوهم إلى نقاش مفتوح ، وإلى مراجعة جريئةٍ معلَنَةٍ لما جاء في بنود هذه الوثيقة.
أنا الكاتب السوري المستقل أتعهد أن أقف موقفاً واضحاً ومباشراً من أي اعتداء على نصوص زملائي ومساندتهم إذا ما تعرّضت نتاجاتُهم للاعتداء ، املاً في إرساء تقاليد تمنع استقدام الغرباء للعب بأفكار الكاتب ومواقف شخصياته ومقولات حكاياته”.
ولاقى الميثاق خلال بضعة أيام من انتشاره على وسائل الإعلام الاجتماعي تفاعلا من النقاد والإعلاميين المعنيين ، والفنانيين والمخرجين الذين أبدوا دعمهم لحقوق كتاب الدراما .
وحسب رصد جريدة ” الناس نيوز ” الإلكترونية الأسترالية تبين أن البعض من المتخصصين بالوسط الفني والثقافي اكتفوا بوضع الإعجابات وقلوب الحب على الميثاق والبيان على صفحات كتاب الدراما دون أن يقوموا بمشاركتهم على صفحاتهم ربما خوفا أو تحوطا من ردود فعل بعض شركات الإنتاج تجاههم أو لاعتبارات أخرى، لكن البعض الآخر ساهم بالمشاركة والتعليقات الايجابية الداعمة .
والسؤال المطروح هل يمكن مستقبلا أن يُجمع الفنانون على ميثاق عمل كميثاق كتاب الدراما ضد تدخل بعض شركات الإنتاج أم أن ” لقمة العيش “والشهرة والاعتبارات الأخرى ستكون هي الدوافع البارزة التي تحرك منظومة السلوك والشللية في الوسط الفني
.