مجد علي – الناس نيوز :
صدر عن دار جسور للنشر كتاب ” ناجٍ من المقصلة ” الذي يوثق ثماني سنوات في سجن تدمرأمضاها الكاتب السوري محمد برو، وهو في سن السابعة عشرة من العمر.
قبل السَّرد..
وقبل نزْف الحكايات..
إنها حكايةُ الآلاف ممّن قضَوا في ذلك السجن الرهيب، وضاعت حكاياتُهم، كما ضاعت حقوقُهم، وضاعوا عن قلوبٍ ما زالت إلى هذه الساعة تنتظرهم..
هي حكايةُ الآلاف من الناجين، وأنا واحدٌ منهم.. ولعلَّ الكثير منهم لم ينْجُ بعد، وإنْ خرج بجسده من السجن حياً، لتكون زنزانته معه وقد صُلبتْ روحُه فيها، وقد تصوَّحت آمالهم بالانفكاك عنها..
حتى لا يُقتل القتيلُ مرتين، مرةً حين ذبحَتْه مِدْيةُ الجلاد، وأخرى حين نذبحُه بمبضعِ النسيان، حريٌّ بنا أن نشيدَ لكلِّ ضحيةٍ منهم نصبَ تقديرٍ وإجلالٍ في نفوسنا، كي يبقوا أحياء بيننا، تحدّثُنا حكاياتُهم دائماً، أنهم لم يستوفوا حظَّهم من الإنصاف بعد، وأنّ العدالة لم تأخذ مجراها كما نتمنّى، ولا سبيلَ إلى سلامٍ دون ذلك..
إنّها حكاية آلاف الأمهات والزوجات والشقيقات والأبناء والبنات..
إنّها حكاياتٌ سيتناقلها الجيران همساً في الأماسي الحميمة، وهم يتذكرون عشرات الشباب والرجال الذين سِيقوا من بيوتهم ليلاً، إلى مصيرٍ مجهول..
إلى جميع الأصدقاء في رحلة العذاب تلك.. إلى جميع الشركاء في تلك الملحمة التي لم تترك بيتاً سورياً إلّا واقتاتت من دمه : ستفرّقنا الأيامُ والحوادث، لكنها وحدَها قصةُ السجن الرهيب مَن تُوحّدنا، وكلما ندَّتْ عن أحدنا همسةٌ، أو نُقلتْ عنه حكايةٌ، في أيّ بقعةٍ من الأرض الرحبة، تلقّفَتْها أرواحُنا جميعاً، فنحن شركاء الدم جميعاً، وأولُ مَن سيهتف بنداء الحرية، ويستجيب له..
وكما نزفتْ أجسادُنا وأرواحُنا في تلك السجون، فقد كان أهلونا وأصحابُنا رجْعَ الصدى لصرخاتنا وأنّاتنا، هي ملحمةُ الذلِّ والعذاب التي تَشارك فيها الشعبُ السوري، من أقصاه إلى أقصاه. طويلٌ كان صمتُنا، ومع أننا خرجنا من تلك السجون الدامية، إلّا أن قبضة الجلاد والجزار ما زالت تُحْكم بأصابعها على رقابنا وتكمُّ أفواهَنا، ولهذا ستتكرر تلك الجريمةُ مرات ومرات.
إنَّ البدءَ بسردِ تلك الحكايات واستمرار روايتها، ربما يخلق حماسةً جماعيةً، ورأياً عاماً، يدفع لمحاكمة أولئك المجرمين وتقديمهم للعدالة، كيلا يستمرئ القتل والتعذيب من سيعقبونهم. كما أنّه يحمل في طيّاته ردَّ اعتبارٍ لآلاف الضَّحايا والنّاجين الذين شوِّهت صورتهم.
لن يكون بمقدور أحدٍ منّا أن يحكي حكايةَ السجن الطويلةَ بمفرده، فهي آلاف الحكايات والوقائع التي يختلف صداها عند كل راوٍ، كلُّ سجينٍ بذاته حكايةٌ مستقلة، وإن تقاطعَت المساربُ العريضة لتلك الحكايات… السورية . قصة شعب داخل وخارج السجن .