ميشيل سيروب – الناس نيوز
تَغوص كفى الزعبي في قاع مدينتين، لتقدم لنا مشاهد قاسية عن حياة المُهمشين في عمَّان والزرقاء الأردنيتين. وتتساءل بكل براءة، من أين تتناسل هذه القسوة؟ ينبع البؤس والشقاء من الشخصيات النسائية ومن اِزدواجية حياة الذكور على حدٍ سواء. امرأة تعمل في حانة، وامرأة بدينة تغني بلا انقطاع، وأخرى عاهرة، وثالثة بلهاء، بائسة وغبية تعيش على هامش المدينة، في ظروف لا إنسانية وسط رجال قُساة القلوب لا يعرفون الرحمة وآخرين لا مُبالين وبائسين. بطل الرواية لا يحيا ولا يموت، الأب مُنافق ومُتدين وبلا قلب ككل الرجال الذين يرتَدون ثوب الطهارة وهم مُراؤون بلا أخلاق، ورجل آخر عاشق يموت مُنتحراً! هذه بعض النماذج من شخصيات الرواية، وكأننا نعيش في كابوس من كوابيس فرانس كافكا(كاتب تشيكي 1883-1924) في عالم سُفلي بلا نوافذ، شقة سكنية بلا إضاءة بلا أمل، وجثة تتعفن بمرر الوقت. تتعمد كفى الزعبي أن تُشاركنا عوالم عمَّان البائسة والمُعذبة. يقول راعي بطل الرواية” ما جدوى أسئلة العقل، ما دامت سعادة المرء الغريزية تزداد طرداً كلَّما ازداد جهله” ص161.
الرواية تستعرض تناقضات المجتمع الأردني وهشاشة العلاقات بين البشر، عن الوجود والعدم، عن مُعاناة الناس وانفصام الشخصية في السلوك اليومي لدى الذكور والإناث. بطل الرواية، مُثقف، يعيش في زمانين ومكانين مُتناقضين، يُعاني جنسياً ككل شخصيات الرواية، ويتحمل وطأة الحياة وقسوة العلاقات اللإنسانية، لا يستطيع أن يكون إنساناً سوياً وسط علاقات تحكمها مقولة” إن لم تكن ذئباً أكلتكَ الذئاب”.ص163. يتساءل راعي ما معنى الثقافة والفكر بين شخصيات تعيش على حافة الموت والجنون، على حافة الاِنتظار والخوف من المجهول. كمدرس كان عليه أن يحمل رسالة تربوية، لكنه يفشل بالانسجام مع مُدرسين يلجؤون لصلاة الاستسقاء كي يهطل المطر، بينما” أفكِّر أنا في صلاة استجفاف تُجفِّفُ منابع ذاكرتي فتنتابني رغبة في الصراخ في وجه هذا العالم”ص261 مُحدثاً نفسه، لذا كان الخمر عزاءَه وملجأه الأخير في أزماته المتكررة وصراعه المستمر مع الأب، رمز السيادة والاستبداد في الشرق.
نتلمس في الرواية عوالم فيودور دوستويفسكي( روائي روسي1820-1881) بانتصار الشر وغرق أرواح المعذبين في الطين، بينما ينجو الأشرار ويحظون بمباركة السماء! تكتب كفى الزعبي بجرأة عن الحياة الاِجتماعية في عمَّان، بما لا نستطيع أن نُفكر به، وتقدم تحليلاً عميقاً للنفس الإنسانية عبر تكبد شخصياتها عذابات وعناء لا طاقة للإنسان على تحملها. رُبما المستقبل سيُنقذ تلك الأرواح من عذاباتها، لكن الروائية لا تترك بصيصاً للتفاؤل وتتساءل مُتشككة، هل هُناك من أمل؟ ص225
الرواية تقتبس مفردات من حياة گلگامش وإنكيدو وصداقتهما في العالم السفلي ووهم البحث عن عُشبة الخلود. أما في عمَّان فإن الشمس باردة ولا رجاء بعودة الدفء للحياة فيها، بطل الرواية يتمنى أن يتحول إلى حشرة وتبدأ الهلوسات تطفو في اللاوعي وبلحظة فارقة يُناجي السماء” يا إلهي! لماذا تركتني” ص261. الرواية تضعنا أمام مفترق طرق: هل سيعود الدفء لشمس عمَّان ولأهل عمَّان أم أننا على موعد مع القدر نعيش الحياة بلاجدوى، بلا هدف؟ الرواية صادمة بجرأتها عن أزمة العقل العربي بشقيه الحضاري والوجودي، عن مفردات ما زالت تحتل حيزاً في الفكر، كمفهوم الجنس والخيانة، الإيمان والإلحاد.
*كفى الزعبي: روائية أردنية من مواليد عام 1965 عمان، تعمل في الصحافة الأردنية والعربية. للكاتبة”سقف من طين” سرد وبوح ذاتي. ولها أيضاً: ليلى والثلج ولودميلا، ابن الحرام، ورواية سين. ورواية كتبتها باللغة الروسية: عُد إلى البيت يا خليل.
**تم إدراج الرواية في القائمة القصيرة للجائزة العالمية للروية العربية(البوكر) لعام 2019.