بغداد – الناس نيوز – وكالات: يرفع أبو هاشم، رجل الأعمال العراقي الخمسيني، ثوبه إلى ركبتيه، وهو يشرف على إعداد حصص غذائية عند مدخل أحد المتاجر الكبيرة في بغداد، ضمن حملة تعاضد أطلقها العراقيون لمساعدة العائلات “المتعففة” كما يسمونها، في ظل تفشّي وباء كورونا المستجد الذي قطع أرزاق كثيرين.
يقول أبو هاشم إن “ما نقوم به واجب إنساني تجاه المجتمع ويجب على كل ميسور أن يقوم بهذا العمل”.
أودى فيروس كورونا (كوفيد-19) حتى الآن بـ 56 عراقياً وأصاب أكثر من 800 شخص، بحسب وزارة الصحة العراقية. لكن هذه الأرقام قد تكون أقل من الإصابات الموجودة الفعلية، إذ أن أقل من ثلاثة آلاف شخص من أصل 40 مليون نسمة خضعوا للفحص في أنحاء العراق.
لكن إلى جانب الإصابات، تفرض السلطات حظراً شاملاً للتجول في عموم البلاد منذ نحو 20 يوماً، أرغم العديد من أصحاب المصالح على تعليق أعمالهم، وبالتالي انعدام الدخل، في بلد يعيش فيه واحد من خمسة أشخاص تحت خط الفقر، رغم كونه أبرز الدول النفطية.
وبات المياومون وموظفو القطاع الخاص بلا دخل. فقط موظفو الخدمة المدنية هم من يتلقون أجورهم اليوم.
لذلك، تتوزع مجموعات من الشبان في أحياء عدة من بغداد، قررت أن تمد يد العون للأسر التي انعدم دخلها.
تصطف تلك الأكياس على أرصفة قبالة متاجر مواد غذائية، قبل توزيعها على المنازل المحتاجة.
يوزع هؤلاء أكياساً بلاستيكية معبأة بمواد أساسية، كالسكر والعدس والفاصولياء، إضافة إلى الأرز.
تصطف تلك الأكياس على أرصفة قبالة متاجر مواد غذائية، قبل توزيعها على المنازل المحتاجة.
يقول مصطفى العيسى (31 عاماً)، وهو منسق حملة “منتظرون” في بغداد “بعد فتوى المرجعية الدينية العليا، قررنا جمع مبالغ وتوزيع المؤن على العائلات. وزعنا لأكثر من 450 عائلة حتى الآن”، حسب وكالة الصحافة الفرنسية.
أخطر من داعش
ويضيف أن “بغداد مليئة بالطعام، لكن الناس غير قادرة على الشراء. هناك عامل ورشة لديه عائلة مكونة من ثمانية أشخاص، وآخر اضطر لبيع جرة غاز ليشتري طعاماً، وأخرى تطلب مساعدة في غير حيها لخجلها من أبناء منطقتها!”.
يشير مسؤول حكومي إلى أن الأسوأ لم يقع بعد، إذ أن “انعدام الغذاء قد يطال 50 في المئة من السكان بحلول أيار/مايو”.
ويتوقع العيسى أن تطول الأزمة، لذلك هناك خطط “للشهر السابع (تموز/يوليو). لدينا أشخاص تخزن الآن كي نوزع في وقت لاحق إذا استمر الأمر (…) لأن هذا الخطر أكبر من داعش”.
وأقدم أصحاب عدد من المحلات التجارية أيضاً، على وضع صناديق لتلقي تبرعات مالية ممن يرغب من زبائنهم بدعم المحتاجين.
تأتي هذه الأزمة في وقت يشهد فيه العراق أزمة سياسية حادة، تديرها حكومة تصريف أعمال استقالت نهاية العام الماضي، في انتظار محاولة تشكيل حكومة جديدة هي الثانية منذ بداية العام.
وعليه، تنعكس هذه الأزمة على الوضع العام، ليجد المواطنون أنفسهم عالقين وسط أزمة صحية، يواجهونها بنظام صحي متهالك أنهكته الحروب، وبانعدام الإجراءات والدعم المجتمعي.
لهذا السبب، حوّل أسعد الساعدي (40 عاماً) منزله في شرق العاصمة بغداد، إلى ورشة لتصنيع الكمامات الطبية وتوزيعها مجاناً على المواطنين.
منزل لتصنيع الكمامات
يقول الساعدي الذي ترك ألمانيا التي يقيم فيها منذ سنوات، وعاد إلى العراق منذ أكثر من ستة أشهر لمناصرة المتظاهرين المطالبين بالتغيير “أدركت أن الوباء ينتشر بسرعة وأبسط مقومات مواجهته غير متوفرة”.
فبادر الساعدي مع أفراد عائلته إلى شراء ماكنتي خياطة وأقمشة تصنع منها عادة الكمامات، ويتناوبا عليها هو ووالدته”، قبل إيصالها عبر دراجات هوائية أو نارية إلى المنازل بمعدل عشر كمامات للعائلة الواحدة”.
وينجز الساعدي، الذي ترك زوجته وأطفاله في ألمانيا، ما يقارب ألف كمامة يومياً، ويتطلع إلى صناعة ملابس خاصة بالكوادر الصحية، خصوصاً مع النقص المزمن في المعدات الطبية والأدوية.
تصل يد العون حتى إلى مدينة البصرة، في أقصى الجنوب العراق، الذي يعوم على بحر من النفط، حيث يتولى الموظف الحكومي أحمد الأسدي إدارة فريق من سبعة أشخاص بينهم أربع فتيات، لجمع التبرعات لشراء وتوزيع مواد غذائية.
يقول الأسدي إن “كل شيء بمبادرة شخصية من المتبرعين والمتطوعين، وبدون أي دعم من الأحزاب أو جهات حكومية”.
ثروة العراق النفطية التي جعلته ثاني أكبر المنتجين في منظمة أوبك، تنتهي بتصنيفه في المرتبة الـ16 في لائحة الدول الأكثر فساداً في العالم، ما يفسّر قليلاً حالة العوز الكبير بين أبنائه.
حتى يرحمنا الله
ومن الحلة إلى النجف والناصرية، جنوب بغداد، هي المبادرات نفسها، من مساعدات وحسومات وتخفيضات، وحتى رفض بعض المؤجرين استيفاء الدفعات الشهرية من المستأجرين.
ووصولاً إلى سامراء، شمال العاصمة، تسارع متبرعون بينهم سيدات للمساعدة في تخطي الأزمة.
والجدير بالذكر، النزاعات التي شهدها العراق على مدى العقود الأربعة الماضية وخلفت دماراً ومئات الآلاف من القتلى والمعوقين في كل عائلة عراقية من أصل عشرة، بحسب الأمم المتحدة، رغم أن العراق يسجل أدنى معدلات توظيف للإناث في العالم بأقل من 15 في المئة.
وصلت الحملات إلى غرب البلاد، وتحديداً محافظة الأنبار، حيث أطلق البعض دعوات عبر مواقع التواصل الاجتماعي لاستضافة عائلات للإقامة في المحافظة الصحراوية، إذ لم تظهر هناك سوى حالتان.
وفي انتظار أن تنجلي غيمة المرض الذي اجتاح العالم، يقول الخمسيني محمد الجبوري، صاحب مزرعة في محافظة بابل الجنوبية، إن “واجبنا اليوم مساعدة المحتاجين، حتى يرحمنا الله ويخلصنا من هذا الوباء”.