لوس انجلوس – الرياض – الناس نيوز :
جميلة غاندي – فوربس – عند رؤية أسرار دمدم، قد لا يظهر عليها ما تتوقعه عند التفكير في العلماء. لقد قطعت شوطًا طويلاً منذ أن كانت تعمل لساعات طويلة في المختبرات، فهي اجتماعية وتحمل قدرًا وافرًا من الثقة بالنفس، كما أنها نادراً ما ترتدي هذه الأيام معطف المختبر الأبيض. وبدلًا من ذلك تتوزع بين أدوار عديدة لكونها صاحبة شركة ورائدة أعمال.
تقنية حفظ الطعام
تستفيذ دمدم الباحثة السعودية (28 عامًا)، والمؤسسة والرئيسة التنفيذية لشركة (Uvera) الناشئة في مجال التكنولوجيا الحيوية، من دعم مستثمري وادي السيليكون. ومن خلال تطوير تقنية حفظ الطعام داخل الأجهزة التي يمكن وضعها في أي ثلاجة، تهدف (Uvera) إلى زيادة العمر الافتراضي للطعام وتقليل النفايات. تبتسم بقولها: “حاليًا، نسعى لجمع 3 ملايين دولار، ونعمل جاهدين لتحقيق هدفنا الكبير، المتمثل في الإطلاق التجاري للمنتجات الاستهلاكية في مارس/ آذار 2022”.
تعتقد الرئيسة التنفيذية أنها توصلت لحلٍّ لهذه المشكلة العالمية؛ إذ تشير التقديرات إلى أن نفايات الطعام وحدها تعد ثالث أعلى مصدر للغازات المسببة للاحتباس الحراري بعد الولايات المتحدة والصين على مقياس الدول، وفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة.
قطاع الغذاء
فيما يمثل قطاع الغذاء حوالي %30 من استهلاك الطاقة في العالم، ونحو %22 من إجمالي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. وقد نتخلص من حوالي %8 من إجمالي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في العالم، إذا تم القضاء على هدر الطعام تمامًا، وفقًا لبعض التقارير.
تبعث هذه الأرقام على التفكير، فالأمم المتحدة تقدّر أن ثلث جميع المواد الغذائية المنتجة سنويًا، بما يعادل 1.3 مليار طن أي حوالي تريليون دولار، ينتهي بها المطاف بالتعفن في صناديق المستهلكين وتجار التجزئة، أو تفسد بسبب سوء النقل وممارسات الحصاد الخاطئة. وهنا يأتي دور (Uvera).
وتستخدم تقنية الشركة الناشئة طولًا موجيًا محددًا من الأشعة فوق البنفسجية (UV) لتعقيم الطعام، والقضاء على البكتيريا والفيروسات ومسببات الأمراض المختلفة التي تؤدي إلى التلف، أو تتسبب في الأمراض المنقولة بالغذاء.
في حين حصلت تقنية (Uvera) على الموافقة من إدارة الغذاء والدواء الأميركية. وتزعم شركة التكنولوجيا الحيوية أن تقنيتها القائمة على الضوء، والتي يتوقع حصولها على براءة الاختراع، ستكون قادرة على التنبؤ بموعد فساد الطعام الطازج، وإطالة عمره الافتراضي بنسبة تصل إلى %63 في المتوسط، في غضون 30 ثانية. وبهذا فإن هدفها النهائي هو المساعدة في خفض هدر الطعام إلى النصف بحلول عام 2030، عن طريق تقليل نفايات الفرد على مستوى البيع بالتجزئة والاستهلاك، وتقليل الخسائر الغذائية على طول سلاسل الإنتاج والإمداد.
نشأة الشركة
تأسست الشركة الناشئة في يونيو/ حزيران 2019، وتباشر أعمالها حاليًا من مقرين، أحدهما في مجمع البحوث والتكنولوجيا بجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (KAUST) في السعودية، والثاني في أنقرة بتركيا، مع إجراء التصنيع في
تايوان والصين. بينما لم تكشف دمدم عن سعر المنتج الاستهلاكي، لكنها تؤكد أن هذه المنتجات ستكون خالية من المواد الكيميائية، ومناسبة الحجم ويمكن حملها بسهولة، فضلًا عن كونها سهلة الاستخدام بحيث يمكن تثبيتها داخل أي جهاز للتبريد.
حتى الآن، يبدو أن (Uvera) تقدم منتجًا فريدًا من نوعه. ومن بين المنافسين الذين يقدمون منتجات مشابهة شركة (Winnow Solutions) التي تتخذ من لندن مقراً لها، إذ تستخدم تقنيات الرؤية الحاسوبية المدعومة بالذكاء الصناعي، لمساعدة الطهاة في تحديد وتتبع نفايات الطعام تلقائيًا. إلا أن هذه الأداة التي تعتمد على الوعي تختلف اختلافًا كبيرًا عن حل الأشعة فوق البنفسجية (UV LED) الذي تتحدث عنه دمدم.
يوضح البروفيسور الدكتور، شياوهانغ لي، من جامعة الملك عبدالله: “الثنائي الباعث للضوء للأشعة فوق البنفسجية (UV LED) هي التقنية الوحيدة التي يمكن أن ينبعث منها ضوء الأشعة فوق البنفسجية القاتلة لمسببات الأمراض، مع التمتع بحجم صغير ومناسب، لا مثيل له، وموثوقية وطول عمر”. ويضيف: “تعد (UV LED) تقنية واعدة للغاية للمياه والهواء والأسطح المختلفة، بما في ذلك الطعام”.
فيما يمكن أن تساعد أيضًا في تقليل انبعاثات الكربون أثناء عمليات نقل الطعام وتخزينه، حيث لا يلزم أن تكون درجات الحرارة منخفضة بشكل كبير.
بداية الطريق نحو الاختراع والابتكار
إن (Uvera) ليست محاولة دمدم الأولى في الاختراع والابتكار؛ فأثناء دراستها للحصول على درجة الماجستير في الفيزياء الكهربائية من جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، ابتكرت جهاز “كُم القلب” وهو عبارة عن منصة إلكترونية قابلة لإعادة التشكيل، مصنوعة من السيليكون السربنتين، بما يشبه خلية النحل، ومصممة لتكون جهازًا مساعدًا للقلب. كما حصلت لاحقًا على جائزة لوريال- اليونسكو لدعم النساء في مجال العلوم، وتكريم المواهب الشابة في الشرق الأوسط، عن جهودها تلك.
كذلك اكتشفت لأول مرة قوة تقنية الأشعة فوق البنفسجية في عام 2018، أثناء دراستها للحصول على درجة الدكتوراه في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية. وركزت إحدى الدورات التي أشرف على تدريسها البروفيسور “لي” على تحسين كفاءة الكَم الداخلية والكفاءة الإشعاعية لأشباه الموصلات من (UV LED).
أثناء الدراسة في تلك الدورة، وجدت دمدم ورقة بحثية منذ عام 2013 كتبها ستيفن برتز وآخرون، أظهرت تأثير الأشعة فوق البنفسجية في إطالة العمر الافتراضي للأطعمة الطازجة. تتذكر قائلة: “لقد انبهرت بهذا الاكتشاف العلمي الذي لم يكن بحاجة إلى تدخل بشري حتى يعمل”. وقد أثار البحث فضولها لمعرفة مدى نطاق هذه الفكرة، فاشترت بعض مصابيح (LED) للأشعة فوق البنفسجية لبناء نموذج أولي.
وبعد انطلاق مسيرتها في مجال العلوم بعام واحد، بدأت رحلة دمدم في ريادة الأعمال في عام 2019، عندما قدمها أحد الأصدقاء لبرنامج تدريبي على ريادة الأعمال في كاليفورنيا برعاية مؤسسة “مسك” السعودية.
فتقدمت بطلب ووقع عليها الاختيار لحضور البرنامج الصيفي 2019 لتدريب رواد الأعمال (Hero Training) في جامعة درابر في وادي السيليكون (Draper University). حينها قررت الحصول على إجازة لمدة عام من دراسة الدكتوراه، لكنها وجدت البرنامج صعبًا. تتذكر: “تدنّت ثقتي بنفسي خلال مشاركتي بالبرنامج، فقد كنت الباحثة العلمية الوحيدة التي ليس لديها أي معرفة في مجال الأعمال”.
في نهاية برنامج ما قبل تسريع الأعمال، والممتد لـ5 أسابيع، طرحت دمدم فكرة عملها على مشروع (Uvera) وتم تصنيفها في المرتبة الأولى من بين 116 مشاركًا ضمن 18 دولة مختلفة. كما تم تصنيف عرض منتجها على أنه الفكرة التجارية الأكثر قابلية للاستثمار من قبل أكثر من 30 شخصًا من أصحاب رؤوس الأموال والمستثمرين ورجال الأعمال في وادي السيليكون.
تقول بتواضع: “كنت مبتدئة وسط مجموعة من الخبراء، لكنني فزت، واعتقدت أنني محظوظة”. وبالنسبة للآخرين، بدت قادرة على مواجهة التحدي. يقول ريو لي، زميلها الذي تخرج في جامعة درابر، ومدير التصنيع في (Uvera) المقيم في تايوان: “بينما كانت (Uvera) في مرحلة الفكرة فقط، واجهت دمدم العديد من الحكام والمستثمرين المحتملين في وادي السيليكون ضمن ما يسمى بفعاليات (Grill-Night Pitch) مع ذلك لم يحبطها ذلك على الإطلاق”.
في حين أدى فوزها إلى سلسلة من الإنجازات السريعة، إذ أسست (Uvera) في أميركا في يونيو/حزيران 2019، وبدأت ببناء النموذج الأولي خلال تعلمها كيفية إدارة الأعمال في الوقت نفسه. وأثناء تطوير الحد الأدنى من منتجاتها القابلة للتطبيق، تلقت أول عرض استثماري لها من تيم درابر، صاحب رأس المال الاستثماري الأميركي ومؤسس جامعة درابر.
تتذكر دمدم: “اضطررت إلى أن أطلب من تيم تأجيل عرض الاستثمار لمدة شهرين، حتى أتمكن من تطوير النموذج الأولي والتعرف إلى أدوات جمع الأموال مثل التقييم والسندات القابلة للتحويل”. وبعد مرور 6 أشهر، في أبريل/ نيسان 2020، أغلقت جولة تمويل ما قبل الأولية بقيمة 150 ألف دولار بقيادة درابر واثنين من المستثمرين “الملائكيين” في السعودية.
إلى جانب كونه سليل عائلة استثمارية كبيرة في وادي السليكون، درابر شريك مؤسس لشركة رأس المال الاستثماري (Draper Fisher Jurvetson) التي مولت شركات أحدثت فارقًا في قطاعاتها مثل: (Skype) و(Baidu) و(SpaceX) وتويتر وتيسلا. ولا شك أنه رأى شيئاً واعداً في دمدم، إذ يوضح: “تتمتع (Uvera) بإمكانيات سوقية كبيرة، بينما تحل دمدم مشكلات مهمة”.
ومن توفير المرافق والأدوات اللازمة لبناء النموذج الأولي، إلى تشجيع دمدم على العمل خارج الشرق الأوسط، عمل درابر كمرشد رئيسي لتأسيس (Uvera) في وقت مبكر. لكن منذ عودتها إلى الوطن في جدة في مارس/ آذار 2020، قادت دمدم بنفسها استراتيجية أعمال الشركة الناشئة.
العلم وريادة الأعمال
تقول: “هناك فجوة كبيرة بين العلم وريادة الأعمال. ولهذا فإن العديد من الاكتشافات والابتكارات العلمية العظيمة لم ترَ النور مطلقًا”. ثم تضيف: “أحد أهدافي الرئيسية هو المساهمة في سد الفجوة بين العلم وحياتنا اليومية”.
على الصعيد الإقليمي، تلقت (Uvera) ردودًا إيجابية. وشهدت موجة من الانتصارات وحصلت على منح متعددة، من خلال مشاركتها في مسابقات الشركات الناشئة الإقليمية.
احتلت الشركة المرتبة الثانية في مسار الأفكار لمسابقة منتدى (MIT) لريادة الأعمال في السعودية لعام 2019. واختيرت من بين الدفعة الأولى لبرنامج (mpactUI) لدعم مشاريع الاستدامة والريادة الاجتماعية من شركة الاتصالات السعودية (stc). ثم في مارس/ آذار 2021، اختيرت (Uvera) لتلقي جائزة “اختيار المستثمرين” من مسرعة ريادة الأعمال “تقدم” بقيمة 100 ألف دولار دون المشاركة في رأس المال، من بين 37 شركة ناشئة في مجال التكنولوجيا. وبذلك يصل إجمالي رأس المال الذي جُمع حتى الآن إلى 320 ألف دولار.
مع ذلك، لم تكن الطريق سهلة أو خالية من العقبات. فخلال العام الماضي، واجهت (Uvera) تأخيرات في النماذج الأولية بسبب إغلاق المختبرات حين تفشت الجائحة. فيما يظل إجراء التجارب والحصول على مختلف شهادات التصميم والسلامة، أولوية للشركة الناشئة الآن.
وبعد وصول المنتج الاستهلاكي إلى السوق، وتأمين التمويل الكافي، ستتوجه الشركة لبناء منتجها الصناعي، لتستهدف قطاع الضيافة. إنها فرصة كبيرة في السوق، حيث إن قطاع الضيافة مسؤول عن أكثر من 100 مليار دولار من تكاليف نفايات الطعام عالميًا. ويمكن للمطابخ التجارية وحدها أن تهدر نحو %20 من المواد الغذائية، التي غالبًا ما تعادل إجمالي صافي أرباحها.
بينما تقود دمدم جولة (Uvera) الأخيرة لجمع التمويل وإطلاق المنتجات الاستهلاكية، فإنها تتطلع أيضًا إلى دخول السوق السعودية.
ونظرًا إلى أن %31 من المستثمرين في الشركات الناشئة السعودية في النصف الأول من عام 2021، كانوا من خارج البلاد، وفقًا لبيانات شركة (MAGNiTT) يمكن لـشركة (Uvera) الاستفادة من المشهد الاستثماري المليء بالفرص، حيث يشهد الاستثمار السنوي في المشاريع السعودية زيادة بنسبة %65.
في حين ستخصَّص أي رأس مال جديد لتكاليف التصنيع والتسويق والتوظيف في (Uvera). وتضم الشركة الناشئة حاليًا نحو 10 موظفين بدوام كامل يعملون عن بُعد من 4 دول.
توضح المؤسسة: “أحد الأمور الجيدة التي نجمت عن الجائحة، أنه يمكننا التوظيف والعمل على صعيد عالمي”. وتوضح: “أرى الأعمال تتوسع إقليميًا ثم عالميًا خلال 4 إلى 5 أعوام مقبلة”.