الناس نيوز
قال ناثان براون وهو باحث أول غير مقيم في برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي إن الوباء قد دفع الجماهير إلى إلغاء اعتصاماتها واحتجاجاتها ولسوف يستمر هذا الحال في الفترة المقبلة.
وتوقع براون أنه في حال عودة المظاهرات، فسوف تقف في مواجهة أجهزة أمنية عزّزت قدراتها على مراقبة المجتمعات وضبطها.
ومع ذلك، يمكن القول إنه من غير المحتمل أن يُسفر تشديد الرقابة على المواطنين عن حوكمة أكثر فاعلية. فالتحديات التي يفرضها الوباء على الحوكمة ضخمة بالنسبة إلى كلٍّ من الأنظمة السياسية الراسخة، والديمقراطيات الليبرالية، والمجتمعات المزدهرة. أما الأنظمة السلطوية في الشرق الأوسط، فالأرجح أن يكون أداؤها أقل جودة، وستكون النتيجة سياسات مُذرّرة ومثيرة للنفور.
الفلسطينيون
وتوقفت قالت زها حسن، وهي باحثة زائرة في برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، عند مسألة ما إذا كانت السلطات في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة ستتعاون، أم لا، لدرء هذا الوباء. هذا ناهيك عن أنه يُحتمل أن تكون لهذه الأزمة تأثيرات على الجهود الأميركية والإسرائيلية لفرض تسوية سياسية على الفلسطينيين.
وقالت حسن في تصريحها لموقع ديوان الذي يشرف عليه معهد كارنيغي إن التعاون بين المسؤولين الإسرائيليين والفلسطينيين كان طيّباً حين ظهرت أول إصابة بفيروس كورونا في الأراضي المحتلة في 5 مارس الماضي.
وتمّ تشكيل لجنة مشتركة، وتشاطرت إسرائيل لوازم الفحص الطبي مع الفلسطينيين، وأفرجت عن شطر من عائدات التخليص الجمركي التي كانت تل أبيب تحجبها عن خزينة السلطة الفلسطينية، وذلك بهدف مساعدتها على شراء المواد الضرورية لمكافحة الفيروس.
ولكن إسرائيل أجبرت مؤخراً عمّالها الفلسطينيين المرضى على العودة إلى الأراضي المحتلة، من دون أي تنسيق مع السلطة الفلسطينية، ودمّرت عيادة ميدانية مؤقتة لفلسطينيين يعيشون في غور الأردن، وواصلت نسف منازل فلسطينية وبنى تحتية؛ وكل ذلك حدث فيما الفلسطينيون يحاولون الامتثال لأوامر البقاء في منازلهم والحفاظ على الصحة. كما أن تل أبيب تباطأت في ضمان أن يكون للفلسطينيين داخل الخط الأخضر- وهم مواطنون إسرائيليون- فرصة الحصول على الفحص الطبي على قدم المساواة مع جيرانهم اليهود، وواصلت حصار غزة، واتخذت إجراءات قد تعيق دخول السكان الفلسطينيين في القدس الشرقية إلى المستشفيات.
في خضم هذه التطورات المُقلقة، كانت إسرائيل تتحرّك بسرعة البرق لتطبيق الإجراءات الهادفة إلى تعزيز سيطرتها على تلك الأجزاء من الضفة الغربية التي تسعى إلى ضمّها، كجزء مما يُسمى خطة ترامب للسلام. ويبدو أن الوباء يشكّل غطاء مناسباً لمصادرة أراضي الفلسطينيين وتشريدهم بالسرعة القصوى. وفيما يقذف الإغلاق الطوعي الفلسطيني بالأراضي الفلسطينية المحتلة إلى أشداق الانهيار الاقتصادي، قد لا تبقى في أعقاب الوباء سلطة فلسطينية يمكن التعامل معها، ولا بالطبع فرص لتحقيق سلام دائم مع إسرائيل.
اللاجئون السوريون
وفيما يخص الوضع في سوريا، قد يؤثّر فيروس كورونا المستجد بطرق مختلفة على فئتين من المواطنين السوريين: أولئك الذين فرّوا من الصراع الدائر في وطنهم ويعيشون اليوم في تركيا من جهة، والسوريون النازحون داخلياً في محافظة إدلب من جهة أخرى.
وقال مارك بييريني، وهو باحث زائر في مركز كارنيغي-أوروبا، حيث يركّز على قضايا الشرق الأوسط وتركيا من منظور أوروبي، إن الغالبية الساحقة من اللاجئين السوريين الذين يعيشون في تركيا، ويبلغ عددهم 3.6 ملايين نسمة، يعيشون في شقق في المدن الكبرى. وهم يتمتعون بظروف الصحة العامة والنظافة، ويستفيدون من النظام الصحي التركي، كما أنهم مؤهّلون للحصول على المساعدة الدولية بالسيولة النقدية. إذاً، ينبغي أن يكونوا في أمان طالما أن النظام الصحي قادرٌ على التصدي للوباء. يجب أن يستمر الاتحاد الأوروبي بتقديم المساعدات إلى هذه الفئة، لكن هذا القرار بات أصعب بعد قيام الحكومة التركية مؤخراً بحثّ اللاجئين، غير السوريين بمعظمهم، على محاولة دخول أوروبا عبر الحدود التركية-اليونانية.
ويُعتبر الوضع أشد تعقيداً بكثير بالنسبة إلى السوريين النازحين داخلياً في محافظة إدلب المحاذية للحدود التركية. فهم يعيشون في مخيمات لا تستوفي المعايير المطلوبة، وغير مزوّدة بأنظمة الصرف الصحي والمرافق الطبية المناسبة. إذاً، هم فئة معرّضة لخطر كبير في هذه الجائحة. في حال تم توسيع الجهود المتواصلة الرامية إلى تقديم مساعدات عبر الحدود لهذه الفئة من خلال وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية، يجب عندئذٍ إعطاء الأولوية لاتّخاذ الإجراءات اللازمة من أجل احتواء تفشّي وباء كورونا.
لبنان
ويبقى الوضع في لبنان شديد القلق، حيث قالت مديرة مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، مهى يحيى، إن وباء كورونا كلّل سلسلةً من الصدمات الشديدة والمتتالية التي قادت لبنان إلى دوّامة انحدارية. فالأزمة المالية أغرقت اقتصاد البلاد في ركود عميق، وتقلّصت العائدات الحكومية إلى حدٍّ باتت معه الدولة عاجزة عن تأمين أبسط الخدمات، بما في ذلك توفير الدعم إلى 1.6 مليون لبناني يٌقدّر أنهم باتوا يرزحون تحت خط الفقر. في غضون ذلك، تشتدّ حاجة القطاع الخاص إلى السيولة النقدية بسبب الضوابط غير الرسمية المفروضة على حركة رأس المال من قِبَل قطاع مصرفي يفتقر بدوره إلى السيولة، وربما أيضاً إلى الملاءة.
وأضافت يحيى أن الوباء يُميط اللثام عن الضرورة الملحّة لزيادة الإنفاق على القطاع الصحي وشبكات الأمان الاجتماعي. ويشمل ذلك منح حدٍّ أدنى من مخصّصات البطالة إلى الأعداد المتزايدة من الأشخاص الذين أصبحوا عاطلين عن العمل نتيجة الإجراءات التي اتُّخذت لاحتواء تفشّي كورونا، وإلى العمّال المياومين الذين لا يستطيعون تحمّل أكلاف العزل المنزلي وخسارة دخلهم. تبلغ قيمة هذه النفقات عشرات مليارات الدولارات. صحيحٌ أن مستويات التكافل الاجتماعي الحاصل والدعم المقدّم من المجتمع المدني كانت ملحوظة حتى الآن، إلا أنها لا تستطيع وحدها التصدّي لهذا التحدّي الجسيم.