برلين – الناس نيوز ::
يريد زائر صالون “فراوكه” للتجميل أن يزهو بتسريحة شعر جديدة أنيقة وعصرية، أو أن ينعم بطلّة مختلفة، ليس هناك مشكلة في تلبية هذا مجانا، غير أن فريتش التي ترتدي قميصا أخضر اللون، وتبدو بشعر قصير، لديها سؤال تطرحه على الزبائن “ما الذي يمكنك أن تفعله لنا في المقابل؟”.
لا يتعين على الزبائن الإجابة على الفور، ذلك لأن المفهوم الذي يروجه الصالون غير عادي، ويتمثل في أن زواره الذين يريدون تغيير طلتهم، ليسوا مطالبين بدفع مقابل نقدي، نظير الخدمات التجميلية التي يحصلون عليها، ولكن السداد يكون عن طريق أداء أعمال مفيدة للمجتمع.
الاندماج بأسلوب مختلف
ووفقا لتقرير لوكالة الأنباء الألمانية فإنه وعند زيارة الصالون الكائن بمدينة لايبزيغ بالشرق الألماني، الحائز على “جائزة قوة الفنون” عام 2021، يمكن مشاهدة قصاصات من الورق معلقة على حائط داخل الصالون، مدون بها مقترحات بشأن الأعمال والخدمات التي يمكن للزبائن التطوع بأدائها، فقد يكون أفراد من معارف الزبائن بحاجة إلى المساعدة، مثلا التدريب على مهارة ما، أو رعاية أطفالهم أو حتى مجرد أعمال على درجة كبيرة من البساطة مثل بري أقلام التلوين.
ومقابل هذه المساعدات، يحصل الزبائن على خدمات تجميلية مجانية في الصالون، من متطوعين مهرة جاؤوا من مجموعة من البلدان المختلفة والثقافات المتباينة.
غير أن المسألة لا تتعلق فقط بتقديم الرموش الطويلة وطلاء الأظافر، للزبائن مقابل قيامهم بأعمال الصيانة وتقديم الخدمات المجتمعية، فترى فريتش أن هذا المفهوم الذي تطبقه في الصالون هو شكل من أشكال المهارة الفنية الاجتماعية التي تهدف إلى تخطي الحواجز وتحطيم الأحكام المسبقة.
وتقول فريتش عن ضيوف الصالون “يعاني الكثيرون من الوحدة، أو يكتفون بالبقاء منعزلين داخل فقاعاتهم الخاصة” ويمكن للناس أن يمضوا الوقت معا في الصالون والتعرف على بعضهم البعض، وتشير إلى أن الاندماج يفهم غالبا فقط على أنه يتعين على الأجانب أن يندمجوا داخل مجتمع “مهيمن”. وتقول “يجب علينا أن نبني بدرجة أكبر على المهارات التي يجلبها الناس معهم أيا كان نوعها”.
ويفتح الصالون متعدد الثقافات أبوابه بعد ظهر كل يوم جمعة، ويتم تخصيص الجمعة الأخيرة من كل شهر للسيدات فقط.
وتؤكد فريتش في حديثها إلى وكالة الأنباء الألمانية أنه “يمكن لأي شخص أن يأتي إلى الصالون، بشرط احترام الآخرين” وينحدر المتطوعون الذين يعملون بالصالون من أصول سورية وكردية وفلسطينية وأفغانية وألمانية.
ويقوم خبراء التجميل -كما يطلق عليهم في الصالون- بقص الشعر وتصفيفه وطلاء الأظافر وعمل المكياج المطلوب، وإتاحة خدمة التدليك.
اللاجئون.. حضور مميز
ومن بين المتطوعين العاملين بالصالون أنس حسن (23 عاما) الذي هرب من سوريا مع أسرته منذ بضع سنوات، وكان يريد العمل في مجال تكنولوجيا المعلومات، وهو يتدرب حاليا ليصبح مصفف شعر في شركة بمدينة لايبزيغ، ويقدم المساعدة في الصالون الأوقات التي لا يحضر فيها التدريب.
وعن الصالون الذي يستطيع فيه مقابلة الناس، ويتحدث معهم حول مجريات الحياة، ويصقل مهاراته في تصفيف الشعر، ويدعم تعلمه للغة الألمانية، يقول أنس “إنني أقضي كثيرا من الوقت هنا”.
ولا تعد فريتش مصففة شعر محترفة أو مصممة لأشكال المكياج، وقد درست الفن وترى نفسها أساسا فنانة أداء، وهي طورت اهتماما خاصا بالعلاقات الشخصية، عندما كانت تعيش في مأوى مع اللاجئين بمدينة أوغسبرغ، منذ سنوات في إطار مشروع فني طويل المدى.
وكان من بين اللاجئين -الذين عاشت فريتش وسطهم- خبراء في التجميل يريدون الإسهام بخدمة المجتمع الألماني، ولكنهم لم يحصلوا بعد على تصريح بالعمل، وعلى سبيل المثال خبير تجميل من إيران ومصفف شعر من مقدونيا وحلاق شوارع من غامبيا، وشاركت فريتش ومعها هؤلاء الخبراء في احتفاليات فنية، مكونين فريقا يقدم خدمات التجميل وتصفيف الشعر ونصائح حول الأناقة.
وعندما حصل مشروع الصالون على “جائزة قوة الفنون” عام 2021، جاءت فجأة أموال كافية للحصول على موقع دائم له، واستأجر فريق فريتش مبنى صغيرا تمتلكه البلدية بمنطقة غروناو في لايبزيغ، وتلقى أيضا بعض الدعم المالي من المانحين.
كيف ولدت مبادرة الصالون؟
وبدا المشروع كما لو كان صفقة مربحة بين الفريق والزبائن، ومن وجهة نظر المدينة أصبح أحد المبادرات العديدة للترويج للمنطقة، وفقا لما يقوله مكتب التنمية الحضرية بالمدينة.
وتعد منطقة غروناو في لايبزيغ منطقة ذات دخل منخفض، وتوجد بها نسبة عالية من المهاجرين، ولهذا السبب يقع مفهوم فريتش عن الصالون على أرض خصبة، وتقول زهرة أنصاري التي ترددت على الصالون عدة مرات “أعتقد أنه مشروع رائع للغاية”.
وتشعر فريتش بالسعادة لأن المشروع آخذ في النمو، وتقول عن المشروع الذي تم تأمينه ماليا حتى سبتمبر/أيلول المقبل على الأقل “إننا نستقبل المزيد من الزوار باستمرار”.
ويعد الصالون هدية تقدم كل مرة يغادر فيها الضيف بقصة شعر جديدة، وابتسامة تعلو على وجهه، يقول حسن الذي يتلقى دورة تدريبية بتصفيف الشعر “هذا ما يملأ قلبي بالبهجة”.