ميديا – الناس نيوز ::
جون ألترمان – نائب الرئيس الأول، كرسي بريجنسكي للأمن العالمي والاستراتيجية الجيواستراتيجية، ومدير برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ، دانييل بايمان ، زميل أول في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية وأستاذ في كلية الخدمة الخارجية بجامعة جورج تاون.
بينما تنخرط كل من إسرائيل وحماس في صراع، يتحوّل الضوء الدبلوماسي نحو مصر.
كانت مصر قبل الحرب تواجه التهميش بشكل متزايد في السياسة العربية، بعد ان تسببت انتفاضات 2011 وما تلاها في استبعادها عن المشهد ومعاناتها من اقتصاد مريض لكن عندما يتعلق الأمر بغزّة، لدى مصر مصالح حاسمة ونفوذ قوي.
لذلك، على الرغم من أنها تثبت أنها شريك صعب بالنسبة للولايات المتحدة وإسرائيل والكثير من حلفائهما الغربيين، إلا أن مصر كانت وستظلّ اللاعب الأساسي في الاستجابة الدولية للحرب.
لدى مصر تاريخ معقّد مع حماس فقد احتفظ الجيش المصري باهتمام دائم بغزة منذ احتلال القطاع أول مرة لمدة عشرين عامًا تقريبًا بعد استقلال إسرائيل في عام 1948، وظلّ منتبهًا جيدًا للبيئة الأمنية في المنطقة.
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، حاله حال العديد من الرؤساء المصريين الذين سبقوه، معادٍ تمامًا لحماس التي نشأت من حركة الإخوان المسلمين المصرية التي ظلت محظورة لأغلب الوقت ولكن بالرغم من ذلك يملك القادة المصريون أيضًا تاريخ طويل من التعامل مع حماس، لا سيما بعد أن أصبحت الحاكم الفعلي لغزة اثر استيلاءها على السلطة عام 2007.
عملت مصر في الأزمات السابقة كوسيط مع المنظمة، ميسّرة صفقات تبادل الأسرى وقدمت مساعدتها في التفاوض على وقف إطلاق النار.
تجلب مصر معها الكثير من أوراق اللعب على طاولة المفاوضات في الوقت الذي يسعى فيه العالم لإيجاد حل للصراع في غزة وربما الأكثر إلحاحًا منها، هو سيطرة مصر على معبر رفح، المدخل الرسمي الوحيد إلى قطاع غزة غير الخاضع لسيطرة إسرائيل.
فتحت مصر وأغلقت هذا المعبر في الماضي من اجل الضغط على حماس، اما اليوم، فقد اصبح الشريان الحيوي لإدخال المساعدات الدولية إلى غزة حيث تواجه المنطقة أزمة إنسانية ضخمة.
من المرجح أيضًا أن يخدم معبر رفح كنقطة خروج للمواطنين الأمريكيين وغيرهم من الدول الأخرى لمغادرة منطقة الحرب.
لإسرائيل مصلحة أيضًا في العمل مع مصر لضمان عدم دخول الأسلحة والإمدادات العسكرية الأخرى إلى غزة عبر رفح.
بالإضافة إلى موضوع رفح، شيّدت حماس شبكة من الأنفاق من غزة إلى مصر وغالبًا ما مكّنت هذه الأنفاق سكان غزة من شراء البضائع المهرّبة، مثل الماشية والمنتجات الاستهلاكية الأساسية، وغالبًا ما تسامحت إسرائيل مع هذا التهريب لتجنب الأزمة الإنسانية في القطاع، لكن حماس وغيرها من الجماعات المسلّحة الفلسطينية استخدمت هذه الأنفاق لتهريب الأسلحة إلى غزة، ومرّ المقاتلون الفلسطينيون عبرها للسفر إلى الخارج للتدريب العسكري في لبنان وأماكن أخرى.
في السابق، قالت مصر إنها عاجزة عن وقف تجارة الأنفاق، ويربح بعض المصريين بلا شك من التجارة لكن التمرد المستمر في المنطقة المجاورة من مصر دفع الجيش المصري إلى قمع شبكة الأنفاق في السنوات الأخيرة، ومن المرجح أن تطالب إسرائيل بوضع حد لهذا التهريب كجزء من أي جهد تفاوضي أوسع.
على الرغم من أن مصر ليست متعاطفة مع حماس، إلا أن للجماعة المسلحة سجلاً في التوصل إلى تفاهمات مع الجيش المصري لذلك، حينما تعهد وزير الدفاع الإسرائيلي بمحو حماس “من على وجه الأرض”، تاركًا القليل من المجال لاي تسوية، تركت حكومة السيسي الباب مفتوحًا أمام إيجاد التفاهمات الضرورية مع الحركة.
من الصعب التنبؤ بمن سيمتلك السلطة السياسية في غزة في الأشهر القادمة، ولكن اي كان صاحب هذه السلطة السياسية، سيسعى إلى التفاوض مع المصريين، على الاقل، بشأن تدفق المساعدات الدولية إلى غزة.
قد تحاول بعض عناصر حماس المتبقية أيضًا الحفاظ على بعض القدرة على تهريب الأسلحة واللوازم العسكرية الأخرى ومن المرجح أيضًا أنهم سيسعون إلى الحصول على القدرة المحدودة على إرسال أشخاص من القطاع، بما في ذلك كبار المسؤولين الفارين من العمل العسكري الإسرائيلي.
والأهم من ذلك، أن من ينجو في غزة سيسعى إلى الحصول على ضمانة مصرية لأي اتفاق يتم توقيعه في نهاية المطاف لإنهاء القتال.
ستضغط إسرائيل بطبيعة الحال على القاهرة لوقف أي تهريب واعتقال أي مسؤولين في حماس قد يحاولون الفرار إلى مصر وستحدد مصر شروط ذلك الاتفاق.
ليس لدى شعب غزة وحماس – أو أي حكومة بديلة قد تنشأ في القطاع – الكثير لتقدمه لمصر، ولكن لديهم بعض الأمور المرغوبة.
يمكنهم استخدام نفوذهم لزيادة أو تقويض الأمن المصري في شبه جزيرة سيناء، ويمكنهم مشاركة عائدات التهريب مع المصريين ويمكن لحلفائهم أيضًا مكافأة المصريين الذين يغضون الطرف عن التهريب، والأهم من ذلك، إذا كان الخيار المتاح لمصر هو اما وجود تفاهم مع حماس أو من يخلفها من جهة او العنف والفوضى في منطقة مجاورة لمصر من جهة اخرى، يبدو التفاهم أكثر جاذبية بكثير بالنسبة للقاهرة.
لدى مصر الكثير مما تخسره في حالة عدم انخراطها في مسألة غزة، فبعد أن كانت مركز السياسة والثقافة العربية، تراجع دور القاهرة مع تفاقم مشاكلها وتحول انتباه العالم إلى الخليج العربي.
جلب تولي دور محوري في قضية عربية ذات شهرة عالية مثل الحرب الإسرائيلية مع حماس المكانة لحكومة السيسي التي تكافح بشكل متزايد في الداخل.
ليست مصر فوق الاستفادة اقتصاديًا من نفوذها في هذا الصراع فقد تفاوض الرئيس السابق حسني مبارك على إعفاء بلاده من ديون خارجية تزيد عن 10 مليارات دولار من الولايات المتحدة وحلفائها مقابل مساعدة مصر في حرب الخليج عام 1991.
وأدى الاقتراض المفرط في مصر في السنوات الأخيرة إلى أن تصبح الديون الخارجية المصرية اليوم أضعاف تلك المبالغ، ويتألم اقتصادها تحت وطأة السداد، فإذا لعبت مصر دورًا محوريًا في تسوية قضايا غزة، فإن ذلك سيفيد المنطقة كثيرًا.
من المؤكد تقريبًا أن حكومات الخليج والغرب على حد سواء ستحتاج إلى ضمان رؤية مصر لفوائد مالية من القيام بذلك من اجل الحصول على دعم القاهرة.
تواجه مصر أيضًا مخاوف أمنية مشروعة في غزة فلأكثر من عقد من الزمان تحارب مصر تمردًا في شمال سيناء، يتألف من الجهاديين والبدو والعصابات الإجرامية.
ساعدت عمليات التهريب من غزة في تمويل المتمردين وتسليحهم، وتريد مصر أن يتوقف ذلك، كما تخشى مصر من أن يؤدي تدفق اللاجئين من غزة إلى زعزعة استقرار جزء مضطرب بالفعل من سيناء، مما يضع ضغوطا على الوظائف والموارد ويزيد من تطرف السكان المحليين.
على الرغم من أن حكام مصر غالبًا ما وجدوا أسبابًا للعمل مع إسرائيل في القضايا الأمنية، إلا أنهم لن يقبلوا تقديم المساعدة في ترحيل الفلسطينيين من الأراضي الفلسطينية، فبعد ثلاثة أرباع قرن، لا يزال الرأي العام المصري يشعر بتعاطف عميق مع القضية الفلسطينية وسيرون أي إعادة توطين للفلسطينيين على الأراضي المصرية على أنها ترتيب دائم محتمل، بناء على تدفقات اللاجئين الفلسطينيين السابقة التي انتهت بنفس الطريقة، وكذلك خيانة لحقوق الفلسطينيين في أرضهم.
ومع ذلك، تقود الولايات المتحدة جزءًا كبيرًا من الدبلوماسية بشأن غزة، وبالنسبة لواشنطن، تعد حكومة السيسي شريكًا صعبًا، فقد قررت الحكومة الأمريكية مؤخرًا حجب 85 مليون دولار من المساعدات العسكرية المخصصة سابقًا لمصر بسبب مخاوف حقوق الإنسان، وكان بعض أعضاء الكونغرس يضغطون لتخفيض المساعدات أكثر.
كما ان العلاقات بين واشنطن والقاهرة متوترة للغاية في الوقت الحالي بعد ان كشف المدعون عن لائحة اتهام مذهلة في وقت سابق من هذا الشهر، تزعم أن الاستخبارات المصرية جندت السيناتور الأمريكي بوب مينينديز، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، لاستخدام منصبه الرسمي لمصلحة الحكومة المصرية مقابل مئات الآلاف من الدولارات كرشاوى.
اشتكت الحكومات العربية أيضًا من أن مصر يمكن أن تكون شريكًا مزعجًا حيث تمتلك الحكومة المصرية إحساسا قويا بأهميتها ومصالحها وغالبًا ما تأتي المساعدة المصرية بثمن.
على الرغم من أن مؤتمر السلام الذي عقده السيسي بشأن صراع إسرائيل-حماس في نهاية الأسبوع الماضي لم ينتج شيئًا ذا مغزى، إلا أن مصر ستكون لاعبًا حاسمًا بشكل متزايد إذا نظرت جميع الأطراف لمخرج من هذه الأزمة في الأسابيع والأشهر المقبلة ولهذا من الأفضل للولايات المتحدة العمل مع مصر بدلاً من محاولة إقصائها.
تعد المساعدة المصرية ضرورية بشكل فريد في معالجة الأزمة الإنسانية في غزة في المدى القريب، بما في ذلك ضمان إمدادات الوقود والأدوية عبر رفح.
وستلعب مصر وعلى المدى الطويل، دوراً حاسماً في تسهيل أي ترتيب سياسي ينشأ في غزة، بصفتها الدولة العربية الواقعة في الجبهة الأمامية، سواء بقيت حماس كحكومة أم لا.
ستسعى مصر لمصالحها الخاصة بالنظر إلى أهمية تأمين الحدود المصرية في سيناء، ولكن يمكن للقاهرة أيضًا أن تلعب دورا قياديا مهما بقيادتها للحكومات العربية الأخرى لإضفاء الشرعية على أي اتفاق.
مع ظهور اتفاق، ستسعى مصر بالتأكيد للحصول على فوائد ويمكن للولايات المتحدة أن تساعد مصر مالياً، خصوصا عبر نفوذها على المؤسسات المالية الدولية، التي تدين لها مصر بعشرات المليارات من الدولارات.
كما يمكن للولايات المتحدة أن تساعد مصر في مكافحة عدم الاستقرار في سيناء وتعد المساعدة الاستخباراتية المتزايدة مكانًا جيدًا للبدء في ذلك.
سيعترض البعض على الانخراط بشكل أعمق مع حكومة مصرية ارتكبت، وما تزال ترتكب، انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان لكن يجب على البلدين النظر إلى هذه العلاقة على أنها فرصة لإعادة صياغة علاقة المانح بالمستفيد التي تجمع بين الطرفين والتي أثبتت عدم فائدتها بعد 45 عامًا من قيامها.
لا يمكن لمصر ولا الولايات المتحدة حل الأزمة في غزة بمفردهما ولا يمكنهما القيام بذلك من دون الطرف الآخر.
غالبًا ما تعثرت العلاقة بين الطرفين لأنه لم يكن هناك مشروع مهم يشعر الجانبان بقوة بشأنه ويمكن أن تثبت غزة الان انها مصدر إزعاج مستمر للجانبين ومن مصلحة البلدين جعلها ميدانًا للتعاون الثنائي.