بيروت الناس نيوز – العلّامة السيد علي الأمين
منذ عهود مضت ولبنان كان واحة للحرية في العالم العربي، و شكّل نموذجاً حضارياً في العيش المشترك القائم على الانفتاح والتسامح بين مختلف الطوائف اللبنانية، وأعطى بذلك مثالاً على تجربة إنسانية ناجحة في احترام الآخر و القبول به ونبذ التعصب الّذي يشكّل سمةً من سمات الجهل و التخلّف. و بقي رباط العيش المشترك يجمع اللبنانيين المتمسّكين بوطنهم لبنان بالرّغم من كلّ ما حصل على أرضه من حروب و نزاعات لا يحمل الشّعب اللبناني المسؤوليّة عنها، و إنّما كانت حروب الآخرين الّذين استفادوا من ضعف الدّولة اللبنانية في تلك المرحلة ليقيموا دويلات الشّوارع و الزواريب و المناطق.
واللبنانيون اليوم كما في الأمس كانوا ولا يزالون متمسّكين بلبنان الواحد ومشروع الدّولة الواحدة التّي تشكّل مرجعيّة لكلّ اللبنانيين في مختلف الحقول و الميادين، من خلال نظام سياسي يجعل منها دولة الإنسان التي تحترم مختلف العقائد و المذاهب و الأديان، من دون أن يكون هناك امتيازات في الحقوق لطائفة على أخرى ولا لفرد على آخر من خلال الانتماء الديّني للطوائف و الأفراد الّذين يجب أن يكونوا متساوين أمام القانون في الحقوق و الواجبات. وقد استجاب اتفاق الطائف لمعظم طموحات الشعب اللبناني في إرساء دعائم دولة المؤسسات و القانون، ونحن نتطلّع إلى اليوم الّذي تصبح فيه الدّولة اللبنانية هي المسؤولة وحدها عن الأمن و الدّفاع وعن السياسة و الاقتصاد وعن سائر المهام الّتي تقوم بها الدّول في شعوبها وأوطانها.
وأن تكون الدّولة الّتي ينخرط فيها الجميع وينضوي تحت لوائها الجميع وأن تكون وحدها من خلال مؤسساتها صاحبة القرار ومرجعية الحلول عند حصول الاختلاف، بحيث يقبل الجميع بأحكامها وتنفيذ قراراتها بدون استثناء على قاعدة أن يكون الولاء للوطن والدّولة وليس للطائفة أو الحزب أو الزّعيم السياسي أو الدّيني.
ولتحقيق هذه الغاية يجب إدخال مجموعة من الإصلاحات وإعادة النظر في بعض السياسات الإدارية المعتمدة لفترة طويلة من الزمن، والتي جعلت ولاء المواطن لطائفته أو لزعيمها الطائفي، لأن الدولة جعلت من الزعيم مصدراً لكل الخدمات التي تُقّدمُ إلى أبناء طائفته. بحيث أصبح في نظر أبناء طائفته هو المعطي والمانع وهو الدولة بنظر أصحابه وأتباعه وهو القانون و النّظام ولذلك يجب أن يبقى في السلطة على الدّوام وإن أساء إليها أو خرج عنها وليس المؤسسات التابعة لها و المنبثقة عنها.
ولذلك يجب إخراج الخدمات من أيدي الأحزاب والزعامات وجعلها محصورة بالدولة اللبنانية ومؤسساتها لا بالأشخاص والأفراد، وبذلك يصبح ارتباط المواطن بدولته التي تضمن له حقوقه وليس بالحزب وزعيم الطائفة الذي يجعل منها سلاحاً ضدّ الدّولة ومؤسساتها عندما يشاء خدمة لأغراضه الشخصية أو وفاءً لارتباطاته الخارجية . ومن الإصلاحات التي نتطلع إليها في وطننا لبنان والتي تخرج شعبه عن دائرة الفرز الطائفي والتطرف الديني والمذهبي أمور متعددة: إعادة النظر في مناهج التعليم والبرامج التربوية والعمل على توحيدها في مختلف المراحل والقطاعات الخاصة والعامة، وإلغاء التعليم الديني من المدارس التي يجب أن تنحصر مهمتها في التربية والتعليم والتنشئة الوطنية، وأما التعليم الديني فهو مهمة الكنائس والمساجد ورجال السلك الديني المحتاج إلى الإعداد والتنظيم بما ينسجم مع روح العصر والعيش المشترك الذي يستدعي ثقافة الانفتاح والتسامح.
ومنها إعادة النظر في تشكيل الأحزاب السياسية ومنع قيامها على أسس دينية وطائفية، بل يجب تشكيلها وقيامها على أساس البرامج السياسية والاجتماعية التي تهم كل المواطنين ليصبح التمثيل للمواطنين تمثيلاً سياسياً اجتماعياً وثقافياً، وليس تمثيلاً طائفياً ودينياً. وبذلك نؤسس لمجلس نيابي يقوم اختيار المواطنين لأعضائه على أساس المشاريع السياسية والبرامج الاقتصادية والإصلاحات الاجتماعية، بعيداً عن التعصب المذهبي والطائفي، وبذلك نعزز حالة الانصهار الوطني والتنافس الديمقراطي في عملية بناء لبنان المستقبل، لبنان الاستقرار والازدهار، ليعود لبنان لؤلؤة في الشرق ونموذجاً حضارياً بأرقى وأسمى العلاقات الإنسانية في المنطقة والعالم. نشرت المادة سابقا بتاريخ 11-3-2007 في لور يونت لوجور.