لبنان، هذا البلد الصغير بحجمه وبنسبة عدد سكانه تحيله أزماته إلى واحد من بين أهم بلدان العالم، وذلك على مستويات عدة منها العربي بانتمائه العربي/ وإن حرص لبنانيون قلائل على الإصرار على وصفه ببلد “ذي وجه عربي”/ أو الإقليمي لتتسع الدائرة إلى المستوى الدولي، وكأن لكل بلد من البلدان الإقليمية وأخرى دولية حصة فيه. عربياً، لبنانيون يعتبرون أن السعودية هي عمقهم العربي بعدما كانت مصر عبد الناصر مرجعهم العربي المعنوي والسياسي بالمعنى الكامل للكلمتين، فالسعودية هي القبلة الدينية ومصر القبلة السياسية، وآخرون يستندون إلى إيران كمرجعية سياسية وعسكرية داعمة بلا حدود / حزب الله/ ولا ننسى “الشقيقة” سوريا التي انتهى تدخلها الميداني في لبنان بموقفين متناقضين يبدوان متعادلين، الأول مؤيد داعم لها والثاني معارض بالكامل لنظامها يذهب إلى وصف سنوات تدخلها الميداني “بالاحتلال السوري للبنان”، ومن الدول الغربية فرنسا في المرتبة الأولى التي تبقى “الأم الحنونة” للبنان كما توصف تحبباً كلما تدخلت لمصلحة لبنان، وزِد عليها الولايات المتحدة الأميركية. ومع هذه الخارطة المعنوية لشعب لبنان يصبح هذا الشعب إلى الأبعد من حصره في حدود بلده ومخلصاً للجهة الداعمة التي تنحصر رؤيتُه لها بجانبها الإيجابي، فهو ناصري أكثر من عبد الناصر وفلسطيني أكثر من أبو عمار وجورج حبش وسعودي أكثر من أي سعودي فخور ببلده، وإيراني يزايد على الإيراني في أشكال عيشه وفرنسي أكثر من أي باريسي عريق، ولكَم ضاع في بعض الأحيان بين هذا التشابه وبين الأَلْيَنَة المقصودة أي بين الأصل وبين التقليد الوفي، يقول أحد كبار السن من لبنان كان متابعاً في شبابه لحرب فيتنام نصيراً لثوار الفيتكونغ إنه كان يشعر أنه فيتنامي أكثر من الفيتكونغ. مع كل هذا يصبح لبنان أكبر من حجمه ومرآةً تموج على صفحتها حركات العالم واللبناني بشكل عام هو في قلب هذا الموج.
لا قرار ذاتياً مفصلياً في الغالب دون دعم أو تشاور خارجي، وحين يُسأل عن سبب إيقاف حرب أهلية دامت خمسة عشر عاماً في لبنان أو عن الفضل في إيقافها يكون الجواب أن ” الخارج قرر وقفها”. كلام لا يحتاج إلى كبير إثبات، ونكاد نقول والحالة هذه إن اللبناني يقوى بقوة الخارج ويضعف بضعفها. في قوة الخارج إسناد له، وحين يقوى الأفرقاء تزداد درجة عنادهم ويتمسك كلٌ بمواقفه أكثر وأكثر ليصبح التناحر سيد الموقف ومن النتائج كما هو حاصل اليوم تعطُل تشكيل حكومة مع جشع كل فريق في تمثيلٍ أكبر له أو أن تسقط البلاد في فراغ رئاسي ويغيب مبدأ التنازل حتى وإن كان محدوداً أو نسبياً لبلوغ التوافق. هي القوة التي تفرق فيما في الضعف احتمال الجمع.
محمد كلش .