سوزان المحمود – الناس نيوز :
في معرضها الأخير في غاليري “السيد” في دمشق “حكايا فيفيان”، تقدم الفنانة التشكيلية الشابة فيفيان الصائغ دعوة للتأمل والتفكير، من خلال عالم خيالي شائك يشتبك مع الواقعي في أكثر من نقطة، معرض ناجح على مستوى الحضور، وعلى مستوى البيع، إذ بيعت نصف لوحات المعرض، رغم الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد، ما أعطى القليل من الأمل للمهتمين بالفنون بتمسك السوريين بالفن والحياة.
– عنونتِ معرضك الأخير في صالة السيد بـ “حكايا vivian ” وفعلا نجد أجواء أسطورية في عدد من لوحاتك الأخيرة، هل لذلك علاقة بالبيئة التي نشأت بها؟
الحكاية هي سرد لوقائع حدثت بالفعل تعتمد على الخيال ضمن صياغة معينة لإيصال رسالة محددة نريد طرحها. معرض حكايا vivian هو معرض توثيقي أطرح من خلاله قضايا وحالات إنسانية للواقع الذي نعيشه والذي تأزم في السنوات الأخيرة حكايا نسجتها في خيالي ليسمعها ويقرأها الجيل القادم، ضمن صياغة بصرية معينة .
– في معرضك الأخير لا تكتفي باللوحة بل استعنت بأدوات أخرى لتعبري عن فكرتك، ولتستكملي الموضوع من خارج اللوحة كأنك تشتبيكين مع الواقع، وتحدثين صدمة صغيرة للمتلقي، وكأن العمل غير المؤطر وغير المنتهي يتسلسل إلى حياة المتلقي؟
قدمت أعمالي بتكنيك وتقنيات مختلفة لتتناسب مع موضوع الحكايا، فلكل حكاية رونق وأسلوب مختلف في التقديم، ومن ضمنها قدمت عمل مفاهيمي. وهو كتاب يختصر قصة للحياة المشتركة من البداية للنهاية، وأيضاً عمل تركيبي Art Assemblage وهو آخر عمل قمت بإنجازه وقد استوحيت حركة الجسد من عمل لم أستطع التعرف على صاحبه، ولكن حاولت أن أقدمه بطريقة تلامس الوضع السوري، ويعتبر من أهم أعمال المعرض في نظري. فمن خلاله حاولت جذب المشاهد إلى بيئة أو مشهد معين والدخول في تفاصيله وكأنه من قلب الحدث، وهذا العمل يعتمد على تحقيق الدهشة وطبعاً يعتبر فن التركيب من الفنون الحديثة ظهر في بداية القرن العشرين مع تراكيب بيكاسو ومارسيل دوشامب وغيرهم، ولكن حتى الآن لم يقدم بشكل مقنع في سوريا.
– ِلمَ تتكرر تيمة النساء الثلاث بالهالة القديسة في أكثر من لوحة هل تلمحين للأقانيم الثلاثة؟ ما الذي تنتظرينه من النساء؟
الهالة ترمز للقداسة، وقد جسدت فيها الحب بأسمى حالاته، فبرغم قساوة الواقع ومعاناة المرأة وتضحياتها، ورغم خسارتها الكبرى في هذه الظروف، فهي من فقد الزوج والأب والطفل، إلا أنها مازالت تحتفظ بأنوثتها وتنتظر الحب وتعطيه بكل إخلاص.
– تسعين جاهدة للتشبيك ما بين الفن والحياة الواقعية اليومية؟ في واقع القبح والبشاعة أصبحا فيه سمة عامة، ما الذي تريدينه من إدخال القيم الجمالية إلى الحياة اليومية، هل هناك جدوى ما؟
تتجه أعمالي للفن الحديث وهو منهج جديد لا يتصل بما سبقه من المدارس الفنية ينتمي لحياة المجتمع وتوثيق للواقع.
ومن قساوة هذا الواقع أحاول أن أقدمه بطريقة جمالية بعيدة عن التشويه والقبح، ودائماً للأمل مساحة في لوحتي.
في بعض اللوحات تمنحينا إحساس من يقف أمام مشهد أو لقطة سينمائية مشحونة بالرموز، هل كان للسينما تأثير في تكوينك الفكري؟
السينما هي فن من أنواع الفنون كالمسرح والرقص والموسيقا، وهي كلها ضمن اهتماماتي و هي تجسيد للحكايا بطريقة مماثلة للوحة بأسلوب مختلف، ولوحتي تحتوي على كل العناصر التي يجب على العمل الفني أن يحتويها من خطوط ومساحات ورموز وألوان أخرجها أنا، ولكن على المتلقي تجميعها وتحريكها بحسب ثقافته وخياله.
– الطيور أحد العناصر المهمة في لوحاتك ماذا تريد أن تقول طيورك؟
الطير هو صديق دائم لأعمالي في هذه المرحلة، فهو يرمز للخير وأحياناً للشر حسب توظيفه في العمل.
– تحملين الجسد في لوحاتك الكثير من الأفكار والدلالات، فبينما يظهر الجسد أحياناً بكامل جماله وبهائه يبدو أحياناً أخرى كائناً ممزقاً تحاولين ترميمه بأكثر الطرق بدائية بالإبرة والخيط، وكأنك تمنعين عالماً هائلاً من الانفجار، وأحياناً يبدو الجسد أسيراً ساكناً داخل ما يشبه الشرنقة وكأنه لايزال لا يعي نفسه؟
أرسم المرأة كرمز للوجود الإنساني وقيمة جمالية وموضوعية بعيداً عن إغراءات الجسد، فهي عنوان للجمال والحب والقوة والعطاء. رسمت الرجل في بعض الأعمال كما أراه في هذا المجتمع أحياناً مصدراً للأمان، وأحياناً الرجل المتقوقع على ذاته ينتظر الأمل، وأحياناً المثقف المقهور المجرد من كل حقوقه ضمن ظروف هذا الواقع المزري.
– يتناقل بعض السوريون الذين لم يغادروا البلاد رغم كل ما حدث نادرةً أنهم نواطير مفاتيح البيوت والذكريات عن البلاد التي كانت، كما في مسرحية فيروز ناطورة المفاتيح، إلى ماذا ترمز المفاتيح في لوحاتك؟ في بعض لوحاتك وكأنك تقترحين مكانا آخر للعيش أو تهربين لعالم آخر؟
في بعض الأعمال المفتاح هو رمز للأمل، فلكل مشكلة برغم صعوبتها هناك حل ونحن شعب يستحق الحياة أتمنى الحياة الكريمة في وطني وألّا أجبر على الرحيل. حتى في إحدى أعمالي كانت لي دعوة لعودة المغتربين لحضن الوطن ولكن أين الوطن …؟؟؟
– ثمة قسوة مبطنة في لوحاتك قسوة على الجسد الإنساني، لكنها لا تخلو من الأمل؟ هل تعتقدين أن ثمة ولادة جديدة تنتظر الإنسان السوري؟
القسوة لا تولد من الفراغ هي حصيلة تجارب وسنوات من التعب والقهر، ومع ذلك نتمنى الأفضل وننظر للمستقبل بعين التفاؤل.
– قمت بتجربة التصميم والرسم على الحاسب “فن الديجيتال” اين تختلف التجربتان ما بين الرسم المباشر بالألوان والريشة وبين الرسم والتصميم الرقمي؟
فن الديجيتال Digital art هو من أشكال الفنون الحديثة. يستهويني واستخدمه عندما تتزاحم الأفكار برأسي ويصعب تنفيذها ضمن اللوحة التشكيلية، ويمكن أن يكون استهزاء أو نقد أو طرح لقضية ما، ومن ضمن تجاربي المستمرة إحياء الأعمال العالمية وتقديمها بشكل يخدم الفكرة أكثر من الجمال، أما الألوان فهي عالمي أغوص بها وأراها في أبسط الأشياء، وهي الإدراك الحسي للعين البشرية. وللألوان قدرة على تغيير نفسية الإنسان فأمام اللوحة وبياضها الناصع أحتاج لهذه الألوان لأبدأ معركتي وأفجر كل طاقاتي فيها، لأصل إلى صياغة مُرضية لكلينا.
– قمت بعدة معارض مشتركة مع فنانين في دول مختلفة بماذا يختلف المعرض الفردي للفنان عن المعرض المشترك؟
في البداية كان لابد من المشاركة بمعارض جماعية لإثبات الوجود، ولكن وفي سوريا تحديداً المعارض الجماعية تأطرت ضمن نظام الشللية وهي لا تقدم شيئاً للفنان إلا التقليل من قيمة عمله.
– يقول الكاتب الإيطالي بافيزي “الأدب سلاح ضد اعتداءات الحياة “، هل يمنحك الفن نوعاً من الخلاص؟ فيفيان الصائغ ما الذي يقلقك كفنانة وكإنسانة تعيش في بلادٍ دمرتها الحرب؟
الفنان في حالة بحث وتوتر دائم، والفن هو صديقي في هذه الحياة الصعبة، وهو مسؤولية أحملها لأقدم دائماً الأفضل لنفسي وللمجتمع. وطموحاتي كبيرة أضعها في خدمة الفن والإنسانية وما حققته حتى الآن هو تمهيد لما اطمح له مستقبلاً.